«داعش» و«القاعدة»... من الافتراق إلى الاندماج

{كارثة إرهابية} في الطريق

حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)
حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» و«القاعدة»... من الافتراق إلى الاندماج

حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)
حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)

المؤكد أن هناك فارقاً واضحاً في أهداف اثنتين من أكبر الجماعات الإرهابية حول العالم في الوقت المعاصر؛ ففيما توجه وتثبت «القاعدة» أنظارها دائماً وأبداً على الولايات المتحدة الأميركية، ومحاولة إلحاق أكبر ضرر بها، فإن «داعش» يسعى في سياق مفاهيمي آخر يتصل ببناء دولة وتوسيع مداراتها الجغرافية والديموغرافية.
غير أن ذلك في واقع الحال لا ينفي أن لدى الجماعتين روابط مشتركة، فكلتاهما تستخدم العنف المسلح، وتسعى لإيجاد أرضية قوية في مناطق «البطن الرخوة» حول العالم، لا سيما في أماكن مثل أفغانستان والعراق، وبعض النقاط الملتهبة في أفريقيا، فهل يعني ذلك أن اندماجهما قد يكون خطوة قريبة على الطريق، لا سيما أن التشابهات الآيديولوجية بين «القاعدة» و«داعش» تظل أكبر بكثير من الفوارق؟
منذ عام ونصف العام تقريباً بدأ السؤال المتقدِّم يشكل عامل إزعاج لكثير من الخبراء الأمنيين حول العالم، وبات البحث عن الجواب شغلهم الشاغل، وقد طرح أول الأمر في أبريل (نيسان) 2017 خلال مؤتمر «موسكو الدولي السادس للأمن»، وفيه تحدث فاليري ميميوريكوف أمين عام منظمة معاهدة الأمن الجماعي بالقول: «حسب المعطيات المتوفرة، هناك محاولات أخيراً تعمل على تجاوز الخلافات عبر المفاوضات بين (داعش) و(القاعدة)، وضم هذين التنظيمين الإرهابيين في اتحاد واحد، ما النتيجة المتوقعة حال جرت الأقدار على هذا النحو؟»، يؤكد الخبير الروسي أنه «في حال تنفيذ هذه المبادرة، سينمو التهديد الإرهابي في العالم بأضعاف مضاعفة».
تبدي الاستخبارات الروسية بنوع خاص مراقبة دقيقة ولصيقة لـ«داعش» و«القاعدة»، ربما لأنها الأقرب لوجيستياً من أفغانستان، وهناك أخبار كثيرة متواترة عن بلورة كيان إرهابي جديد بين الجماعتين، في كنف «طالبان» بنوع خاص، وربما هذا ما أدى لإعلان مدير مصلحة الأمن الفيدرالية الروسية ألكسندر بورتنيكوف في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن أن هناك بوادر لتقارب بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين، محذراً من المخاطر الناجمة عن احتمال دمج قدراتهما.
يذهب الخبير الروسي إلى أن هزيمة الإرهابيين على ساحات القتال دفعتهم إلى البحث عن إمكانيات جديدة لمواصلة نشاطاتهم الدموية، بما في ذلك توسيع رقعة وجودهم في دول «آمنة» سابقاً، إضافة إلى رصد حوادث تنقل مسلحين من وإلى أوطانهم في دول أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب شرقي آسيا، وكذلك إلى أفغانستان، مما يزيد من خطورة اختراقهم منطقة آسيا الوسطى.
ولعل المتابع للمراكز البحثية الفكرية المهتمة بجماعات الراديكالية السياسي والإرهابي، حول العالم، يدرك أن الحديث يدور عن تنظيمين متشابهين آيديولوجيا، ويعتمدان على موارد بشرية مشتركة لتجنيد مسلحين جدد، وعلى الرغم من وقوع صدامات مسلحة أحياناً بين التنظيمين الإرهابيين، فإن ثمة حالات كثيرة من انضمام عناصر أحدهما إلى صفوف الآخر، سواء أكان ذلك بدوافع نفعية أو جراء تغيير الأوضاع الميدانية أو لأسباب أخرى.
ثم إن المتابع لـ«القاعدة» و«داعش»، وبنوع خاص من خلال تحليل خطاباتهما الإعلامية، وطرائق تواصلهما مع العالم الخارجي، يلحظ بالفعل نمواً مطرداً ومتشابهاً في التقارب الإعلامي، فكلاهما يحاول ترسيخ الأفكار الراديكالية عينها، وتجنيد أنصار جدد، مع استخدام أساليب وسبل متشابهة للتأثير الآيديولوجي، وإنشاء مجال إعلامي موحد وظيفته التعامل مع القاعدة المشتركة من مستخدمي الإنترنت.
تبدو المخاوف جدية، ويمكن للمرء القطع بأن هناك شيئاً ما يتخلَّق وراء الكواليس، الأمر الذي دعا سيرغي كوجيتيف النائب الأول لرئيس مركز الأغراض الخاصة التابع للمخابرات الخارجية الروسية، للتصريح لأول مرة وبشكل علني في أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي بأن «قوة تدميرية إرهابية هائلة في الطريق، من جراء تأسيس مسلحي تنظيمي (داعش) و(القاعدة) الإرهابيين لكيان مؤسسي مقبل؛ كيان سيكون هجيناً، وستكون له موارده الخاصة، سواء البشرية أو المادية، ما يعني أن العالم أمام تحدٍّ قاتل وخطير ومزعج»، بحسب وصفه.
هل كانت عيون الاستخبارات الأميركية المختلفة منشغلة أو غافلة عما يجري من هول كبير مقبل؟
لا يمكن بالقطع أن تكون الولايات المتحدة الأميركية منشغلة عن متابعة الأمر، لا سيما أنّ الرئيس ترمب يضع في مقدمة أهدافه محاربة الإرهاب والقضاء عليه في أي بقعة أو رقعة حول العالم، وهذا ما يتجلَّى في الاستراتيجية الأميركية الأخيرة لمحاربة الإرهاب حول العالم، بما فيها من عودة إلى أفكار الضربات الاستباقية أو الحرب الوقائية، لقطع الطريق على عودة الجماعات الظلامية مرة أخرى.
ولعل المطالع للصحافة الأميركية في الأشهر الأخيرة يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك نقاشات محمومة دائرة في كواليس المؤسسة العسكرية الأميركية بشأن اتحاد مقبل، وربما قائم بين «داعش» و«القاعدة».
يكتب أخيراً بروس هوفمان البروفسور في جامعة جورجتاون الأميركية العريقة، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع «البنتاغون»، في مقال تحليلي عبر الصحافة الأميركية يقول إن تحالف المجموعتين أمر لا مفر منه، وبحسب رأيه، فإن التقارب بين المجموعتين في سوريا لم يحصل منذ بداية النزاع، بل كانت تدور بينهما اشتباكات مسلحة، وذلك بسبب التنافس والاختلاف الفكري بينهما، ولكن مسألة تحالفهما تصبح مرجحة جداً حالياً، نتيجة للهزائم المستمرة وفقدان السيطرة على مساحات واسعة في سوريا.
مدير مركز التحليل السياسي - العسكري في معهد هدسون الأميركي، ريتشارد وايتس الخبير العسكري المعروف، يرى أن الضغط المستمر من جانب روسيا والولايات المتحدة على المجموعات الإرهابية يجبرهم على إنشاء تحالفات، وأن الخلافات توضع خلفهما، ويمكنهما تجاوزها فقط في حال بروز خطر القضاء عليهما نهائياً، على الرغم من أنه نادراً ما تنشئ المجموعات الإرهابية تحالفات، لأنها لا تميل إلى ذلك في الأصل.
لم تكن إشكالية الاتحاد المرتقب بين «داعش» و«القاعدة» لتغيب كذلك عن المراقبين التابعين للأمم المتحدة، وقد وصفوا في تقرير مطوَّل لهم في شهر أغسطس (آب) الماضي أحوال ومآلات التنظيمين الإرهابيين، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية بعض ما جاء فيه، كالقول على سبيل المثال إن تنظيم القاعدة لا يزال صامداً بشكل لافت، وإنه يشكل خطراً أكبر من تنظيم «داعش» في بعض المناطق، فيما حذروا من إمكانية تعاون مشترك بين التنظيمين لشن هجمات إرهابية على بلدان مختلفة.
التقرير الذي نحن بصدده، والذي تم رفعه لمجلس الأمن الدولي، يميط اللثام عن حقيقة مثيرة للغاية، تبين إخفاق كل الاستراتيجيات السابقة لمحاربة التنظيمات الإرهابية الكبرى حول العالم، وبنوع خاص «القاعدة»، على الرغم من الحروب الظاهرة والخفية التي سنَّتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، في الصومال والنيجر، بل على العكس تماماً فربما جاءت مثل تلك الحروب بردات فعل عكسية، فقد نشأ «داعش» في العراق وسوريا، جراء الغزو الأميركي، وليس قبله.
يذهب المراقبون في هذا التقرير تحديداً إلى أن المجموعات المرتبطة بـ«القاعدة» لا تزال تشكل التهديد الإرهابي الأبرز في بعض المناطق، مثل الصومال واليمن، والدليل على ذلك الهجمات المتواصلة والعمليات التي يتم إفشالها باستمرار.
هل يُفهم من هذا التقرير أن «القاعدة» لا تزال أخطر من «داعش» رغم كل المشاهد الدموية التي أقدمت عليها الأخيرة؟
التقرير يخبرنا بأن المجموعات المرتبطة بـ«القاعدة» في غرب أفريقيا وفي جنوب آسيا، تشكل خطورة أكبر من مقاتلي تنظيم «داعش» العاجزين حالياً عن فرض أنفسهم في موقع قوة، ويحذر من احتمالات حدوث تعاون بين مجموعات مرتبطة بتنظيم «داعش» وأخرى تابعة لـ«القاعدة» في بعض المناطق، ما يمكن أن يشكل تهديداً جديداً وجدياً حول العالم.
والثابت أن حديث الأرقام لا يكذب ولا يتجمل، ففي سوريا على سبيل المثال، لا تزال «جبهة النصرة» أحد أقوى وأكبر فروع تنظيم «القاعدة» في العالم، ومقاتلوها يلجأون إلى التهديد والعنف والحوافز المادية لضم مجموعات مسلحة صغيرة، ويبلغ عدد مقاتلي هذه الجبهة بين 7 و11 ألف شخص، من بينهم آلاف المقاتلين الأجانب، وهي تتخذ إدلب شمال غربي سوريا معقلاً لها.
ما الذي يجعل الدواعش يستعينون برجالات «القاعدة» ويغفلون الخلافات البينية بينهم، ويدخلون في شراكة استراتيجية معهم؟
الشاهد أن تنظيم «القاعدة» لديه ميزة نسبية، وهي قدرته على تحقيق التوازن الفعال بين الأهداف المحلية والعالمية، وهذا ما يشير إليه الباحث المتخصص في الشؤون الإرهابية دانيال بيمان، بقوله: «لقد حافظ المتطرفون على علاقات جيدة مع القبائل المحلية، وكانوا مرنين في فرض الشريعة، وما زال تنظيم (القاعدة) في شبه الجزيرة العربية قادراً على لعب دور مثل هجمات (شارلي إيبدو) في باريس أوائل عام 2015، كما يحافظ التنظيم على علاقة وثيقة بشكل متزايد مع (حركة الشباب) في الصومال و(جبهة النصرة)».
وثمة من يسأل: «هل من موقع أو موضع بعينه حول العالم مرشح لأن يضحى أرض المعسكر الجديد، لظهور وارتقاء حلف الإرهاب الأخطر المنتظر من جراء الشراكة بين (القاعدة) و(داعش)؟».
المؤكد بلا جدال أن المكان المقصود هو أفغانستان، وأن الساتر الأعلى الذي يمكنه أن يوفر للفصيل الجديد الحياة والمأوى هم جماعة «طالبان»، تلك التي بقيت صامدة رغم الضربات القوية التي تعرضت لها الحركة طوال ثماني عشرة سنة، فإرهابها حاضر، وعملياتها مستمرة في مناطق مختلفة من البلاد، الأمر الذي انعكس على التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال جوزيف دنفورد في 18 نوفمبر الماضي وقال فيها: «إن (طالبان) لا تخسر في الميدان»، مشيراً إلى تقدمها في الأراضي الأفغانية، وعدم خسارتها الحرب التي شنتها ضد القوات الأفغانية والأجنبية.
لماذا «طالبان» هي أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش»؟
ربما لسببين رئيسيين: الأول يتعلق بكون أفغانستان نقطة مشتركة للحضور الأميركي والروسي؛ الأول بالوجود والثاني من خلال الحدود.
بينما السبب الثاني هو وجود مساحات واسعة وشاسعة مسيطَر عليها من قِبَل «طالبان» في دولة متسعة، حيث تسيطر ميليشيات «طالبان» على 14 إقليماً بما يمثل 4 في المائة من مساحة الدولة، وتوجَد في 263 إقليماً آخر بما تصل نسبته إلى 66 في المائة من هذه المساحة، كما أن خبراتها الميدانية، وسيطرتها التنظيمية، وتجربتها التاريخية في مواجهة الأميركيين والروس، تجعل منها الأستاذ والمعلِّم الأكبر في ساحات القتال لكل الجماعات الإرهابية شرقاً وغرباً.
ولعل أحد أهم الذين التفتوا إلى تلك الحقيقة التي باتت شِبهَ واقعٍ سكوت ستيوارت الباحث في مركز «ستراتفور» الأميركي، الذي يُعتبر استخبارات الظل للمخابرات المركزية الأميركية؛ ففي مارس (آذار) 2017 تساءل: «هل تستطيع (القاعدة) و(داعش) العثور على أرضية مشتركة»؟
التحليل يلفت إلى مناطق البطون الرخوة حول العالم، حيث الدول الفاشلة التي ينعدم فيها الأمن، وهنا تأتي أفغانستان في المقدمة، وخلاصة رؤية ستيوارت أن قدرات «القاعدة» و«داعش» معاً ستشكل خطراً كثيراً وداهماً على العالم، أكثر بكثير مما يشكلانه وهما منقسمان.
إن تعميق الخلافات بين الأقطاب الكبرى، لا سيما بين موسكو وواشنطن، وبدرجة أخرى بكين، سوف يسهم في نجاحات مقبلة تؤدي بـ«القاعدة» و«داعش» إلى تخليق وحش إرهابي جديد، سيكون من الصعوبة بمكان مواجهته.
وعليه، فإنه كلما تباعدت المواقف، وتلاعبت الأطراف الدولية بالجماعات الأصولية الإرهابية، سيجد الإرهاب والإرهابيون بيئة ملاءمة لنموهم والسعي بالفساد في الأرض، وعليه لا بد من بناء حالة من حالات «الثقة الأممية»، إن جاز التعبير، لملاقاة الموت المقبل، لا سيما أن الأفكار التي يعتنقها الطرفان تجد انتشاراً واسعاً حول العالم، كلما ازدادت حالة اللاعدالة الاجتماعية، والتفاوت الطبقي، والصراع الأممي في وقت تنصهر فيه الطبقات التكتونية للنظام العالمي القائم، ودون ملامح لآخر مقبل.


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».