«داعش» و«القاعدة»... من الافتراق إلى الاندماج

{كارثة إرهابية} في الطريق

حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)
حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» و«القاعدة»... من الافتراق إلى الاندماج

حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)
حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)

المؤكد أن هناك فارقاً واضحاً في أهداف اثنتين من أكبر الجماعات الإرهابية حول العالم في الوقت المعاصر؛ ففيما توجه وتثبت «القاعدة» أنظارها دائماً وأبداً على الولايات المتحدة الأميركية، ومحاولة إلحاق أكبر ضرر بها، فإن «داعش» يسعى في سياق مفاهيمي آخر يتصل ببناء دولة وتوسيع مداراتها الجغرافية والديموغرافية.
غير أن ذلك في واقع الحال لا ينفي أن لدى الجماعتين روابط مشتركة، فكلتاهما تستخدم العنف المسلح، وتسعى لإيجاد أرضية قوية في مناطق «البطن الرخوة» حول العالم، لا سيما في أماكن مثل أفغانستان والعراق، وبعض النقاط الملتهبة في أفريقيا، فهل يعني ذلك أن اندماجهما قد يكون خطوة قريبة على الطريق، لا سيما أن التشابهات الآيديولوجية بين «القاعدة» و«داعش» تظل أكبر بكثير من الفوارق؟
منذ عام ونصف العام تقريباً بدأ السؤال المتقدِّم يشكل عامل إزعاج لكثير من الخبراء الأمنيين حول العالم، وبات البحث عن الجواب شغلهم الشاغل، وقد طرح أول الأمر في أبريل (نيسان) 2017 خلال مؤتمر «موسكو الدولي السادس للأمن»، وفيه تحدث فاليري ميميوريكوف أمين عام منظمة معاهدة الأمن الجماعي بالقول: «حسب المعطيات المتوفرة، هناك محاولات أخيراً تعمل على تجاوز الخلافات عبر المفاوضات بين (داعش) و(القاعدة)، وضم هذين التنظيمين الإرهابيين في اتحاد واحد، ما النتيجة المتوقعة حال جرت الأقدار على هذا النحو؟»، يؤكد الخبير الروسي أنه «في حال تنفيذ هذه المبادرة، سينمو التهديد الإرهابي في العالم بأضعاف مضاعفة».
تبدي الاستخبارات الروسية بنوع خاص مراقبة دقيقة ولصيقة لـ«داعش» و«القاعدة»، ربما لأنها الأقرب لوجيستياً من أفغانستان، وهناك أخبار كثيرة متواترة عن بلورة كيان إرهابي جديد بين الجماعتين، في كنف «طالبان» بنوع خاص، وربما هذا ما أدى لإعلان مدير مصلحة الأمن الفيدرالية الروسية ألكسندر بورتنيكوف في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن أن هناك بوادر لتقارب بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين، محذراً من المخاطر الناجمة عن احتمال دمج قدراتهما.
يذهب الخبير الروسي إلى أن هزيمة الإرهابيين على ساحات القتال دفعتهم إلى البحث عن إمكانيات جديدة لمواصلة نشاطاتهم الدموية، بما في ذلك توسيع رقعة وجودهم في دول «آمنة» سابقاً، إضافة إلى رصد حوادث تنقل مسلحين من وإلى أوطانهم في دول أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب شرقي آسيا، وكذلك إلى أفغانستان، مما يزيد من خطورة اختراقهم منطقة آسيا الوسطى.
ولعل المتابع للمراكز البحثية الفكرية المهتمة بجماعات الراديكالية السياسي والإرهابي، حول العالم، يدرك أن الحديث يدور عن تنظيمين متشابهين آيديولوجيا، ويعتمدان على موارد بشرية مشتركة لتجنيد مسلحين جدد، وعلى الرغم من وقوع صدامات مسلحة أحياناً بين التنظيمين الإرهابيين، فإن ثمة حالات كثيرة من انضمام عناصر أحدهما إلى صفوف الآخر، سواء أكان ذلك بدوافع نفعية أو جراء تغيير الأوضاع الميدانية أو لأسباب أخرى.
ثم إن المتابع لـ«القاعدة» و«داعش»، وبنوع خاص من خلال تحليل خطاباتهما الإعلامية، وطرائق تواصلهما مع العالم الخارجي، يلحظ بالفعل نمواً مطرداً ومتشابهاً في التقارب الإعلامي، فكلاهما يحاول ترسيخ الأفكار الراديكالية عينها، وتجنيد أنصار جدد، مع استخدام أساليب وسبل متشابهة للتأثير الآيديولوجي، وإنشاء مجال إعلامي موحد وظيفته التعامل مع القاعدة المشتركة من مستخدمي الإنترنت.
تبدو المخاوف جدية، ويمكن للمرء القطع بأن هناك شيئاً ما يتخلَّق وراء الكواليس، الأمر الذي دعا سيرغي كوجيتيف النائب الأول لرئيس مركز الأغراض الخاصة التابع للمخابرات الخارجية الروسية، للتصريح لأول مرة وبشكل علني في أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي بأن «قوة تدميرية إرهابية هائلة في الطريق، من جراء تأسيس مسلحي تنظيمي (داعش) و(القاعدة) الإرهابيين لكيان مؤسسي مقبل؛ كيان سيكون هجيناً، وستكون له موارده الخاصة، سواء البشرية أو المادية، ما يعني أن العالم أمام تحدٍّ قاتل وخطير ومزعج»، بحسب وصفه.
هل كانت عيون الاستخبارات الأميركية المختلفة منشغلة أو غافلة عما يجري من هول كبير مقبل؟
لا يمكن بالقطع أن تكون الولايات المتحدة الأميركية منشغلة عن متابعة الأمر، لا سيما أنّ الرئيس ترمب يضع في مقدمة أهدافه محاربة الإرهاب والقضاء عليه في أي بقعة أو رقعة حول العالم، وهذا ما يتجلَّى في الاستراتيجية الأميركية الأخيرة لمحاربة الإرهاب حول العالم، بما فيها من عودة إلى أفكار الضربات الاستباقية أو الحرب الوقائية، لقطع الطريق على عودة الجماعات الظلامية مرة أخرى.
ولعل المطالع للصحافة الأميركية في الأشهر الأخيرة يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك نقاشات محمومة دائرة في كواليس المؤسسة العسكرية الأميركية بشأن اتحاد مقبل، وربما قائم بين «داعش» و«القاعدة».
يكتب أخيراً بروس هوفمان البروفسور في جامعة جورجتاون الأميركية العريقة، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع «البنتاغون»، في مقال تحليلي عبر الصحافة الأميركية يقول إن تحالف المجموعتين أمر لا مفر منه، وبحسب رأيه، فإن التقارب بين المجموعتين في سوريا لم يحصل منذ بداية النزاع، بل كانت تدور بينهما اشتباكات مسلحة، وذلك بسبب التنافس والاختلاف الفكري بينهما، ولكن مسألة تحالفهما تصبح مرجحة جداً حالياً، نتيجة للهزائم المستمرة وفقدان السيطرة على مساحات واسعة في سوريا.
مدير مركز التحليل السياسي - العسكري في معهد هدسون الأميركي، ريتشارد وايتس الخبير العسكري المعروف، يرى أن الضغط المستمر من جانب روسيا والولايات المتحدة على المجموعات الإرهابية يجبرهم على إنشاء تحالفات، وأن الخلافات توضع خلفهما، ويمكنهما تجاوزها فقط في حال بروز خطر القضاء عليهما نهائياً، على الرغم من أنه نادراً ما تنشئ المجموعات الإرهابية تحالفات، لأنها لا تميل إلى ذلك في الأصل.
لم تكن إشكالية الاتحاد المرتقب بين «داعش» و«القاعدة» لتغيب كذلك عن المراقبين التابعين للأمم المتحدة، وقد وصفوا في تقرير مطوَّل لهم في شهر أغسطس (آب) الماضي أحوال ومآلات التنظيمين الإرهابيين، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية بعض ما جاء فيه، كالقول على سبيل المثال إن تنظيم القاعدة لا يزال صامداً بشكل لافت، وإنه يشكل خطراً أكبر من تنظيم «داعش» في بعض المناطق، فيما حذروا من إمكانية تعاون مشترك بين التنظيمين لشن هجمات إرهابية على بلدان مختلفة.
التقرير الذي نحن بصدده، والذي تم رفعه لمجلس الأمن الدولي، يميط اللثام عن حقيقة مثيرة للغاية، تبين إخفاق كل الاستراتيجيات السابقة لمحاربة التنظيمات الإرهابية الكبرى حول العالم، وبنوع خاص «القاعدة»، على الرغم من الحروب الظاهرة والخفية التي سنَّتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، في الصومال والنيجر، بل على العكس تماماً فربما جاءت مثل تلك الحروب بردات فعل عكسية، فقد نشأ «داعش» في العراق وسوريا، جراء الغزو الأميركي، وليس قبله.
يذهب المراقبون في هذا التقرير تحديداً إلى أن المجموعات المرتبطة بـ«القاعدة» لا تزال تشكل التهديد الإرهابي الأبرز في بعض المناطق، مثل الصومال واليمن، والدليل على ذلك الهجمات المتواصلة والعمليات التي يتم إفشالها باستمرار.
هل يُفهم من هذا التقرير أن «القاعدة» لا تزال أخطر من «داعش» رغم كل المشاهد الدموية التي أقدمت عليها الأخيرة؟
التقرير يخبرنا بأن المجموعات المرتبطة بـ«القاعدة» في غرب أفريقيا وفي جنوب آسيا، تشكل خطورة أكبر من مقاتلي تنظيم «داعش» العاجزين حالياً عن فرض أنفسهم في موقع قوة، ويحذر من احتمالات حدوث تعاون بين مجموعات مرتبطة بتنظيم «داعش» وأخرى تابعة لـ«القاعدة» في بعض المناطق، ما يمكن أن يشكل تهديداً جديداً وجدياً حول العالم.
والثابت أن حديث الأرقام لا يكذب ولا يتجمل، ففي سوريا على سبيل المثال، لا تزال «جبهة النصرة» أحد أقوى وأكبر فروع تنظيم «القاعدة» في العالم، ومقاتلوها يلجأون إلى التهديد والعنف والحوافز المادية لضم مجموعات مسلحة صغيرة، ويبلغ عدد مقاتلي هذه الجبهة بين 7 و11 ألف شخص، من بينهم آلاف المقاتلين الأجانب، وهي تتخذ إدلب شمال غربي سوريا معقلاً لها.
ما الذي يجعل الدواعش يستعينون برجالات «القاعدة» ويغفلون الخلافات البينية بينهم، ويدخلون في شراكة استراتيجية معهم؟
الشاهد أن تنظيم «القاعدة» لديه ميزة نسبية، وهي قدرته على تحقيق التوازن الفعال بين الأهداف المحلية والعالمية، وهذا ما يشير إليه الباحث المتخصص في الشؤون الإرهابية دانيال بيمان، بقوله: «لقد حافظ المتطرفون على علاقات جيدة مع القبائل المحلية، وكانوا مرنين في فرض الشريعة، وما زال تنظيم (القاعدة) في شبه الجزيرة العربية قادراً على لعب دور مثل هجمات (شارلي إيبدو) في باريس أوائل عام 2015، كما يحافظ التنظيم على علاقة وثيقة بشكل متزايد مع (حركة الشباب) في الصومال و(جبهة النصرة)».
وثمة من يسأل: «هل من موقع أو موضع بعينه حول العالم مرشح لأن يضحى أرض المعسكر الجديد، لظهور وارتقاء حلف الإرهاب الأخطر المنتظر من جراء الشراكة بين (القاعدة) و(داعش)؟».
المؤكد بلا جدال أن المكان المقصود هو أفغانستان، وأن الساتر الأعلى الذي يمكنه أن يوفر للفصيل الجديد الحياة والمأوى هم جماعة «طالبان»، تلك التي بقيت صامدة رغم الضربات القوية التي تعرضت لها الحركة طوال ثماني عشرة سنة، فإرهابها حاضر، وعملياتها مستمرة في مناطق مختلفة من البلاد، الأمر الذي انعكس على التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال جوزيف دنفورد في 18 نوفمبر الماضي وقال فيها: «إن (طالبان) لا تخسر في الميدان»، مشيراً إلى تقدمها في الأراضي الأفغانية، وعدم خسارتها الحرب التي شنتها ضد القوات الأفغانية والأجنبية.
لماذا «طالبان» هي أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش»؟
ربما لسببين رئيسيين: الأول يتعلق بكون أفغانستان نقطة مشتركة للحضور الأميركي والروسي؛ الأول بالوجود والثاني من خلال الحدود.
بينما السبب الثاني هو وجود مساحات واسعة وشاسعة مسيطَر عليها من قِبَل «طالبان» في دولة متسعة، حيث تسيطر ميليشيات «طالبان» على 14 إقليماً بما يمثل 4 في المائة من مساحة الدولة، وتوجَد في 263 إقليماً آخر بما تصل نسبته إلى 66 في المائة من هذه المساحة، كما أن خبراتها الميدانية، وسيطرتها التنظيمية، وتجربتها التاريخية في مواجهة الأميركيين والروس، تجعل منها الأستاذ والمعلِّم الأكبر في ساحات القتال لكل الجماعات الإرهابية شرقاً وغرباً.
ولعل أحد أهم الذين التفتوا إلى تلك الحقيقة التي باتت شِبهَ واقعٍ سكوت ستيوارت الباحث في مركز «ستراتفور» الأميركي، الذي يُعتبر استخبارات الظل للمخابرات المركزية الأميركية؛ ففي مارس (آذار) 2017 تساءل: «هل تستطيع (القاعدة) و(داعش) العثور على أرضية مشتركة»؟
التحليل يلفت إلى مناطق البطون الرخوة حول العالم، حيث الدول الفاشلة التي ينعدم فيها الأمن، وهنا تأتي أفغانستان في المقدمة، وخلاصة رؤية ستيوارت أن قدرات «القاعدة» و«داعش» معاً ستشكل خطراً كثيراً وداهماً على العالم، أكثر بكثير مما يشكلانه وهما منقسمان.
إن تعميق الخلافات بين الأقطاب الكبرى، لا سيما بين موسكو وواشنطن، وبدرجة أخرى بكين، سوف يسهم في نجاحات مقبلة تؤدي بـ«القاعدة» و«داعش» إلى تخليق وحش إرهابي جديد، سيكون من الصعوبة بمكان مواجهته.
وعليه، فإنه كلما تباعدت المواقف، وتلاعبت الأطراف الدولية بالجماعات الأصولية الإرهابية، سيجد الإرهاب والإرهابيون بيئة ملاءمة لنموهم والسعي بالفساد في الأرض، وعليه لا بد من بناء حالة من حالات «الثقة الأممية»، إن جاز التعبير، لملاقاة الموت المقبل، لا سيما أن الأفكار التي يعتنقها الطرفان تجد انتشاراً واسعاً حول العالم، كلما ازدادت حالة اللاعدالة الاجتماعية، والتفاوت الطبقي، والصراع الأممي في وقت تنصهر فيه الطبقات التكتونية للنظام العالمي القائم، ودون ملامح لآخر مقبل.


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».