الكنيسة الكاثوليكية تعلن «تطويب» 19 قتيلاً في الجزائر

TT

الكنيسة الكاثوليكية تعلن «تطويب» 19 قتيلاً في الجزائر

شهدت وهران، كبرى مدن الغرب الجزائري، أمس، حدثاً غير عادي وغير مسبوق، تمثل في حضور المئات من المسيحيين والمسلمين مراسيم «تطويب» 19 رجل دين وراهبة كاثوليكيين، قتلوا في تسعينات القرن الماضي خلال ما يسمى بـ«العشرية السوداء»، بينهم رهبان تبحيرين السبعة، وتم بالمناسبة نفسها قراءة الفاتحة على أرواح 114 إماماً جزائرياً قتلهم الإرهابيون، بعضهم دفع روحه ثمناً لرفضه إصدار فتوى تجيز اغتيال عسكريين ومدنيين.
شارك في هذه المراسيم، التي تعد الأولى من نوعها في بلد مسلم، الكاردينال جيوفاني أنجيلو بيتشيو، عميد مجمع دعاوى القديسين، (هيئة بالكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان)، ومبعوث البابا فرنسوا، بالإضافة إلى جان باتيست ليموين، موفد الحكومة الفرنسية، كاتب الدولة لدى وزير أوروبا والشؤون الخارجية، الذي تنقل إلى وهران رفقة وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد عيسى.
وحضر التظاهرة، التي حملت شعار «العيش بسلام»، الأسقف السابق لوهران بيير كلافري (1938 - 1996)، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، وسفراء معتمدون بالجزائر وشخصيات أجنبية.
وتابع سكان «الباهية»، وهو وصف يطلق على وهران، المراسيم بفضول واهتمام كبيرين. وشهدت المدينة بالمناسبة تعزيزات أمنية غير مسبوقة، خصوصاً بعد أن تم الإعلان بأن بابا الفاتيكان سيحضر إلى وهران. لكن ذلك لم يتم.
وجرت المراسيم في كنيسة «سانتا كروز» بأعالي وهران، وهي معلم مسيحي جرى ترميمه بعد إغلاقه، وأعيد فتح الكنيسة أمس رسمياً، وأطلق على ساحتها الكبيرة «ساحة العيش معاً في سلام».
وصرح الكاردينال أنجيلو بيتشيو للصحافة، بأن الفاتيكان «يوجه شكره للدولة الجزائرية ورئيسها بوتفليقة على تعاونهما في تنظيم ونجاح الاحتفال بـ(تطويب) الرهبان الـ19 الذين ماتوا في الجزائر». وقال إن الحدث يعد «فرصة لتجديد التزام الكنيسة، التي يمثلها أسقفا الجزائر العاصمة ووهران، والتعبير عن أخوتها وصداقتها مع الشعب الجزائري».
من جهته، ذكر الوزير عيسى أن «الحدث مهم للغاية، كونه الأول الذي يتم تنظيمه خارج الفاتيكان»، مشيراً إلى أن الدستور الجزائري «يكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، وهذا في إطار قوانين الجمهورية».
ولقي رجال الدين المسيحيون الـ19، بينهم رهبان تيبحيرين السبعة، في منطقة المدية جنوب العاصمة، حتفهم، خلال ما يعرف بـ«العشرية السوداء» في تسعينات القرن الماضي. وكان بين هؤلاء الرهبان الآباء البيض الأربعة (جمعية الآباء البيض)، الذين قتلوا في 27 من ديسمبر (كانون الأول) 1994 داخل ديرهم بتيزي وزو في منطقة القبائل (شرق). وهؤلاء المبشرون الأربعة هم: الفرنسيون جان شوفيار (69 عاماً)، وآلان ديولانغار (75 عاماً)، وكريستيان شيسيل (36 عاماً)، والبلجيكي شارل ديكير (70 عاماً). وكانوا جميعهم ينتمون إلى «بعثة التبشير الأفريقية»، التي تأسست في الجزائر عام 1868، وقد تبنت «الجماعة الإسلامية المسلحة»، المعروفة اختصار بـ«الجيا»، عملية اختطافهم وقتلهم.
وإلى جانب الآباء البيض الأربعة، قتل رهبان تيبحيرين السبعة في 26 و27 من مارس (آذار) 1996، بعد أن تم خطفهم من ديرهم «سيدة الأطلس» في تيبحيرين، الواقعة على مرتفعات ولاية المدية. وكان هؤلاء يتقاسمون محصولهم الزراعي مع سكان المنطقة، التي رفضوا مغادرتها رغم تزايد الأحداث الأمنية. وهؤلاء الرهبان هم: كريستيان دو شيرجيه (59 عاماً)، ولوك دوشييه (82 عاماً)، وبول فافر ميفيل (56 عاماً)، وكريستوف لوبروتون (45 عاماً)، وميشال فلوري (51 عاماً)، وسيليستان رينجار (62 عاماً)، وبرونو لومارشان (66 عاماً).
وفي 23 من مايو (أيار) من السنة نفسها، أعلنت «الجيا» أنها قتلت الرهبان الرهائن، وفي 30 من الشهر نفسه، عثر الجيش الجزائري على رؤوس الرهبان على طريق قرب المدية، ولكن ليس على جثثهم. وفي وقت لاحق أثارت بعض الشهادات شكوكاً في الرواية الرسمية الجزائرية بشأن ارتكاب «الإسلاميين» للجريمة. وبحسب تلك الشهادات، فإن هناك روايات أخرى تحمل على الاعتقاد بوجود خطأ ارتكبه الجيش الجزائري، أو بحصول تلاعب من جانب الأجهزة العسكرية لتشويه سمعة «الإسلاميين»، وقد تسبب ذلك في أزمة حادة بين الجزائر وفرنسا، دامت فترة طويلة.



أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
TT

أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)

قدَّم تقرير أممي حديث عن أوضاع التعليم في مديرية رازح اليمنية التابعة لمحافظة صعدة؛ حيثُ المعقل الرئيسي للحوثيين شمالي اليمن، صورة بائسة حول الوضع الذي يعيش فيه مئات من الطلاب وهم يقاومون من أجل الاستمرار في التعليم، من دون مبانٍ ولا تجهيزات مدرسية، بينما يستخدم الحوثيون كل عائدات الدولة لخدمة قادتهم ومقاتليهم.

ففي أعماق الجبال المرتفعة في المديرية، لا يزال الأطفال في المجتمعات الصغيرة يواجهون التأثير طويل الأمد للصراعات المتكررة في المحافظة، والتي بدأت منتصف عام 2004 بإعلان الحوثيين التمرد على السلطة المركزية؛ إذ استمر حتى عام 2010، ومن بعده فجَّروا الحرب الأخيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن.

الطلاب اليمنيون يساعدون أسرهم في المزارع وجلب المياه من بعيد (الأمم المتحدة)

وفي المنطقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال رحلة برية تستغرق ما يقرب من 7 ساعات من مدينة صعدة (مركز المحافظة)، تظل عمليات تسليم المساعدات والوصول إلى الخدمات الأساسية محدودة، وفقاً لتقرير حديث وزعته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ إذ بينت المنظمة فيه كيف يتحمل الأطفال بشكل خاص وطأة الفرص التعليمية المحدودة، والمرافق المدرسية المدمرة.

مدرسة من دون سقف

وأورد التقرير الأممي مدرسة «الهادي» في رازح باعتبارها «مثالاً صارخاً» لتلك الأوضاع، والتي لا تزال تخدم مئات الطلاب على الرغم من الدمار الذي تعرضت له أثناء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، أثناء التمرد على السلطة المركزية؛ حيث تُركت هياكل خرسانية من دون سقف أو جدران.

ويؤكد مدير المدرسة -وفق تقرير «اليونيسيف»- أنها منذ أن أصيبت ظلت على هذه الحال، من ذلك الوقت وحتى الآن. ويقول إنهم كانوا يأملون أن يتم بناء هذه المدرسة من أجل مستقبل أفضل للطلاب، ولكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن بعض الطلاب تركوا الدراسة أو توقفوا عن التعليم تماماً.

مدرسة دُمّرت قبل 15 سنة أثناء تمرد الحوثيين على السلطة المركزية (الأمم المتحدة)

ويجلس الطلاب على أرضيات خرسانية من دون طاولات أو كراسي أو حتى سبورة، ويؤدون الامتحانات على الأرض التي غالباً ما تكون مبللة بالمطر. كما تتدلى الأعمدة المكسورة والأسلاك المكشوفة على الهيكل الهش، مما يثير مخاوف من الانهيار.

وينقل التقرير عن أحد الطلاب في الصف الثامن قوله إنهم معرضون للشمس والبرد والمطر، والأوساخ والحجارة في كل مكان.

ويشرح الطالب كيف أنه عندما تسقط الأمطار الغزيرة يتوقفون عن الدراسة. ويذكر أن والديه يشعران بالقلق عليه حتى يعود إلى المنزل، خشية سقوط أحد الأعمدة في المدرسة.

ويقع هذا التجمع السكاني في منطقة جبلية في حي مركز مديرية رازح أقصى غربي محافظة صعدة، ولديه مصادر محدودة لكسب الرزق؛ حيث تعمل أغلب الأسر القريبة من المدرسة في الزراعة أو الرعي. والأطفال -بمن فيهم الطلاب- يشاركون عائلاتهم العمل، أو يقضون ساعات في جلب المياه من بعيد، بسبب نقص مصادر المياه الآمنة والمستدامة القريبة، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على الطلاب.

تأثير عميق

حسب التقرير الأممي، فإنه على الرغم من التحديات والمخاوف المتعلقة بالسلامة، يأتي نحو 500 طالب إلى المدرسة كل يوم، ويحافظون على رغبتهم القوية في الدراسة، في حين حاول الآباء وأفراد المجتمع تحسين ظروف المدرسة، بإضافة كتل خرسانية في أحد الفصول الدراسية، ومع ذلك، فإن الدمار هائل لدرجة أن هناك حاجة إلى دعم أكثر شمولاً، لتجديد بيئة التعلم وإنشاء مساحة مواتية وآمنة.

واحد من كل 4 أطفال يمنيين في سن التعليم خارج المدرسة (الأمم المتحدة)

ويشير تقرير «يونيسيف»، إلى أن للصراع وانهيار أنظمة التعليم تأثيراً عميقاً على بيئة التعلم للأطفال في اليمن؛ حيث تضررت 2426 مدرسة جزئياً أو كلياً، أو لم تعد تعمل، مع وجود واحد من كل أربعة طلاب في سن التعليم لا يذهبون إلى المدرسة، كما يضطر الذين يستطيعون الذهاب للمدرسة إلى التعامل مع المرافق غير المجهزة والمعلمين المثقلين بالأعباء، والذين غالباً لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.

وتدعم المنظمة الأممية إعادة تأهيل وبناء 891 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن، كما تقدم حوافز لأكثر من 39 ألف معلم لمواصلة تقديم التعليم الجيد، ونبهت إلى أنه من أجل ترميم أو بناء بيئة مدرسية أكثر أماناً للأطفال، هناك حاجة إلى مزيد من الموارد.