«الشرق الأوسط» في موسم الجوائز: جوائز «غولدن غلوبز» متنوعة ومثيرة وترسم معالم الأوسكار

الفيلم اللبناني رسم مآسي البلد

«مولد نجمة» بين برادلي كوبر وليدي غاغا
«مولد نجمة» بين برادلي كوبر وليدي غاغا
TT

«الشرق الأوسط» في موسم الجوائز: جوائز «غولدن غلوبز» متنوعة ومثيرة وترسم معالم الأوسكار

«مولد نجمة» بين برادلي كوبر وليدي غاغا
«مولد نجمة» بين برادلي كوبر وليدي غاغا

أعلنت، في السادس من هذا الشهر، ترشيحات جوائز غولدن غلوبز السنوية، وهي الدورة السادسة والسبعون لمؤسسة صحافية اسمها «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (Hollywood Foreign Press Assocaition) قامت سنة 1943 وأطلقت حفلتها السنوية الأولى سنة 1944.
سنوات مديدة مرّت منذ ذلك الحين وكل ما يمت إلى صناعة الفيلم وفنه تغير عدة مرّات وصولاً لما هو عليه اليوم. أحد المتغيرات الأساسية أن ما كان بسيط التنفيذ في جمعية قوامها لا يزيد على عشرين شخصا (رحل اليوم معظمهم) بات كياناً سينمائياً جامعاً يحتل داخل هوليوود أهمية قصوى.
جوائز «غولدن غلوب» هي المناسبة الثانية في هوليوود من حيث الحجم والأهمية. والمحطة التي تمر عبرها الكثير من الأسماء والعناوين في طريقها إلى المناسبة الأولى وهي الأوسكار. الإعلام يلتف حولها وينتظرها ويتداول ترشيحاتها ويبدأ من يوم إعلانها تعداد الأيام الفاصلة بين هذه الترشيحات وترشيحات الأوسكار المرتقبة في الشهر المقبل.
- الفيلم اللبناني
لكن هل «غولدن غلوبز» مهمّة خارج الولايات المتحدة أيضاً؟
السينمائيون الذين تتبارى أفلامهم للفوز بغولدن «غلوب أفضل فيلم أجنبي» يعتقدون ذلك. في كل سنة ينتظر المخرجون الذين تقدمت أفلامهم لدخول ترشيحات هذه الجائزة النتائج بفارغ الصبر. وهم بالتأكيد يعتقدون أن المناسبة مهمة عالمياً لأنها تمنحهم الحضور الإعلامي الكبير كما تهدي أحدهم جائزة ثمينة حين فوزه.
تستطيع المخرجة اللبنانية نادين لبكي أن تؤكد ذلك. ففيلمها «كفرناحوم» من بين الأفلام الخمسة المرشحة للغولدن غلوب في هذا المجال، هي قفزت من فرحها أول ما وصلها النبأ وأدلت لكاميرا أحد التلفزيونات العربية بتصريح عبّـرت فيه عن سعادتها المطلقة وبدأت - ولو باكراً - بشكر عدة أسماء شخصية ومهنية من تلك التي أحاطت بها أثناء العمل.
لكن «كفرناحوم» ليس وحده بالطبع في هذا القسم المهم بل هو محاط بأربعة أفلام أخرى اثنان منها من تلك التي سيكون من الصعب إغفالهما. الأول هو «نشالون» (Shoplifters) للياباني هيروكازو كورييدا. شهد هذا الفيلم الذي يدور حول عائلة من النشالين المتخصصين بسرقة الدكاكين في مهرجان «كان» الماضي وخرج بجائزته الكبرى («كفرناحوم» من عروض مهرجان «كان» أيضاً ونال جائزة «لجنة التحكيم»).
الفيلم الآخر هو «روما» وهو للمخرج المكسيكي ألفونسو كوارون، وتم عرضه في مهرجان فنيسيا حيث نال جائزة المهرجان الذهبية الأولى.
الفيلمان الآخر محصوران بين هذه الأفلام الثلاثة في الواقع. الفيلم البلجيكي للوكاس دونت خرج من «كان» بجائزة «الكاميرا الذهبية» التي تمنح للفيلم الأول أو الثاني لمخرجه. والفيلم الثاني هو «لا تنظر بعيداً أبداً» (Never Look Away) للألماني فلوريان هنكل ڤون دونرسمارك.
بذلك فإن كل هذه الأفلام الخمسة المتسابقة لنيل غولدن غلوب «أفضل فيلم أجنبي» هي من خريجي مهرجاني «كان» و«فنيسيا» فقط. واحتمالات فوزها - بكل حيادية ممكنة - تتوزع على النحو التالي:
> «روما» (المكسيك)
> «كفرناحوم» و«نشالون» (لبنان، يابان)
> «لا تنظر بعيداً أبداً» (المكسيك)
> «فتاة» (بلجيكا).
لا بد من ملاحظة مهمّة هنا هي أن «كفرناحوم» و«نشالون» المتساويان في المركز الثاني يدوران حول موضوع متشابه إلى حد بعيد. «كفرناحوم» عن ولد مشرّد وعائلة مفككة وشوارع تنتمي إلى بيئة فالتة من ضوابطها الأخلاقية، و«نشالون» عن أولاد تم تدريبهم على السرقة وعائلة تخفي أسرارها في بيئة قد لا تكون بفوضى تلك اللبنانية، لكنها تعاني مما تعاني منه أيضاً.
- دراما وكوميديا
وجود «كفرناحوم» وحظوظه الجيدة، للساعة، يهم الجمهور العربي بالدرجة الأولى. يهم أقل الإعلاميين الأميركيين الذين يتحلقون حول الأفلام الأميركية العشرة الموزعة في مسابقتي «أفضل فيلم درامي» و«أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي».
يجب عدم الاستهانة بالاختيارات المبثوثة حتى وإن حوت المسابقة الأولى على فيلم «بلاك بانثر» القائم على الفانتازيا ومغامرات السوبر هيرو. ولا حتى إذا ضمت مسابقة «أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي» فيلماً من مستوى «آسيويون أثرياء مجانين». ما يمنح جوائز هذه الجمعية جزءاً من قيمتها الكلية هو أنها تنطلق من آراء صحافيين ونقاد سينما لا ينتمون إلى المهن السينمائية ذاتها. هم ليسوا مخرجين ولا منتجين ولا كتاب سيناريو ولا ممثلين (رغم أن اثنين من الأعضاء التسعين يزاولان هذه المهنة كلما استطاعا)، هم صحافيون. بالتالي تختلف الاختيارات باختلاف انتماءات ذوقية ومفاهيم متعددة في الأساس. على أن هذا ليس للقول بأن هؤلاء الأعضاء غير جديرين بمعاينة الأفلام على أساس نقدي. على العكس، برهن معظمهم على دراية جيدة بكل مكوّنات وطبائع العمل السينمائي لذلك عاشت هذه الجائزة أكثر من سبعين سنة وازدادت حضوراً وتأثيراً وبالتالي قوّة.
> الأفلام الخمسة التي تم ترشيحها لجائزة غولدن غلوب في مسابقة الفيلم الدرامي هي «بلاكككلانسمان» لسبايك لي و«لو أن شارع بيلز تكلم» لباري جنكنز و«مولد نجمة» لبرادلي كوبر و«بلاك بانثر» لرايان غوغلر و«بوهيميان رابسودي» لبرايان سينجر.
> تلك التي تتنافس على غولدن غلوب الفيلم الكوميدي والموسيقي هي: «آسيويون أثرياء مجانين» لجون شو و«المفضلة» ليورغوس لانتيموس و«كتاب أخضر» لبيتر فارلي و«عودة ماري بوبينز» لروب مارشال و«رذيلة» لأدام ماكاي.
بعض الأسئلة هنا مبررة حول توزيع تلك الأفلام ما بين الجائزتين. واللجنة المتخصصة بتصنيف الأفلام داخل الجمعية لا بد أنها تداولت الأمر طويلاً قبل أن تضم «بلاكككلانسمان» للدراما عوض الكوميديا و«كتاب أخضر» للكوميديا عوض الدراما. كذلك مثير للاهتمام أن فيلم «رذيلة» الذي يسرد بعض علاقة ديك تشايني بالبيت الأبيض ورئيسه أيام ما كان تشايني نائباً للرئيس دخل المسابقة الكوميدية بينما تم ضم «بوهيمان رابسودي» الذي يروي بعض سنوات حياة المغني الأول لفرقة «كوين» إلى الدراما.
بعض العذر يكمن في أن الخيوط متقاربة. «بوهميان رابسودي» درامي ولو أنه موسيقي و«رذيلة» معالج من قِـبل المخرج أدام ماكاي بالسلاسة ذاتها الذي عالج فيها فيلمه السابق «التقصير» (The Big Short) محاذياً الخط الكوميدي الساخر. أما فيلم سبايك لي فهو درامي الاهتمام كوميدي المعالجة في الوقت ذاته.
ما هو لافت أيضاً أن ثلاثة من مخرجي الأفلام المحسوبة درامياً هم من الأفرو - أميركيين (أمر لم يحدث بعد داخل ترشيحات الأوسكار) وهم سبايك لي (بلاكككلانسمان») وباري جنكينز («لو تكلم شارع بيلز») ورايان غوغلر («بلاك بانثر»).
كذلك فإن جون تشو («آسيويون أثرياء مجانين») هو صيني الأصل وليورغوس لانتيموس يوناني يحقق فيلمه، «المفضلة»، بالإنجليزية.
لافت أيضاً غياب بعض الأفلام التي تمحور النقد حولها بإعجاب في الآونة الأخيرة. ومن بينها فيلم داميان شازيل «رجل أول» (من عروض فنيسيا أيضاً). هذا ما دفع أحد النقاد للقول: «يبدو أنه من السهل وصول رجل إلى القمر بينما من الصعب وصول الفيلم إلى الترشيحات». المفارقة بالطبع هي «رجل أول» يتحدث عن كيف حط نيل أرمسترونغ على ظهر القمر.
هذا الفيلم يرد ذكره في مسابقتي «أفضل ممثلة مساندة» (ذهبت لكلير فوي) وكأفضل موسيقى (التي وضعها جوستين هورفيتز).
فيلم آخر تغاضت عنه الجمعية في ترشيحاتها هو «أرامل» للبريطاني ستيف ماكوين. أذكره هنا فقط لأنه نال تقديرات نقدية عالية من قِبل جمعيات نقدية مختلفة. لكن هناك الكثير من الأفلام الجيدة التي من الطبيعي أن يتم العبور فوقها من بينها «فيرست ريفورمد» لبول شرادر الذي أنجز أيضاً نقاطاً عالية بين النقاد داخل وخارج الولايات المتحدة.
- نيكول كيدمان و14 ترشيحاً
في التمثيل النسائي الدرامي تأكد الآن للجميع بأن أعضاء الجمعية يحبون نيكول كدمان فهي من بين أكثر الممثلات نيلاً لترشيحات «غولدن غلوب». تحديداً تم ترشيحها 13 مرّة سابقة وربحت الجائزة 5 مرات. وهي الآن في عداد الممثلات المرشحات للمرة الرابعة عشرة وذلك عن دورها في «مدمِّرة» وهو دور مهم لكدمان في إخراج متوعك لكارين كوساما.
المرشحات الأخريات هن روزمند بايك عن «حرب خاصة» وميلسا مكارثي التي انتقلت في «هل تستطيع أن تسامحني؟» من الكوميديا إلى الدراما. هناك أيضا ليدي غاغا التي تغني وتمثل بطولة «مولد نجمة»، كما غلن كلوز (أكثر المذكورات استحقاقاً) عن دورها في «الزوجة».
المقابل الرجالي في سباق التمثيل الدرامي يتألف من (المصري الأصل) رامي مالك ومن برادلي كوبر عن «مولد أمّـة» وجون ديفيد واشنطن عن «بلاكككلانسمان» كما لوكاس هدجز عن «فتى ممحى» والجائزة قد تذهب إلى ويليام دافو عن «عند بوابة الأبدية».
على صعيد التمثيل الكوميدي - الموسيقي بين الرجال لدينا فيغو مورتنسن عن «كتاب أخضر» وكرستيان بايل عن «رذيلة» كما لين مانويل ميراندا عن «عودة ماري بوبنز» وجون س. رايلي عن «ستان وأولي». أكبر المرشحين سنا (ومن بين أكثرهم استحقاقاً) روبرت ردفورد عن «العجوز والمسدس»).
نسائياً في هذا القسم رشحت إميلي بلنت عن «عودة ماري بوبنز» وأوليفيا كولمن عن «المفضلة» ثم إليسي فيشر عن «الصف الثامن» كما تشارليز ثيرون عن «تولي» وكونستانس وو عن «آسيويون أثرياء مجانين».
اللواتي يتسابقن لنيل غولدن غلوب أفضل ممثلة مساندة (هذا القسم لا يعرف التصنيف الكوميدي أو الدرامي) هن آمي أدامز عن «رذيلة» وراتشل فايز («المفضلة») وإيما ستون («المفضلة» أيضاً) ورجينا كينغ («لو أن شارع بيل يتكلم») وكلير فوي («رجل أول») وهي المرجحة الأولى في هذه المرحلة المبكرة من التوقعات.
رجالياً، ماهرشالا علي عن «كتاب أخضر» وتيموثي شالامت عن «صبي جميل» كما أدم درايفر («بلاكككلانسمان») ورتشارد إ. غرانت («هل تستطيع أن تسامحني؟») وسام روكوَل («رذيلة»).
برادلي كوبر في عداد المخرجين الخمسة المتنافسين على غولدن غلوب الإخراج. معالجته لفيلم «مولد نجمة» (الأول له في هذا المجال) فاجأت الكثيرين بحسن تناولها الموضوع الذي تناولته السينما في هوليوود أربع مرّات من قبل.
لجانبه نجد أدام ماكاي عن «رذيلة» وسبايك لي عن «بلاكككلانسمان» وبيتر فارلي عن «كتاب أخضر» وألفونسو كوارون عن «روما».
هنا لا بد من ذكر أن الجمعية التي توزع هذه الجوائز منقسمة تبعاً لهويات أعضائها. فهناك أعضاء إيطاليون وأميركيون وبريطانيون وألمان وإسبان ولاتينيون وبضعة آسيويين وحفنة من العرب أو ذوي الأصول العربية.
بالتالي، لن يكون مستبعداً فوز مخرج ما بفضل الحشد الواقف وراءه من بني هويته. بكلمات أوضح إذا ما فاز ألفونسو كوارون بغولدن غلوب أفضل إخراج، فإن جزءاً كبيراً من الفضل سيعود إلى لفيف اللاتينيين القادمين من المكسيك والأرجنتين والكولومبيين والإسبان. على ذلك فإن فوز هذا المخرج سيتوقف على الأعضاء المستقلين وبعض الأوروبيين كذلك.
يستحق ألفونسو كوارون بلا ريب. ففيلمه من بين الأبرز على أكثر من صعيد هذا العام. لكن التوسع في قراءة الاحتمالات ما زال مبكراً وسنعود إليه قريباً كذلك إلى أهم ما تتضمنه الترشيحات على صعيد الأعمال التلفزيونية التي تحتل النصف الآخر من اهتمامات الجمعية وجوائزها.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».