استقالة قائد أركان جيش البر في تونس واعتقال إرهابي تطارده السلطات

بعد تصاعد الجدل حول أداء المؤسسة العسكرية في مواجهتها للتهديدات الإرهابية

الجنرال محمد الصالح الحامدي
الجنرال محمد الصالح الحامدي
TT

استقالة قائد أركان جيش البر في تونس واعتقال إرهابي تطارده السلطات

الجنرال محمد الصالح الحامدي
الجنرال محمد الصالح الحامدي

أعلنت وزارة الدفاع التونسية، أمس، «قبول استقالة الجنرال محمد الصالح الحامدي، رئيس أركان جيش البر، وتكليف نائب (كاهية) رئيس جيش البر بمهام قيادة أركان جيش البر، إلى حين سد المنصب الشاغر بشكل رسمي». وذكرت الوزارة في بيان لها أمس أن رئيس أركان جيش البر «تقدم باستقالته يوم 23 يوليو (تموز) الحالي 2014 لأسباب شخصية».
وينتظر أن يتولى محمد المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية، خلال الأيام المقبلة، بعد التوافق مع رئيس الحكومة مهدي جمعة، تعيين رئيس جديد لأركان جيش البر، بناء على اقتراح من وزير الدفاع، الذي سيرشح قائدا عسكريا للاضطلاع بهذه المهمة.
وكان الرئيس المرزوقي قد عين في التاسع من يوليو (تموز) 2013 محمد صالح الحامدي خلفا للجنرال رشيد عمار، وكان الحامدي يشغل آنذاك منصب ملحق عسكري في ليبيا قبل توليه هذه المهمة.
وبدا لافتا في الأيام الأخيرة تطرق وسائل إعلام محلية، بأسلوب لم يخل من الانتقاد أحيانا، إلى أداء المؤسسة العسكرية التونسية، إذ أشار بعضها، استنادا إلى مختصين في الشأن العسكري، إلى «وجود أخطاء وثغرات في مواجهة التهديدات الإرهابية، سواء من حيث الانتشار أو الخطط الميدانية، وجمع المعلومات». كما أن بعض قيادات الأحزاب السياسية المشاركة في الحوار الوطني أثارت خلال جلسة مع رئيس الحكومة مهدي جمعة، ووزير الدفاع غازي الجريبي، ووزير الداخلية لطفي بن جدو، الكثير من التساؤلات حول «الاستراتيجية المتبعة في مواجهة التهديدات الإرهابية، وما يتردد حول نقص التجهيزات بالنسبة لقوات الجيش، وحول مدى جاهزية القوات العسكرية».
وكان الرئيس جمعة أكد سعي حكومته للحصول على عتاد عسكري من دول صديقة قصد «مواجهة خطر الإرهاب والتصدي للمجموعات المسلحة المتحصنة بالجبال غرب البلاد».
ويأتي هذا الجدل بعد العملية الإرهابية الأخيرة التي وقعت في جبل الشعانبي بمحافظة القصرين (300 كلم جنوب غربي العاصمة) في 16 يوليو (تموز) الماضي، التي أدت إلى مقتل 15 عسكريا وجرح أكثر من 20 آخرين، وفق حصيلة رسمية، وهي أكبر خسارة تكبدها الجيش التونسي في مواجهته للمجموعات المسلحة المتحصنة بجبل الشعانبي، والجبال المتاخمة له على الشريط الحدودي بين تونس والجزائر، وأيضا بعد هجوم مجموعة مسلحة يوم 26 يوليو (تموز) الماضي بالقرب من مدينة ساقية سيدي يوسف (200 كلم شمال غربي العاصمة) على سيارتين عسكريتين أدى إلى مقتل عسكريين اثنين، وجرح أربعة آخرين.
من جهة أخرى، أكد الأمجد الحمامي الناطق الرسمي لوزارة الدفاع التونسية، أن قوات الأمن تمكنت، مساء أول من أمس، من اعتقال إرهابي تطارده السلطات ومصنف «خطير جدا»، في إطار العملية العسكرية الجارية في جبل سمامة (محافظة القصرين)، وأضاف الحمامي أنه «جرى تسليم العنصر الإرهابي إلى قوات الأمن لإجراء مزيد من الأبحاث والتحريات».
وتجدر الإشارة إلى أن «وحدات تابعة للجيش التونسي، اكتشفت، مساء أول من أمس، مجموعة إرهابية تنشط بجبل سمامة في ولاية القصرين، وتدخلت الطائرات العمودية لملاحقتها بالقاذفات والرشاشات الثقيلة، وألحقت بها إصابات مباشرة، قبل أن تقوم بغارات جوية بالطائرات النفاثة، قصفت خلالها المنطقة بالقنابل»، وفق بلاغ أصدرته وزارة الدفاع التونسية.
على صعيد متصل، اعتقلت قوات الأمن، أول من أمس، سيف الدين الرايس الناطق الرسمي باسم تنظيم أنصار الشريعة في تونس، وقالت وزارة الداخلية في بيان لها إن «الوحدة الوطنية للأبحاث في جرائم الإرهاب ووحدات الأمن بالقيروان تمكنت من إعادة إلقاء القبض على المدعو سيف الدين الرايس، بعد استشارة النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية في تونس العاصمة»، وفق بيان الوزارة.
وكانت السلطات القضائية قد أفرجت قبل أيام على الرايس بعد توقيفه مرة أولى على خلفية اتهامه بـ«المشاركة في تسفير شبان تونسيين للقتال في سوريا». ولم تبين الداخلية التونسية إن كانت عملية التوقيف الجديدة تتعلق بالتهمة ذاتها، أو بتهم أخرى جديدة.
من جهة ثانية، بلغ عدد المسجلين الجدد في القوائم الانتحابية، استعدادا للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستشهدها تونس، أواخر السنة الحالية بعد انقضاء الأجل القانوني للتسجيل، مساء الثلاثاء الماضي، نحو 750 ألف مسجل، من بين نحو أربعة ملايين تونسي لم يقوموا بالتسجيل في انتخابات 2011. ليصل بذلك عدد المسجلين أكثر من خمسة ملايين ناخب، من جملة ثمانية ملايين مواطن يحق لهم الانتخاب.
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد مددت في عملية التسجيل أسبوعا واحدا، امتد من 22 يوليو إلى 29 يوليو الحاليين، ولكن الإقبال على التسجيل كان ضعيفا، خاصة أن عملية التمديد تزامنت مع عطلة عيد الفطر، التي شهدت تنقل المواطنين إلى المدن الداخلية، فضلا عن انشغالهم بالاستعداد لعيد الفطر.
ولم تتخذ هيئة الانتخابات حتى الآن قرارا بالتمديد مجددا في آجال عمليات التسجيل، رغم ما يتردد أن النية تتجه إلى إقرار فترة إضافية، قد تدوم طيلة شهر أغسطس (آب) الحالي.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.