فيما تزداد مخاوف السوق من انهيار الهدنة التجارية الهشة بين الولايات المتحدة والصين، خاصة مع بلوغ العجز التجاري الأميركي مستوى غير مسبوق خلال العقد الأخير، أعلنت وزارة التجارة الصينية الخميس أن بكين ستنفذ «فورا» التدابير التجارية التي اتفقت عليها مع الولايات المتحدة خلال الاجتماع بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والصيني شي جينبينغ.
وقال المتحدث باسم الوزارة غاو فنغ إن «الصين ستطبق فورا الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان على صعيد المنتجات الزراعية والطاقة والسيارات ومنتجات أخرى محددة». وصدر هذا الإعلان بعد خمسة أيام على اللقاء الذي عقده الرئيسان في بوينس آيرس على هامش قمة مجموعة العشرين سعيا للتخفيف من حدة الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وكانت وزارة الخارجية الصينية أعلنت الأربعاء أن بكين «ستباشر تنفيذ نقاط محدّدة تمّ التوصّل إلى توافق في شأنها» خلال اللقاء، من دون أن تورد أي تفاصيل إضافية. وأعلن ترمب بصورة خاصة في تغريداته عن وعود صينية بشراء منتجات أميركية، ولا سيما زراعية بقيمة إجمالية طائلة، وبخفض الرسوم الجمركية العالية على السيارات.
كما أكدت وزارة الخارجية في بيانها الأربعاء أن «الفرق الاقتصاديّة والتجاريّة التابعة للجانبين ستدفع بشكل نشِط المفاوضات في غضون 90 يوماً وفقاً لجدول زمني وخريطة طريق واضحين»، في حين لم تكن بكين أكدت قبل ذلك على مهلة التسعين يوما هذه التي حددها البلدان لاستئناف الحوار حول النقاط الخلافية بينهما.
وعدد غاو فنغ قطاعات تم التوافق بشأنها، من دون أن يوضح التدابير التي ستتأتى عن ذلك. وقال إن المفاوضات الثنائية ستتناول بصورة خاصة حماية الملكية الفكرية والتعاون التكنولوجي والوصول إلى الأسواق وتجارة متوازنة.
وأفاد البيت الأبيض منذ البداية بأن المحادثات ستدور حول «تغييرات بنيوية». وتتركز انتقادات واشنطن على ثلاثة مواضيع رئيسية، هي العجز الهائل في الميزان التجاري الأميركي حيال الصين البالغ نحو 335 مليار دولار سنويا بحسب واشنطن، وعدم احترام الصين حقوق الملكية الفكرية وعمليات نقل التكنولوجيا «القسرية» التي تتهم الولايات المتحدة الصين بفرضها على الشركات الأجنبية، وهي مآخذ غالبا ما يبديها أيضا رؤساء الشركات الأوروبية.
لكن بعدما أشاد الرئيس الأميركي الاثنين بـ«الوثبة الهائلة إلى الأمام» في العلاقات الثنائية، عاد وصعد اللهجة مساء الثلاثاء حيال الشكوك المتزايدة حول الاتفاق، ولا سيما في الأسواق. وكتب على «تويتر» «سيكون لنا إما اتفاق حقيقي مع الصين وإما لا اتفاق إطلاقا»، متوعدا مجددا في حال عدم التوصل إلى تسوية بمعاودة فرض الرسوم الجمركية المعلقة خلال مهلة التسعين يوما المتاحة للتفاوض.
ورد المتحدث باسم الخارجية الصينية غينغ شوانغ الأربعاء خلال مؤتمر صحافي روتيني «نأمل أن تجتاز الولايات المتحدة منتصف الطريق». وشدد على أن الصين والولايات المتحدة «لا يمكن أن تزدهرا الواحدة من دون الأخرى، ولا يمكن لأي منهما تغيير البلد الآخر». ومع التوتر المتبادل، ورغم محاولات ترمب لخفض العجز التجاري لبلاده مع الصين، فقد سجل العجز التجاري للولايات المتحدة ارتفاعا جديدا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ووصل إلى مستوى غير مسبوق منذ عشر سنوات تحت تأثير واردات قياسية وتراجع في الصادرات.
وتفيد أرقام نشرتها وزارة التجارة الأميركية أمس بأن العجز في قطاعي السلع والخدمات بلغ 55.5 مليار دولار، وهو أعلى من تقديرات المحللين، مع تراجع الصادرات بنسبة 0.1 في المائة إلى 211 مليار دولار، وارتفاع الواردات بنسبة 0.2 في المائة إلى 266.5 مليار.
ومع تشكيك المستثمرين في حقيقة التوصل إلى اتفاق قوي، سجلت بورصة وول ستريت والبورصات الصينية والأوروبية تراجعا مفاجئا. وذكر مكتب «كابيتال إيكونوميكس» للدراسات «نشك في أن يؤشر اتفاق الهدنة إلى منعطف حقيقي في الحرب التجارية. ثمة مسائل موضع سجال كبير مثل حقوق الملكية الفكرية والوصول إلى الأسواق، ما زال يتعين معالجتها»، مضيفا: «لن نفاجأ إن لم يتم التوصل إلى أي اتفاق خلال الأيام التسعين القادمة».
- الأسواق تتراجع
وازداد القلق في الأسواق أمس بعد أن غذى إلقاء القبض على مسؤولة تنفيذية كبيرة في هواوي المخاوف بشأن تصاعد جديد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مما أثر سلبا على أسهم شركات التكنولوجيا والسيارات المعتمدة على التصدير. وانخفضت الأسهم الأميركية عند الفتح أمس، ونزل المؤشر داو جونز الصناعي 289.65 نقطة أو 1.16 في المائة، إلى 24737.42 نقطة. وتراجع المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 36.55 نقطة أو 1.35 في المائة إلى 2663.51 نقطة. وهبط المؤشر ناسداك المجمع 141.37 نقطة أو 1.97 في المائة إلى 7017.05 نقطة.
وفي أوروبا، تراجع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 1.2 في المائة بحلول الساعة 08:17 بتوقيت غرينيتش، متجها صوب أدنى مستوى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2016 الذي بلغه خلال عمليات البيع المسجلة على مدى الشهرين الماضيين. وانخفض المؤشر داكس الألماني 1.5 في المائة، خاصة أنه يزخر بشركات التصدير وينكشف بشكل كبير على الصين، وتضرر في الآونة الأخيرة جراء المخاوف بشأن تباطؤ ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
كما تراجعت الأسهم الآسيوية بصورة حادة أمس، وتراجع مؤشر هانغ سينغ في بورصة هونغ كونغ للأوراق المالية بنسبة 2.47 في المائة، ومؤشر نيكي الياباني القياسي بنسبة 1.91 في المائة، ومؤشر شنغهاي بنسبة 1.68 في المائة.
من جهة أخرى، ارتفع الدولار الأميركي والين أمس، حيث أدى إلقاء القبض على المديرة المالية لهواوي تكنولوجيز إلى رفع الطلب على الدولار كملاذ آمن. وارتفع مؤشر يقيس أداء الدولار مقابل سلة من ست عملات منافسة 0.2 في المائة إلى 97.202 نقطة.
وزاد الين، الذي يقبل المستثمرون على شرائه عادة في أوقات الاضطراب بالسوق 0.2 في المائة مقابل الدولار إلى 113.05 ين، وحقق ارتفاعا مقابل معظم العملات الأخرى. بينما هبط الدولار الأسترالي، الذي يتأثر بتقلب المعنويات تجاه المخاطر 0.7 في المائة إلى 0.7220 دولار أميركي. وتراجع اليورو قليلا إلى 1.1328 دولار بعد هبوطه من أعلى مستوى هذا الأسبوع البالغ 1.1419 دولار والذي سجله يوم الثلاثاء.