التزامات بنحو ملياري يورو لدعم مشاريع تنموية لدول الساحل الأفريقي

الرياض تقدم 100 مليون يورو جديدة للتنمية ودعم القوات العسكرية لمحاربة الإرهاب

TT

التزامات بنحو ملياري يورو لدعم مشاريع تنموية لدول الساحل الأفريقي

حصلت مجموعة دول الساحل الأفريقي الخمس على تعهدات دولية بتمويل مشاريعها التنموية وصلت لنحو ملياري يورو، وفق ما أعلن عنه في ختام مؤتمر تنسيق الشركاء والمانحين لدول الساحل، الذي احتضنته العاصمة الموريتانية نواكشوط أمس.
وعبر الرئيس النيجري محمدو يوسفو، الرئيس الدوري لمجموعة دول الساحل الخمس، عن ارتياحه لمستوى التجاوب من طرف الممولين والشركاء، وقال إن التعهدات التي حصلوا عليها في مؤتمر نواكشوط «تجاوزت سقف التوقعات»، مؤكداً أنهم حصلوا على تعهدات بأزيد من ملياري يورو.
وقال يوسفو لـ«الشرق الأوسط» إنه قدم 40 مشروعاً تنموياً سيتم تنفيذها في المناطق الحدودية، ومن «الواضح أنها أقنعت الممولين والشركاء، بالنظر إلى مستوى التجاوب مع المحور الأول من الخطة الاستراتيجية للتنمية التي سيتم إنجازها في الفترة ما بين 2019 و2021».
وأوضح يوسفو أنه «تم وضع آلية لمتابعة هذه الالتزامات وضمان توفرها في الوقت المناسب»، وأضاف: «نحن لا نملك الكثير من الوقت، فهذه المشاريع بعضها بدأ بالفعل على الأرض والآخر قيد الدراسة، والشركاء يدركون أن هذه الاستراتيجية ستنفذ على المدى القريب».
من جهته أعلنت السعودية عن تبرعها بـ100 مليون يورو جديدة لدعم دول الساحل الأفريقي الخمس، وذلك خلال مؤتمر تنسيق المانحين لتمويل برنامج الاستثمارات الأولية (PIP) لمجموعة الخمس بالساحل الأفريقي (G5) الذي احتضنته نواكشوط أمس.
وكانت السعودية شاركت في المؤتمر بوفد رفيع المستوى يترأسه أحمد القطان وزير الدولة لشؤون الدول الأفريقية، الذي كان أول المعلنين عن دعمه لدول الساحل، حيث قال القطان أمام المشاركين في مؤتمر نواكشوط: «يسرني أن أنقل إليكم أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قد وجه بصرف 100 مليون يورو أخرى، يخصص نصف هذا المبلغ للمشاريع التنموية».
وأوضح القطان أن «هذا التبرع السخي يأتي من لدن خادم الحرمين الشريفين انطلاقا من دور السعودية الرئيسي في تعزيز التنمية والاستقرار والأمن ومحاربة التطرف والمجموعات الإرهابية في دول الساحل الأفريقي»، وينضاف هذا التبرع إلى التزام سابق بـ100 مليون دولار لصالح القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الأفريقي.
وأضاف القطان أن مشاركة بلاده في مؤتمر نواكشوط «لتأكيد دورها الرئيسي في تعزيز التنمية والاستقرار في دول الساحل الأفريقي، وحرصها على دعم جهود محاربة التطرف والإرهاب، و«انطلاقاً من ذلك قدمت حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين مبلغ مائة مليون يورو لدعم القوة المشتركة لمكافحة التنظيمات الإرهابية في دول الساحل الأفريقي».
وأضاف القطان أن بلاده سبق أن «أعلنت استعدادها لتقديم الدعم اللوجيستي والتدريبي والاستخباراتي والجوي للقوة المشتركة من خلال التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب»، وأشار إلى أن السعودية «قدمت الكثير من المساعدات الإغاثية للمتضررين من العمليات الإرهابية، من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، كما قدم الصندوق السعودي للتنمية «قروضاً سخية لدول الساحل، بلغت أكثر من مليار دولار، وسوف يواصل الصندوق دعمه لدول الساحل في إقامة المشاريع التنموية»، ورحب قادة دول الساحل بالدعم السعودي، وقال الرئيس النيجري إنه يثبت التزام السعودية بالوقوف إلى جانب دول الساحل في حربها ضد الإرهاب.
بينما قال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، في افتتاح المؤتمر، إن «الإرهاب والجريمة العابرة للحدود وتهريب المخدرات وانعدام الأمن في منطقة الساحل سببها الغبن والتهميش والتخلف وغياب التعليم وفرص العمل وبطالة الشباب»، ودعا الرئيس الموريتاني الممولين وشركاء دول الساحل إلى تقديم الدعم الكافي لتمويل هذه المرحلة الأولى من المشاريع.
بينما قال الأمين الدائم لمجموعة دول الساحل الخمس، ممان سيديكو، إن المشاريع المعروضة للتمويل ستغير وجه سكان منطقة الساحل وستبعث الأمل، وأوضح سيديكو أن مساهمات الشركاء والمانحين الداعمين للدول الخمس بالساحل لتمويل المشاريع ذات الأولوية بالنسبة لدول المجموعة سيكون لها أثر إيجابي على مكافحة الفقر وخلق فرص عمل وإدماج شريحة الشباب في الحياة النشطة وغيرها من المجالات التنموية الأخرى التي يمكن أن تساهم في تنمية هذه الدول.
يشار إلى أن فرنسا التزمت بمبلغ 500 مليون يورو، بينما تعهد الاتحاد الأوروبي بمبلغ 800 مليون يورو، والإمارات العربية المتحدة بثلاثين مليون يورو.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.