اكتشاف جينات تتسبب باضطراب فرط النشاط ونقص التركيز

نتيجة خلل في المخ لا في السلوك

اكتشاف جينات تتسبب باضطراب فرط النشاط ونقص التركيز
TT

اكتشاف جينات تتسبب باضطراب فرط النشاط ونقص التركيز

اكتشاف جينات تتسبب باضطراب فرط النشاط ونقص التركيز

يعتبر اضطراب فرط النشاط ونقص التركيز، من الأمراض التي تحظى باهتمام كبير من الأوساط الطبية حول العالم، نظراً لإصابة ملايين من الأطفال به، وهو الأمر الذي يؤثر في أداء الأطفال الدراسي والاجتماعي، خصوصاً أن تشخيص المرض يعتبر حديثاً نسبياً.
وفي الماضي، كان هناك كثير من الحالات تمر دون تشخيص على اعتبار أنها أعراض طبيعية لطفل كثير الحركة أو سيئ السلوك ولا يبذل مجهوداً كافياً في المدرسة نتيجة لعدم تركيزه، ولكن اتضح أن هذه الظواهر ليست مجرد مبالغة في الحركة، ولكنها أعراض لاضطراب.

- أسباب جينية
وأشارت أحدث دراسة تناولت هذا الموضوع المهم إلى وجود ارتباط هذا الاضطراب بعامل جيني معين يتسبب في حدوثه. وتأتي أهمية هذا الكشف في تأكيد أن الأمراض العصبية والنفسية لها أصل جيني ما يمهد لاحقاً لمحاولة علاجها.
وكانت الدراسة التي قام بها علماء من جامعات أميركية مختلفة ونشرت في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مجلة «نتشر جينيتكس» (the journal Nature Genetics) قد قامت بتحليل بيانات 55 ألف فرد واكتشفت وجود 12 جيناً مرتبطة بحدوث اضطراب فرط النشاط ونقص التركيز (attention - deficit / hyperactivity disorder) أو اختصاراً «ADHD». وتقود أماكن وجود هذه الجينات في المخ في الأغلب إلى التأثير في الجهاز العصبي المركزي.
وأوضح الباحثون أن هذا الارتباط يمكن من خلاله التوصل إلى علاج للمرض الذي يعاني منه نحو 9 في المائة من الأطفال في دولة بحجم وإمكانات الولايات المتحدة فقط. وأشاروا إلى أن كل البشر لديهم جينات تحمل معامل خطورة لحدوث الإصابة بمرض فرط النشاط. وكلما زادت هذه الجينات زادت فرص حدوث المرض.
وأوضح الباحثون أن أماكن وجود هذه الجينات ترتبط أيضاً بشكل ما من نحو 200 مرض أو عرض آخر. ووجدوا أن هناك 44 جيناً مرتبطاً بحدوث اضطراب فرط النشاط وكذلك مرتبطة أيضاً بحدوث الاكتئاب وفقدان الشهية والأرق، وهو الأمر الذي يشير بوضوح إلى اجتماع عدة عوامل في الإصابة بالمرض، سواء النفسية أو الجينية.
ويشير الكشف الجيني الذي أظهرته الدراسة إلى وجود خلل معين في المخ يؤدي إلى حدوث الاضطراب، وهو ما يعني أن المرض ليس مجرد خلل سلوكي أو بيئي، وأن هناك شقاً عضوياً في الإصابة. وتوصل الباحثون أيضاً إلى أن هذه الجينات المرتبطة بالمرض لها دور في تفاعل خلايا المخ المختلفة، وقد تكون مسؤولة بشكل مباشر عن تطور الحديث وحدوث خلل به من عدمه للأطفال الذين يعانون من الاضطراب، وكذلك تطور المراكز المسؤولة عن الإدراك والتعلم وتنظيم مستويات «دوبامين» (dopamine)، وهي مادة كيميائية تعمل كموصل عصبي بين خلايا المخ في الجهاز العصبي المركزي.

- عوامل أخرى
كذلك أشار الباحثون إلى أنه ما زال هناك كثير من الجينات المسؤولة عن المرض لم تكتشف بعد، وتحتاج إلى دراسة أكبر، وأن الـ12 جيناً التي تم كشفها قد تكون مجرد جزء من مجموعة كبيرة من الجينات تصل إلى المئات وربما الآلاف مسؤولة عن حدوث المرض وأن التوصل إلى هذه الأعداد (12) يعتبر بداية جيدة تفتح آفاقاً لاستكمال التعرف على بقية المجموعة كاملة وأن اكتشاف هذا العدد حتى ولو كان صغيراً نسبياً، فإنه كان أكثر مما توقع الباحثون. وتكمن أهمية الاكتشاف في معرفة الرابط بين الجينات والمرض أكثر من عدد الجينات في حد ذاته.
وأكد العلماء أنه على الرغم من توصلهم إلى العامل الجيني في الإصابة بالمرض، فإن هناك بعض الأسباب الأخرى التي تلعب دوراً مهماً في الإصابة، مثل العامل البيئي والمقصود به الولادة المبكرة، حيث تزيد نسبة حدوث المرض للأطفال الذين تمت ولادتهم بشكل مبكر لكونهم ناقصي النمو ولم يتلقوا العناية الكافية في الحضانة، ما يمكن أن يتسبب في حدوث عيوب خلقية في الجهاز العصبي للطفل قد تكون هي المسؤولة عن حدوث المرض.
وحذر الباحثون من أن الجينات التي تم اكتشافها والتأكد من ارتباطها بالمرض لم تكن هي الجينات التي تستهدفها الأدوية التي يفترض أنها تعالج المرض من خلال إصلاح الخلل الجيني. وعلى ذلك يجب أن تقوم الشركات المصنعة للأدوية بمراعاة هذه المعلومة الدقيقة والعمل مستقبلاً على استهداف الجينات التي وجدتها الدراسة.
وتؤكد هذه الدراسة أن الإصابة بالمرض بها جانب من عامل وراثي، وأن الآباء الذين لديهم طفل أصيب بالمرض من المحتمل أن يعاني إخوته من المشكلة نفسها لاحقاً. وكذلك من خلال هذا الربط يمكن للأطباء علاج الطفل الثاني بالطريقة نفسها وبروتوكول العلاج أيضاً الذي تمت به معالجة الطفل الأول لتحقيق نتيجة أفضل، إذ إن بعض أنواع العقاقير يمكن أن تكون مؤثرة مع طفل وغير مؤثرة في حالة أخرى. ونظراً لتشابه الجينات سوف تتم الاستجابة من عدمها وتختصر وقتاً طويلاً في العلاج. وشدد العلماء على ضرورة الاستمرار في العلاج السلوكي والنفسي، وكذلك إصلاح عيوب الحديث إن وجدت، إذ إنها تعتبر وسيلة العلاج الأفضل حتى الآن.
ونصحت الدراسة الآباء بأهمية ضرورة التعاون مع الأطباء ومعالجي السلوك وإعطاء تقارير دقيقة عن تنفيذ الطفل للمهام المختلفة التي يقوم المعالجون بإلزامه بها، مثل محاولة الالتزام بجدول معين لفعل الأشياء ومنها اللعب والمذاكرة، وتحديد لأي مدى يتمتع الطفل بقدرة على تنفيذ هذه الواجبات، وضرورة المتابعة مع المدرسين في الصفوف المدرسية ومعرفة درجة التركيز وطريقة لعبه في المدرسة ومشاركته الألعاب مع الأطفال الآخرين.

• استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

صحتك بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

أفادت دراسة علمية حديثة بأن تناول المأكولات الغنية بالألياف يزيد من حماية الجسم من العدوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية

7 نصائح للرجال للياقة بدنية تتجاوز العمر

القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية ليتمتعوا بصحة أفضل يوماً بعد يوم وفي أي عمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الرمان يزود الجسم بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام (غيتي)

تحسين الكولسترول والوقاية من السرطان... فوائد هائلة لتناول الرمان يومياً

بتناول حبات الرمان يومياً تضمن أن تزود جسمك بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مريضة بسرطان الثدي (رويترز)

تقرير: النساء الشابات أكثر عرضة للإصابة بالسرطان من الرجال

تمثل حالة الأختين رورك ظاهرة منتشرة في الولايات المتحدة، وهي تشخيص المزيد من النساء الشابات بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك 8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

ربما تكون مثل كثير من الناس الذين من أوائل الأشياء التي يقومون بها كل صباح هو النظر من النافذة لمعرفة حالة الطقس

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
TT

التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)

أظهرت دراسة جديدة أجراها باحثون من معهد ماكس بلانك للطب النفسي بألمانيا، أنّ الشبكية بمنزلة امتداد خارجي للدماغ وتشترك في الجينات عينها، ما يجعلها طريقة سهلة للعلماء للوصول إلى دراسة اضطرابات الدماغ بمستويات أعلى من الدقة.

وأفادت النتائج بأنّ العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً، وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية وبطريقة فائقة السهولة؛ «لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ»، وفق الباحثين. وهم أكدوا على أن فهم الآليات البيولوجية حول هذا الأمر من شأنه مساعدتهم على تطوير خيارات علاجية أكثر فاعلية وأكثر شخصية.

وحلَّل باحثو الدراسة المنشورة في دورية «جاما سيكاتري»، الارتباط الجيني بين خلايا الشبكية وعدد من الاضطرابات العصبية النفسية. ومن خلال الجمع بين البيانات المختلفة، وجدوا أنّ جينات خطر الفصام كانت مرتبطة بخلايا عصبية محدّدة في شبكية العين.

وتشير جينات الخطر المعنيّة هذه إلى ضعف بيولوجيا المشابك العصبية، وبالتالي ضعف قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض. ويرجح الباحثون أن يكون هذا الضعف موجوداً أيضاً في أدمغة مرضى الفصام.

وبناءً على تلك الفرضية، أظهر الباحثون أنّ الاتصال العصبي يبدو معوقاً في شبكية العين لدى مرضى الفصام بالفعل.

وأوضحوا، في بيان، الجمعة أنّ «العثور على هذا الخلل في العين يشير إلى أنّ العمليات في الشبكية والدماغ متشابهة جداً؛ وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية، لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ».

في دراستهم السابقة، وجد باحثو معهد ماكس بلانك للطب النفسي، برئاسة فلوريان رابي، تغيّرات في شبكية العين لدى مرضى الفصام أصبحت أكثر حدّة مع زيادة المخاطر الجينية. وبناءً على ذلك، اشتبهوا في أنّ التغيرات الشبكية ليست نتيجة لأمراض مصاحبة شائعة مثل السمنة أو مرض السكري فحسب، وإنما قد تكون ناجمة عن آليات أمراض مدفوعة بالفصام بشكل مباشر.

إذا كانت هذه هي الحال، فإنّ معرفة مزيد عن هذه التغيّرات قد تساعد الباحثين على فهم الآليات البيولوجية وراء الاضطراب. وبالإضافة إلى الفصام، لوحظت تغيرات في الشبكية لدى مرضى الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب والتصلّب المتعدّد ومرض ألزهايمر ومرض باركنسون والسكتة الدماغية.

باستخدام بيانات من دراسات كبيرة سابقة، دمج رابي والمؤلّف الأول إيمانويل بودريوت من معهد ماكس بلانك للطب النفسي وجامعة لودفيغ ماكسيميليان ميونيخ في ألمانيا، بيانات المخاطر الجينية من الاضطرابات العصبية النفسية مع بيانات تسلسل الحمض النووي الريبي للشبكية.

أظهرت النتائج أنّ جينات المخاطر كانت مرتبطة بخلايا شبكية مختلفة في الاضطرابات المذكورة أعلاه.

كما ارتبط الخطر الجيني للإصابة بالتصلّب المتعدّد بخلايا المناعة في الشبكية، بما يتماشى مع الطبيعة المناعية الذاتية للاضطراب. وكذلك ارتبطت جينات الخطر للإصابة بالفصام بفئة محددة من الخلايا العصبية الشبكية تشارك في الوظيفة المشبكية، وتحدّد قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض.