خليل زاد يبحث عن السلام في «رمال أفغانستان المتحركة»

المبعوث الأميركي الخاص للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد (أ.ب)
المبعوث الأميركي الخاص للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد (أ.ب)
TT

خليل زاد يبحث عن السلام في «رمال أفغانستان المتحركة»

المبعوث الأميركي الخاص للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد (أ.ب)
المبعوث الأميركي الخاص للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد (أ.ب)

واصل المبعوث الأميركي الخاص للسلام في أفغانستان، زلماي خليل زاد، جهوده واتصالاته من أجل التوصل إلى طريق للسلام في أفغانستان، من خلال محاولاته تجييش ضغوط إقليمية على حركة طالبان، للقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة الأفغانية. فقد التقى خليل زاد في العاصمة الباكستانية إسلام آباد مع وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، ورئيس الوزراء عمران خان. وجاء اللقاء بعد تلقي عمران خان رسالة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يطلب فيها من باكستان المساعدة في إحضار «طالبان» إلى طاولة المفاوضات للسلام في أفغانستان. وجاءت رسالة ترمب بعد أقل من شهر من اتهام الرئيس الأميركي لباكستان بالعمل ضد مصالح بلاده، وتقويض جهود السلام في أفغانستان.
وحسب ما نشر من محتويات رسالة ترمب، من الجانبين الأميركي والباكستاني، فإن الرئيس الأميركي اعترف لأول مرة بأن باكستان حليف مهم ولا يجوز تجاوزها في أي عملية سلام في أفغانستان، كما أن باكستان قدمت تضحيات كبيرة في الحرب على الإرهاب لا يمكن التغافل عنها.
وحسب معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن زيارة زاد كانت مقررة إلى إسلام آباد مباشرة من كابل، إلا أنه أجلها لما بعد زيارته أبوظبي واللقاء مع المسؤولين فيها. وجاء التأجيل لانتظار رسالة الرئيس الأميركي ترمب لعمران خان رئيس الحكومة الباكستانية؛ خاصة أن المؤسسة العسكرية الباكستانية والخارجية كانتا تضغطان لعدم استقبال خليل زاد في باكستان، لما صدر عن الرئيس الأميركي من تصريحات وتغريدات ضد باكستان، وكذلك لموقف خليل زاد نفسه من باكستان، واتهامه لها بتخريب أي مساعٍ للسلام في أفغانستان.
وحسب الناطق باسم الخارجية الباكستانية محمد فيصل، فقد أكد وزير الخارجية شاه محمود قرشي للمبعوث الأميركي، وقوف باكستان بقوة مع أي جهود لتسوية تفاوضية في أفغانستان.
وشارك في لقاءات المبعوث الأميركي في باكستان، مسؤولون أمنيون وعسكريون من الجانبين الأميركي والباكستاني، لبحث السلام في أفغانستان. وركز عمران خان في لقائه مع المبعوث الأميركي على الالتزام بمصالح باكستان، في البحث عن سلام في أفغانستان؛ مؤكداً على دعم حكومته لجهود السلام المبذولة في أفغانستان. وأشاد عمران بتغير خطاب الرئيس الأميركي تجاه باكستان. وكانت الحكومة الباكستانية بناء على طلب أميركي، قد أفرجت قبل شهر ونصف تقريباً عن ملا عبد الغني برادر، النائب الأول لمؤسس «طالبان» ملا محمد عمر، وذلك في محاولة من أميركا للتحرك باتجاه حل سلمي في أفغانستان.
وقد وصف الجنرال كينيث ماكينزي، القائد القادم للقيادة المركزية للقوات الأميركية الوضع في أفغانستان بأنه يشكل معضلة، لا يستطيع أي من الطرفين المتصارعين حلها عسكرياً، مشيراً إلى الدور المهم الذي تلعبه باكستان في إمكانية تشجيع «طالبان» للقدوم إلى طاولة الحوار مع الحكومة الأفغانية.
وقال ماكينزي في شهادة له أمام لجنة خاصة في الكونغرس الأميركي، إنه مقتنع بأن باكستان لم تبذل كافة جهودها حتى الآن لإقناع «طالبان» بالحوار، وشدد على ضرورة الوجود الأميركي في أفغانستان لمدة طويلة، من أجل ما أسماه مساعدة القوات الأفغانية ضد الإرهاب؛ حيث قال إنه من الصعب الاعتقاد بأن القوات الأفغانية ستنجح في الدفاع عن بلادها، أو أن تصمد دون وجود القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان.
الجنرال الأميركي الذي سيتولى قيادة القوات الأميركية في الخليج العربي والبحر المتوسط وأفغانستان، وصف القوات الأفغانية بأنها تعاني من خسائر فادحة، لا يمكنها الاستمرار في ظلها حتى لو استمرت معضلة الصراع في أفغانستان، في القتال مع «طالبان».
وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني، قد قال الشهر الماضي، إن قواته العسكرية والشرطة خسرت خلال ثلاثة أعوام أكثر من ثمانية وعشرين ألف قتيل في الصراع مع «طالبان»، بيد أن متابعين أفغان يقولون إن العدد الحقيقي لخسائر القوات الأفغانية يفوق ما أعلنه الرئيس أشرف غني بكثير، كما أن الجيش والشرطة بدآ يعانيان من حالات هروب لأفرادهما؛ خشية المواجهات مع «طالبان»، والتعرض للقتل أو خسارة أحد الأطراف، في ظل عدم الرعاية الحكومية الكافية لأسر القتلى أو الجرحى والمصابين.
وكان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، أثناء لقائه مع وزير الدفاع الهندي نرمالا سيثارامان، قد طالب كافة دول المنطقة بالعمل من أجل إنهاء الحرب في أفغانستان، التي استمرت لأكثر من أربعين عاماً حتى الآن.
ميدانياً، أعلنت الحكومة الأفغانية مقتل وجرح عشرات المسلحين المعارضين للحكومة، بينهم باكستانيون، خلال قصف جوي قامت به الطائرات الأميركية في محيط مدينة غزني جنوب شرقي أفغانستان. وقالت وكالة «باختر» الأفغانية، إن القصف تركز على محيط غزني ومناطق خوكياني وجيلان وناوا. وكان الجيش الأفغاني قد قال في بيان له، إن أحد قادة «طالبان» الميدانيين قتل في المعارك في ولاية فارياب، مع مجموعة مسلحة تابعة له؛ حيث تجري مواجهات في مديرية جارزوان.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟