2019... عام التغيير والإيجابية

عمران أميد شاب يقود حركة تضع الموضة في إطارها الثقافي والحضاري والإنساني الصحيح

ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر
ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر
TT

2019... عام التغيير والإيجابية

ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر
ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر

2019 عام التغيير بلا منازع؛ حسب دراسات شركة «ماكنزي آند كو» وحسب صناع الموضة والفن وخبراء التكنولوجيا والصحة... عام ستتغير فيه مفاهيم واستراتيجيات عدة، بالفعل والتطبيق؛ وليس بالقول والشعارات كما كان عليه الأمر في السابق. أخيراً اقتنع صناع الموضة بأن النماذج القديمة لم تعد فعالة ولا مناسبة في عصر تشهد فيه التكنولوجيا ووسائل التواصل انتعاشاً جعلها سلاحاً حاداً في يد الجيل الصاعد. فوسائل التواصل الاجتماعي أعطت هذا الجيل صوتاً يعبر به عن طموحاته وأولوياته، كما منحت المصممين الشباب منبراً يغنيهم عن النموذج القديم لبناء شركاتهم. لم تعد الماركات العالمية والمجموعات الضخمة وحدها هي التي تتحكم في مصير الموضة وتحرك توجهاتها؛ بل العكس، يُفرض عليها حالياً أن تُنصت جيداً لنبض الشارع وما يجري فيه لكي تبقى مواكبة للعصر. هذا ما تمت مناقشته في الدورة الثالثة لمؤتمر «فويسز» Bof Voices الذي أقيم في منطقة أكسفوردشاير في الأسبوع الماضي. 3 أيام التقت فيها نخبة منتقاة من صناع الموضة والمؤثرين، من أمثال فرنشيسكا بيليتيني، رئيسة «سان لوران» التنفيذية، التي يعود لها الفضل في تحسين أداء الدار والرفع من مبيعاتها في عهد كل من هادي سليمان المصمم السابق وأنطوني فاكاريللو المصمم الحالي، ونجمة «بوليوود» سونام كابور، وجوي أجلوني، مؤسسة شركة «فيتشر» التي يوجد مقرها في دبي، وديفيد بيمسل رئيس «مجموعة الغارديان»، وجون رايدينغ رئيس مجموعة «فاينانشيال تايمز»، وإيان روجرز رئيس قسم الديجيتال في مجموعة «إل في آم آش»... وغيرهم ممن جلسوا مثل الطلبة في مدرج مبني باللوح والأخشاب في «سوهو هاوس» يستمع بعضهم لبعض.
كان الهدف من هذه الأيام مناقشة موضوعات مصيرية، مثل أهمية التعاون بين العلامات العالمية بدل المنافسة فيما بينها، وفهم التغيرات العالمية من وجهة نظر إنسانية واجتماعية، والبحث عن حلول لحماية البيئة، وحق العاملين في حياة كريمة، فضلا عن مستقبل الصحف الرصينة وما تقوم به لمواجهة عالم الديجيتال... وغيرها من الموضوعات الحساسة، التي شملت كل مناحي الحياة؛ من طريقة تصميم البنايات في آسيا التي تغيرت تشجيعا لروح الجماعة، إلى أهمية خلق توازن بين الشخصي والعام لراحة البال. والملاحظ أن كل النتائج صبت في نقطة واحدة؛ وهي أنه بيد الموضة أن تُغير العالم وتعطيه شكلا إيجابيا.
فبالإضافة إلى أنها، أي الموضة، صناعة تقدر بتريليونات الدولارات، فهي أيضا جزء لا يتجزأ من الثقافة اليومية... تحرك مشاعر قوية في الوجدان والمخيلة، الأمر الذي يجعلها أكثر ما يؤثر على الناس، أيا كانت جنسياتهم وأهواؤهم وأعمارهم. بيد أن الجديد واللافت في كثير من النقاشات أن حتى التكنولوجيا بات عليها أن تتحلى بالإنسانية، بمعنى أن تخدم الإنسان بدل استغلاله للترويج أو التسويق فقط، وهو ما أكده وجود كريستوفر وايلي في المؤتمر. لمن لا يعرفه، فهو الرجل الذي كشف تورط شركة «كامبريدج أناليتيكا» في استغلال بيانات 50 مليون مستخدم لـ«فيسبوك» لغايات سياسية في الانتخابات الأميركية عام 2016، وكيف لعبت هذه البيانات دوراً حاسماً في التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. قصة نشرتها صحيفة الـ«غارديان» حينها وانتشر صداها في كل أرجاء العالم ولا تزال تداعياتها حاضرة.
بالنسبة لعمران أميد، مؤسس موقع «بيزنيس أوف فاشون» ومؤتمر «فويسز»، لم تكن الموضة يوما مجرد ألوان وقصات ونقشات وإطلالات أنيقة، بل هي لغة يمكن استعمالها بذكاء للتأثير على الناس وتحقيق التغييرات اللازمة لزرع بذرة حياة كريمة للأجيال المقبلة... «عندما فكرت في هذا المؤتمر، كنت مصرا منذ البداية على ألا يكون عن الأزياء والإكسسوارات، بل عن علاقة الموضة بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكيف تتداخل كلها بعضها مع بعض. كنت أريد أن أخلق حوارا بين الناس عن تأثيراتها المباشرة على حياتنا». وأضاف بثقة: «صناع الموضة قادرون على تغيير المستقبل».
من يعرف أو سمع عن عمران أميد يعرف أنه ليس مجرد متحمس للموضة أو حالم بها؛ بالعكس، فهو أقوى رجل في عالم الموضة حاليا. لا يشك أحد في نظرته الثاقبة ورؤيته التي تستبق الأمور بسنوات. درس بجامعة ماغيل في كندا وتابع دراسته في إدارة الأعمال بجامعة هارفارد. بعد تخرجه عمل مع شركة الاستشارات الإدارية «ماكنزي» في لندن 4 سنوات قبل أن تغريه الموضة بدخولها بشكل فعلي. في عام 2007 أسس موقعه الشهير «بيزنيس أوف فاشون» على شكل مدونة. الآن يعد الموقع مرجعا لصناع الموضة، إلى حد القول إنه سحب السجاد من تحت مجلة «فوغ» التي كانت تقوم بهذه المهمة من قبل، بدليل أن المصممة أنيا هيندمارش صرحت في إحدى المقابلات مع مجلة «فوغ» بأن الموقع أول ما تتصفح في الصباح بمجرد أن تفتح عينيها و«حتى قبل أن أرى أطفالي»؛ حسب قولها.
منذ 3 سنوات، أتبع الموقع بمؤتمر سنوي، يترقبه الآن صناع الموضة بلهفة، لأنه يتيح لهم، وفي أجواء حميمية بعيدة عن التكلف أو إبرام الصفقات، مناقشة كثير من الموضوعات التي تساعدهم على فهم التطورات والتغيرات المقبلة. منذ البداية، أراده عمران ألا يكون للمصممين فحسب؛ بل بمثابة نادٍ خاص يفتح أبوابه للمؤثرين الفعليين في مجالاتهم؛ بحيث يمكنهم بشكل أو بآخر تغيير ثقافة المجتمع.
هذا العام، تشعر بأن المؤتمر كان بمثابة حركة ثورية ضد المتعارف عليه. فما كان متعارفا عليه ومعمولا به لسنوات لم يُعط نتائج تخدم الإنسان بقدر ما خلق ثقافة شعبوية وقتل روح الجماعة. لهذا أصبح لزاما تغيير الدفة. للتأكيد على صواب رأيه، لم يجد عمران أفضل من كريستوفر وايلي، الموظف السابق في «كامبريدج أناليتيكا»، ليقوم بمهمة افتتاح المؤتمر. كان خطابه رسالة سياسية لكنها تُسلط الضوء على أهمية الموضة والدور الذي لعبته في السياسة. فقد ركزت البيانات المستعملة على توجهات الناخبين وميولهم وتفضيلاتهم في هذا المجال لبناء نتائجها ثم استراتيجياتها. كانت الرسالة قوية ومثيرة للخوف لأنها تؤثر علينا بشكل مباشر، بحكم أن كل واحد منا يستعمل التكنولوجيا من جهة؛ والموضة جزء لا يتجزأ من ثقافتنا اليومية من جهة ثانية. لكن لم تكن كل الخطابات سياسية. كانت هناك قصص إنسانية مثل قصة أدوت أكيش، العارضة سودانية الأصل، التي أبصرت النور عندما كانت عائلتها في طريقها إلى ملجأ بالكاميرون، وأصبحت الآن واحدة من أهم العارضات الصاعدات. فقد حضرت إلى المؤتمر مباشرة بعد مشاركتها في عرض دار «فالنتينو» في طوكيو... إضافة إلى تجربة نجمة «بوليوود» سونام كابور والدور الذي تلعبه لتمكين المرأة والدفاع عن حقوق المهمشين.
كانت هناك أيضا قصص نجاح عدة؛ واحدة منها قصة هدى قطان، العراقية التي بنت إمبراطورية تقوم على الجمال، من الصفر. الآن تقدر بمليار دولار. حكت لنا عن هدى الطفلة والصبية التي كانت مختلفة عن قريناتها في المدرسة، وكيف كان همها الأول أن تقتل هذا الاختلاف وتخفيه حتى يتقبلها الآخر. بعد سنوات من الإحباط والتخبط، وصلت إلى قناعة بأن اختلافها جزء من جيناتها ولا يمكن أن تخفيه. «لو لم أتقبل اختلافي لما حققت نجاحي» حسب قولها. هذا الاختلاف هو ما باتت الموضة تتبناه وتُشجع عليه في السنوات الأخيرة، سواء تعلق الأمر بمثيلات أدوت أكيش بلونها الأسمر الغامق، أو المدونة والكاتبة الآيرلندية شينيد بورك، التي لا يتعدى طولها 105 سنتيمترات، ومع ذلك أصبحت نجمة في عالم الموضة.
وهذا أيضا ما أشار إليه كريستوفر وايلي عندما قال إن حركة التغيير يجب أن تشمل إلغاء الصورة التقليدية للجمال، التي تشبث بها صناع الموضة لعقود طويلة. فالجمال يأتي بأشكل مختلفة... «علينا أن ننشر الحب بدل الكراهية والتحييد، لأن هذا ما نحتاج إليه حاليا أكثر من أي وقت سابق. نحتاج إلى قوة دفاعية تحمي ثقافتنا ومبادئنا». وطبعا برأيه ليس هناك أحسن من صناع الموضة ليقوموا بهذا الدور... «نحن نعتمد عليكم لتحموا هذه الثقافة وليس فقط صُنعها، لأنه بيدكم أنتم إما أن تُسوقوا لنا (شانيل) أو أحذية الكروكس المصنوعة من البلاستيك».
لكن إذا كانت قصص كل من هدى قطان وأدوت أكيش وغيرهما مُلهمة، وخطابات مثل الذي ألقاه كريستوفر وايلي مهم في فتح عيوننا على تأثير الموضة على اللاشعور، فإن المصممة ستيلا ماكارتني قصة نجاح من نوع آخر، لأنها حققت ما لم يحققه أي مصمم من أبناء جيلها. ويمكن القول بكل ثقة إنها مناضلة من الطراز الأول. منذ سنوات وهي ترفع راية التغيير في عالم الموضة حتى قبل انتشار مفهوم الموضة المستدامة. الآن فقط بدأت تحصد نتائج ما زرعته. والمقصود هنا ليس فقط تكريم المؤتمر لها باختيارها شخصية العام وتسليمها جائزة مستحقة، بل نضالها منذ سنوات من أجل حماية البيئة وحقوق الحيوانات برفضها استعمال الجلود الطبيعية في كل منتجاتها، رغم أنها كانت تعرف أنها كانت تسبح ضد التيار. لم تأبه عندما نعتها البعض بالجنون وبأن خطوتها بمثابة انتحار، لأن الموضة حينها لم تكن تفصل بين الترف والجلود الطبيعة. الآن بات الكل يعدّها نموذجاً يجب الاحتذاء به. وكلما انكشف المستور، مثل استغلال اليد العاملة في دول العالم الثالث، وإتلاف الولايات المتحدة الأميركية أطنانا من المنتجات التي تقدر بأكثر من مليار دولار شهريا بدل إعادة تدويرها واستعمالها، أو انتشار أشرطة فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر عنف البشر ضد الحيوان، اكتشف العالم صدق ما كانت تنادي به وأمثالها ممن يرفعون أصواتهم من أجل التغيير الإيجابي. لحسن الحظ أن المعادلة التي اتفق عليها الجميع خلال المؤتمر، سواء ضمنيا أو علانية، أنه مثلما صنعت الموضة فرنكشتاين، فإنه بإمكانها أن تتخلص منه أو على الأقل تٌقلم أظافره وتقلص من سلبياته. الشرط أن تتكاثف وتتكاتف كل الجهود لتحقيق ذلك.
ما يعطي الأمل أيضا أن الجيل الصاعد الذي يعول عليه صناع الترف وغيرهم، يؤمن بالموضة الإيجابية، ويطلبها. وهذا يعني أنهم لا يستطيعون تجاهله إن أرادوا ضمان ولائه ومن ثم استمراريتهم. هذا الجيل لم يعد يكتفي أو يثق بالشعارات الطنانة، بل يريد الشفافية في التعامل معه. لم يعد يتطلع إلى الاسم واللون والتصميم، بل يريد أن يسمع قصة إيجابية وأن يغوص في مصدر الخامات ومن صنعها وكيف تم إنتاجها. فكما أن الموضة تؤثر على المستهلك، فقد تم الاكتشاف، في كثير من النقاشات، أن المستهلك أيضا يؤثر على الموضة. قوته تكمن في لغة التكنولوجيا التي يتقنها ويستعملها جيدا وفهمه للموضة ورغبته في حياة أفضل الآن وغدا. وربما هذا ما تطرق إليه مصمم «لانفان» السابق ألبير إلباز من دون قصد... ألقى خطابا ألهب الجميع لأنه كان تذكيرا بالجمال والشاعرية التي تميزت بها الموضة عموما وتصاميمه خصوصا قبل أن يضطر لمغادرة الدار التي ساهم في نجاحها. كان بالنسبة لها الأمير الذي أيقظها من سباتها العميق قبل أن تدور السنوات وتتمرد عليه لأسباب تجارية. في خطابه، ذكرنا بأن الحب مهم؛ لكن الاحترام أهم، لأنه «من دون احترام لا يكون هناك حب». رغم الرسائل القصيرة المفعمة بالحب والجمال التي ألقاها بشكل مسرحي وهو يرمي كل صفحة على الأرض، فإن نبرته كانت تشي بحزن عميق على ما آلت إليه حال الموضة... كيف أصبحت تجري وراء الربح ويتسابق بعضها مع بعض من أجل الظفر بزبائن شباب، أحيانا على حساب الإبداع والحس الإنساني. تقرأ بين السطور أيضا كم تغيرت الموضة كما يعرفها، وكم يحن للعودة إلى الجذور بالاهتمام بالإبداع وليس بالتسويق. وهذا تحديدا ما تتفق عليه الأجيال الصاعدة وصناع الموضة ممن حضروا المؤتمر. 2019 عام مفعم بالأمل وواعد بالعمل على زرع بذرته.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.