ربما لم تتعامل فرنسا مع بطولة دوري الأمم الأوروبية بجدية، لكن النهاية التي آلت إليها منافسات الأدوار النهائية للبطولة أثارت في النفوس حالة من القلق والكآبة الشديدة.
ولم يفلح الفوز الذي حققته فرنسا، على أرض استاد دي برانس أمام الأوروغواي وديا في التخفيف من وطأة الهزيمة المؤلمة التي منيت بها على يد هولندا بنتيجة 2 - 0. في الجولة الأخيرة من دور المجموعات لدوري الأمم. خلال المباراة، بدا المنتخب الهولندي وقد استعاد نشاطه وحيويته تحت قيادة المدرب رونالد كويمان وتمكن عن جدارة من تصدر مجموعته متقدماً على فرنسا وألمانيا. إلا أن الاختيارات المتحفظة التي يتخذها ديدييه ديشامب تهدد بإعاقة تطور أداء منتخب فرنسا بطل العالم.
في الواقع، لطالما أبدى ديشامب ولاءات غريبة بعض الشيء، والتزاماً سخيفاً إزاء الاستعانة باللاعبين الذين يستخدمون الساق اليسرى في مركز قلب الدفاع في إطار شراكات بينهم. وكان من شأن صعود صامويل أومتيتي، في البداية في صفوف «ليون»، ثم في «برشلونة»، منح رافاييل فاران شريكاً منتظماً قادرا على تكميل أسلوب لعبه. ومع هذا، فإنه في ظل الإصابة التي تعرض لها أومتيتي (وبنجامين ميندي ولوكاس هيرنانديز)، كان يملك ديشامب فرصة النظر في أمر بعض الخيارات غير العادية خلال التجربة الدولية الأخيرة.
في اللحظات التي كان لا يثق المدرب الفرنسي في لياقة ميندي وجبريل سيديبي أثناء بطولة كأس العالم، اتخذ قراراً جريئاً بالدفع بلاعبين صاعدين وغير مشهورين نسبياً هما هيرنانديز وبنجامين بافارد في مركز الظهير الصريح. إلا أنه خلال التجربة أمام الأوروغواي مال اختيار ديشامب بدلاً عن ذلك إلى عنصر الخبرة، فدفع بعادل رامي الذي شارك مع الفريق في الفوز ببطولة كأس العالم وقدم أداءً جيداً أمام الأوروغواي، لكنه سيكمل الـ33 هذا الشهر. وقدم رامي الكثير من المباريات الكارثية هذا الموسم في صفوف «مرسيليا»، الذي اتسم برابع أضعف دفاع اخترقت شباكه الأهداف على مستوى الدوري الفرنسي الممتاز.
وقد وقع الاختيار على مامادو ساكو للدخول في شراكة مع رامي في قلب دفاع المنتخب الفرنسي أمام الأوروغواي. وجاء أداءه جيداً، إن لم يكن ممتازاً أمام فريق بدا مفتقراً إلى الحافز. ومع هذا، فإن أداء ساكو مع فريقه كريستال بالاس هذا الموسم لا يستحق أن توجه إليه الدعوة للمشاركة مع المنتخب الفرنسي بعد عامين قضاهما بعيداً عن اللعب الدولي.
أيضاً، نال لوكاس دينييه فرصة المشاركة في التشكيل الأساسي للمنتخب الفرنسي. وكان واحداً من أسوأ اللاعبين مستوى أمام هولندا. ولم يقدم بريسنيل كيمبيمبي هو الآخر أداءً يذكر، لكنه لا يزال في الـ23 من عمره وقد حصل على فرصة الانضمام إلى المنتخب بعد تقديمه بداية جيدة للموسم مع «باريس سان جيرمان».
وتركزت معظم الأحاديث المتعلقة بالمنتخب الفرنسي وتشكيله لبعض الوقت على دينييه ورامي وساكو، إلا أن أياً منهم لم يضطلع بأي دور حيوي في فوز فرنسا بكأس العالم هذا الصيف، وباستثناء دينييه، لا يبدي أي منهم تحسناً في الأداء. إذن وفي ظل عدم وجود خطر كبير بالنسبة لهاتين المباراتين، لماذا لم يقدم ديشامب على النظر إلى الخطوات التي سبق له اتخاذها هذا الصيف ـ وذلك عندما استعان ببافار وهيرنانديز، اللذين خاضا أول مباراة دولية لهما مع المنتخب هذا العام ـ والإقدام على الاستعانة بإيميريك لابورتي؟
ولا بد أن أداء لابورتي القوي مع «مانشستر سيتي» وحقيقة أنه يعتمد على ساقه اليسرى جعلا منه خياراً واضحاً أمام ديشامب، قبل ساكو، بينما من المؤكد أن أداء عيسى ديوب مع «وستهام يونايتد» جعله خياراً مقدما على رامي. جدير بالذكر أن لابورتي لعب 10 مباريات في صفوف «مانشستر سيتي» هذا الموسم، وانتهت تسع من هذه المباريات بالفوز، بينما انتهت الأخيرة بالتعادل.
ويعتبر ديوب ولابورتي مرشحين واضحين للمشاركة في دفاع المنتخب الفرنسي بالنسبة لمتابعي الرياضة الإنجليزية، لكن فرنسا أمامها الكثير من الخيارات للاعبين في بطولات الدوري الأخرى. على سبيل المثال، شكل كل من دان آكسل زاغادو وعبد ديالو جزءًا لا يتجزأ من «دورتموند بوروسيا» المتصدر للدوري الألماني.
كما قدم نوريد موكيلي أداءً مبهراً في صفوف لايبزيغ الألماني بعد انتقاله من «مونبيليه» هذا الصيف. كما قدم بونا سار أداءً جيداً في صفوف «مرسيليا» وكان يستحق فرصة المشاركة مع المنتخب ولو لبعض الوقت.
وقد ضم ديشامب الظهير الأيسر الصاعد في صفوف «ليون»، فيرلان ميندي الذي اختير في تشكيل فريق العام للدوري الفرنسي الممتاز الموسم الماضي. وقد تألق اللاعب الصغير أمام الأوروغواي وقدم أداءً جيداً في المهام الدفاعية والهجومية. وكان أنطوان غريزمان بين المنبهرين بأداء اللاعب المبتدئ وقال بعد المباراة: «أعجبني أسلوبه في اللعب. يبدو كأنه يشارك مع المنتخب منذ فترة طويلة. لقد خاض المباراة ولم يبد أي خوف».
وبالنظر كذلك للأداء المبهر الذي قدمه زميل ميندي داخل «ليون»، تانغي ندومبيلي خلال مشاركته الأولى مع المنتخب، ناهيك عن الصعود المستمر لنجم كيليان مبابي، تزداد الحيرة التي يثيرها تردد ديشامب إزاء اتباع التوجه ذاته حيال خط الدفاع لديه.
في نهاية الأمر تبقى الحقيقة أن فرنسا لم تفز ببطولة كأس العالم عبر سلسلة من الأداء القوي خاصة في مباراة النهائي وأمام الأرجنتين، وإنما من خلال التفوق على المنافسين من حيث عدد الأهداف. وبالنظر إلى أن الكثير للغاية من المهاجمين المحوريين بالمنتخب في سن صغيرة نسبياً، يبدو من الغريب أن ديشامب لا يعكف على تطوير دفاعه على النهج ذاته.
هل تعيق اختيارات ديشامب تطور المنتخب الفرنسي؟
الخروج من الدوري الأوروبي وعدم المجازفة بتجربة مدافعين واعدين يدقان جرس الإنذار
هل تعيق اختيارات ديشامب تطور المنتخب الفرنسي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة