هل سننجو من التغيّر المناخي؟

سكان الأرض لن يفلتوا من تأثيراته السيئة

هل سننجو من التغيّر المناخي؟
TT

هل سننجو من التغيّر المناخي؟

هل سننجو من التغيّر المناخي؟

هل تشعرون باقتراب النهاية؟ إن كنتم خبراء في علوم المناخ، فلا بدّ أنّكم تسمعون هذا السؤال كثيراً. «نعم، أسمعه، حتى إنني صرت أسمعه أكثر في الآونة الأخيرة»، هذا ما تقوله كايت مارفل، باحثة مشاركة في معهد «غودارد» للدراسات الفضائية التابع وكالة «ناسا» الفضائية.
والسبب، لا يخفى على أحد، خصوصاً أن التقارير المتعلقة بمخاطر تسخين الكوكب آخذة في الصدور بوتيرة سريعة ومخيفة. وآخرها تحليل مروّع صادر عن اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، توقّع نقصاً كبيراً في الطعام، وحرائق، وموت عدد كبير من الشعاب المرجانية بحلول عام 2040، في حال لم تقم الحكومات بخطوات فعالة.

وقف تسخين الأرض

إنّ أحد الأهداف التي وضعها اتفاق باريس للمناخ كان منع درجة الحرارة من الارتفاع أكثر من درجتين مئويتين عالمياً (3.6 درجة فهرنهايت)، إذ إنّ زيادة تسخين الأرض بمعدّل درجتين يعني أنّ الأمور أصبحت سيئة جداً، وأنّ جليد البحر القطبي الشمالي يواجه خطراً أكبر بعشر مرّات بالذوبان خلال الصيف، إلى جانب اختفاء الغالبية العظمى من الشعاب المرجانية حول العالم، وأنّ ما يقارب 37% من سكان العالم معرّضون لموجات حرّ شديدة، بالإضافة إلى 411 مليون نسمة يواجهون خطر الجفاف المدني الشديد، و80 مليون شخص معرّضون لخطر الفياضانات الناتجة عن ارتفاع مستوى البحر.
ولكن إن نجحنا في الحفاظ على التسخين دون 1.5 درجة، سينجح جليد بحر القطب الشمالي غالباً في الصمود خلال فترات الصيف، ولن تختفي الشعاب المرجانية رغم استمرار تعرّضها للتهديد، وسينخفض معدّل السكان المعرّضين لموجات الحرّ الشديدة بنحو 14%، وسيتراجع عدد الأشخاص الذين يواجهون خطر الجفاف المدني أكثر من 60 مليون نسمة.
لا تزال الدول الصناعية الكبرى بعيدة عن تحقيق هدف الحفاظ على التسخين دون الدرجتين المئويتين، وأبعد بكثير عن تحقيق هدف الدرجة والنصف. حتى اليوم، زاد تسخين الأرض درجة واحدة، ولن تسهم قوة الإرادة والجهود العظيمة، حتى إن نجحت في خفض انبعاثات غازات الدفيئة بشكل كبير، في حمايتنا من آثار ثاني أكسيد الكربون المنبعث اليوم والذي ستبقى بصماته في الجوّ لقرون قادمة. لا شكّ في أنّ هذا الأمر محبط، ولكنّه ليس سيئاً كما يبدو، إذ إن تخفيض معدّل غازات الدفيئة المنبعثة في الجوّ سيسهم أخيراً في القضاء على بعض أخطر آثار التسخين.

سيناريوهات مفزعة

لا يمكننا أن ننكر أنّ أسوأ سيناريوهات التغيّر المناخي مفزعة فعلاً، خصوصاً أن بعض التغطيات الإعلامية المعنية ذهبت بعيداً إلى حدّ الحديث عن نهاية العالم، إذ نشر ويليام تي. فولمان في وقت سابق من هذا العام مقالاً من جزأين تحت عنوان «آيديولوجيات الكربون» التي قال إنها موجهة إلى سكّان مستقبل مروّع وبائس.
بعد حديثه عن كمية الطاقة المطلوبة في صناعة الزجاج، قال فولمان: «آمل أن تكونوا قد ورثتم بعضاً من نوافذنا. فلعلّكم سحبتموها من العقارات الغارقة وركبتموها في كهوفكم».
ويَعتبر جايمس هانسن، العالم الذي حذّر من التغيّر المناخي قبل 30 عاماً في شهادة أمام الكونغرس، أن حديث الترويع أصبح قديماً. وقال في حديث نقلته وسائل الإعلام الأميركية: «إن الأشخاص الذين يعتبروننا يائسين يسببون لنا التعب ولا يساعدوننا على الإطلاق، ففي حال كنّا أذكياء، سنتمكّن من تفادي أسوأ النتائج، وأعتقد أننا نستطيع أن نكون أذكياء».
ووافقته كايت مارفل الرأي قائلة: «لا يوجد دليل علمي على أنّ النهاية باتت محتومة.
فالتغير المناخي ليس اختباراً للنجاح أو الفشل. نحن أمام مستقبل مفتوح، واحتمالات مفتوحة. نعم، ستكون الأمور سيئة، ونعم، يجب علينا أن نبذل جهوداً أكبر وأكثر، لمواجهة ما قد يأتي. ولكن مدى السوء الذي قد تصل إليه الأمور، وعدد الناس الذين قد يعانون من هذا السوء، يتوقف على ما سنقوم به. صحيح أنّ البشر معروفون بتجنّبهم الدائم للتعامل مع المشكلات طويلة الأمد، ولكنّهم يملكون القدرة على تصوّر الآتي... نحن نفكر في المستقبل. نحن نزرع الأشجار ولدينا أولاد».

تقنيات المستقبل

من جانبها، لفتت كاثارين هايهو، عالمة مناخية من جامعة تكساس التقنية، إلى أنّ زملاءها المحترفين يميلون إلى التحفظ على اكتشافاتهم، وتقول: «عندما يصفون أمراً ما بالسيئ، نعي أنّه أسوأ بكثير مما يقولون».
وتضيف: «ولكنني ما زلت متفائلة. فالشباب يتحكّمون اليوم في مسألة المناخ، ونملك تقنيات حديثة قادرة على تنظيف الجوّ من ثاني أكسيد الكربون. الأمر مكلف، ولكن حقيقة أننا نملك قدرة على التغيير تحْيي آمالاً كبيرة».
ورأت هايهو أنّ الحصول على مستقبل أفضل يبدأ من شرح المشكلات القائمة حالياً بفعالية أكبر، لافتة إلى أنّ «رسالة النهاية المحتومة أصبحت نوعاً من النبوءة المقنعة، والأسوأ سيقع لأننا استسلمنا».
قد نشعر أنّ محاربة التغيّر المناخي أشبه بنقل جلمود ضخم «بأيدٍ قليلة»، ولكنّ هناك الملايين من الأيدي التي تدفع اليوم بهذا الجلمود، بفضل الاتجاهات الاقتصادية التي تعتمد على الطاقة المتجددة.
وقالت هايهو: «العالم يتغيّر، ولكن ليس بالسرعة المطلوبة».
إن الطريقة التي نتحدث بها عن التغير المناخي ليست واحدة. فقد رأت مارفل أنّه لا يوجد حلّ مناسب للجميع وأنّه ما من تعريف موحّد لـ«عمل».
وتحدّثت الباحثة من معهد «غودارد»، عن تعدد الرسائل في هذا الشأن، حيث إن «إحداها قد تشجع الناس على العمل، وأخرى تولّد استجابة عاطفية، في حين أنّ رسالة ثالثة قد تكشف لنا حقيقة مؤكدة. جميعها أهداف تستحق تحقيقها، وليست متشابهة أبداً».
في المقابل، تختلف مارفل مع الرسالة التي تبناها الكثيرون من أحدث التقارير المناخية والتي تفيد بأنّه لدينا «نحو عقد واحد» لحلّ المشكلة.
وقالت: «أراهن بكثير من المال، بمليون دولار، على أنّه وبعد 12 عاماً من اليوم، سيبقى البشر على سطح هذا الكوكب». وتضيف: «ولكنّ هذا ليس سبباً للرضا عن أداء اليوم. قد لا نكون واقفين على حافة جرف، ولكننا بالتأكيد على حافة منحدر، وقد يتجه العالم إلى مشكلات أكبر مع الوقت».
وأخيراً، تقول: «نحن فعلاً بحاجة إلى أكبر عدد ممكن من الأصوات الصادرة عن عدد كبير من الناس لتحقيق هذا الهدف». وأشارت: «في النهاية، لن يفلت أحد من آثار التغير المناخي التي ستطالنا بشكل أو بآخر».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»