الدولة الفرنسية «حائرة» في كيفية التعامل مع أزمة «السترات الصفراء»

ماكرون يستبعد فرض حالة الطوارئ أو حل المجلس النيابي

ماكرون يحادث قوات مكافحة الشغب في باريس أمس (إ.ب.أ)
ماكرون يحادث قوات مكافحة الشغب في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

الدولة الفرنسية «حائرة» في كيفية التعامل مع أزمة «السترات الصفراء»

ماكرون يحادث قوات مكافحة الشغب في باريس أمس (إ.ب.أ)
ماكرون يحادث قوات مكافحة الشغب في باريس أمس (إ.ب.أ)

لم يصدر شيء عن الاجتماع الطارئ لـ«خلية الأزمة»، الذي جرى في قصر الإليزيه ظهر أمس، مباشرة بعد عودة الرئيس إيمانويل ماكرون من بوينس آيرس، وبعد توقف عند قوس النصر للاطلاع على الأضرار، وإعادة التأكيد على أهمية هذا «الرمز الوطني» بالنسبة للجمهورية الفرنسية، بعد «تدنيسه» على أيدي مجموعة من المشاغبين أول من أمس، وفق تعبير ماكرون.
وقبيل وصول الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المكان، انتشرت سيارات لقوات الأمن حول نصب قوس النصر، إلى جانب سيارات الصيانة والتنظيف الخضراء التابعة للبلدية. وشرع عمال البلدية في غسل الأرض بخراطيم المياه، وكانت الشعارات المكتوبة على قوس النصر لا تزال واضحة، فقام عدد من المحققين التابعين للشرطة بأخذ صور لها قبل إزالتها. ومن بينها: «إنها نهاية النظام»، و«السترات الصفراء سينتصرون»، و«نعمل لقلب البرجوازية».
وضم اجتماع الإليزيه، إلى جانب ماكرون وأمين عام القصر ألكسيس كوهلر، رئيس الحكومة ووزراء الداخلية والعدل والبيئة، وقادة الأجهزة الأمنية. وكان لافتاً أن ماكرون، كما كشفت عن ذلك مصادر الرئاسة، امتنع عن التوجه إلى الفرنسيين، رغم الأزمة الحادة التي هي الأكبر التي يواجهها عهده منذ بدايته ربيع العام الماضي. وثمة وحدة رأي بين المحللين في باريس أن ذلك يعود لأن الرئيس يسعى من جهة لكسب الوقت، ومن جهة ثانية لبلورة مخارج من الأزمة لا تدل على تراجعه عن قرارات سابقة، وتبرد في الوقت عينه «برميل البارود» المتفجر. لكن بالمقابل، سربت هذه المصادر أن ماكرون، ومعه الحكومة، لا ينويان في الوقت الحاضر فرض حالة الطوارئ التي رفعت خريف العام الماضي، بعد أن فرضت على فرنسا طيلة 3 سنوات، منذ العمليات الإرهابية الواسعة التي ضربت باريس وإحدى ضواحيها في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015.
وكان وزير الداخلية كريستوف كاستانير، الذي توجه إليه اتهامات بالجملة بسبب أعمال الشغب، وفشل القوى الأمنية في التعامل معها، قد أشار أول من أمس إلى أنه «لا محرمات أمام الحكومة، وأن فرض حالة الطوارئ مجدداً يمكن أن يقرر». لكن وزيرة العدل نيكول بيلوبيه «تحفظت» مساء أمس على ذلك، مما يعني أن إجراء كهذا مؤجل، إن لم يكن مستبعداً، خصوصاً أن إقراره يدل بمعنى ما على أن الأمور قد خرجت عن السيطرة، وهو ما تريد باريس استبعاده.
في السياق عينه، فإن الإليزيه استبعد أيضاً حل المجلس النيابي، وهو ما دعا إليه جان لوك ميلونشون، رئيس حزب «فرنسا المتمردة»، أي اليسار المتشدد، ومارين لوبن، زعيمة حزب «التجمع الوطني»، أي اليمين المتطرف. وبرأي الاثنين، فإن المجلس لم يعد يمثل الفرنسيين، وبالتالي يتعين حله للخروج من المأزق السياسي الحالي.
وثمة إجماع في فرنسا على أن التعاطي مع أزمة «السترات الصفراء»، وكبح الأقلية من المخربين والمشاغبين القادمين من أقصى اليمين واليسار، يمران عبر تمكن الدولة من توفير رد مزدوج: أمني من ناحية، للضرب بيد من حديد على من حطم وأحرق ونهب واستهدف قوات الأمن، ومن ناحية ثانية سياسي، لا يمكن أن يكون دون الحد الأدنى المطلوب، أي «تجميد» زيادات الرسوم على المحروقات التي قررتها الحكومة بحجة خفض الاعتماد على «الطاقة الملوثة»، أي البترول ومشتقاته، والانتقال إلى الطاقة النظيفة.
وحتى اليوم، ما زالت الحكومة تتمهل، والرئيس يكسب الوقت، لأن النزول عند المطلب الأول لـ«السترات الصفراء» يعني أن العهد قد تراجع تحت ضغط الشارع، وبالتالي سيكون من الصعب عليه الإكمال في خططه الإصلاحية للسنوات الثلاث والنصف المتبقية له. من هنا، فإن ماكرون طلب من رئيس الحكومة إدوار فيليب أن يلتقي السترات الصفراء، وكذلك رؤساء الأحزاب الممثلين في البرلمان للتشاور. والحال أن فيليب حاول الحوار مع ممثلين عن «السترات الصفراء» الذين يفتقدون لبنية تمثلهم، إلا أن المحاولة باءت بالفشل، لأن شخصين فقط قبلا الالتقاء به، وأحدهما انسحب بعد 3 دقائق من وصوله إلى القصر الحكومي، بحجة أن اللقاء لم يكن متلفزاً.
ويعاني ماكرون من مشكلة رئيسية، هي أن كلامه لم يعد مسموعاً اليوم، وأنه أضاع الفرصة التي توفرت له منتصف الأسبوع الماضي لتفكيك الأزمة، حين ألقى كلمة مطولة في اجتماع حول البيئة في القصر.
وبدل أن يعلن يومها عن «بادرة قوية» تقنع المحتجين بأنه يستمع إليهم حقيقة، ويتفهم مطالبهم، اقترح «آلية» غامضة سيكون دورها مراقبة ارتفاع أسعار النفط عالمياً، وتكييف زيادات الرسوم على الوقود بموجب صعودها وهبوطها.
أما اليوم، فإن الحركة الاحتجاجية لم تعد محصورة بالوقود، بل تحولت إلى «سلة مطالب»، تتضمن بالطبع خفض الضرائب، وزيادة الحد الأدنى للرواتب، ورفع المعاشات التقاعدية. وقال رئيس مجلس الشيوخ، جيرار لارشيه، إنه ينبغي على الحكومة كـ«بداية» أن تجمد زيادات الرسوم لإقناع السترات الصفراء بالجلوس إلى طاولة الحوار، والبحث جماعياً عن حلول.
كذلك، فإن رئيس حزب «الجمهورية إلى الأمام»، ستانيسلاس غيريني، وهو حزب ماكرون، اعترف بالقطيعة بين الحكومة والطبقة السياسية وبين الشعب، بقوله: «إننا ابتعدنا كثيراً عن واقع الفرنسيين»، وهو ما سبق أن اعترف به ماكرون الأسبوع الماضي في الخطاب المشار إليه سابقاً. ويدل كلام رئيس الحزب إلى وجود «تساؤلات وانقسامات» داخله، وبعض النقمة على طريقة تعاطي الحكومة مع هذه الأزمة، حيث تتضارب التصريحات.
في المقابل، تطالب المعارضة، كما قسم من «السترات الصفراء»، أولاً ببادرة قوية من الحكومة، بدءاً بتجميد رفع الضرائب على المحروقات. وفي صفوف اليمين، دعا زعيم الجمهوريين، لوران فوكييه، مجدداً إلى استفتاء حول السياسة البيئية والضريبية لإيمانويل ماكرون. وطلبت مارين لوبان (يمين متطرف) لقاء ماكرون مع زعماء الأحزاب السياسية المعارضة، كما طالبت بحل الجمعية الوطنية، وإجراء انتخابات جديدة.
وفي معسكر اليسار، طلب زعيم الحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، تشكيل لجان حول القدرة الشرائية. أما جان لوك ميلانشون، زعيم حركة «فرنسا المتمردة»، فدعا إلى إعادة فرض الضريبة على الثروة، مشيداً بـ«تمرد المواطنين الذي يثير الخوف لدى ماكرون والأثرياء».
ووسط هذه المطالب التي وضع معظمها على الطاولة منذ أيام، لم تغير الحكومة حتى الآن موقفها. وذكر المتحدث باسم الحكومة، بنجامان غريفو، أن السلطة التنفيذية «مستعدة» للتحاور مع ممثلي «السترات الصفراء الأحرار»، الذين كتبوا مقالة في صحيفة «لو جورنال دو ديمانش»، دعوا فيها إلى الخروج من الأزمة.
إزاء كل ذلك، فإن التخوف هو في عودة المحتجين، ومعهم «المشاغبين»، إلى جادة الشانزليزيه ومحيطها، وعودة أعمال الحرق ومعارك الشوارع، وكل ما شاهده العالم يوم أول من أمس.
ولتفادي ذلك، طلب ماكرون من وزير الداخلية أن «يدرس» إجراءات تمنع تكرار ما حصل، لكن ما سيجري يوم السبت المقبل مرهون بما سيقدمه الرئيس والحكومة من حلول، وإلا فإن الأزمة ذاهبة إلى مزيد من التصعيد.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.