في إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في حي النصر بمدينة غزة، يجلس السوري ذو الأصول الفلسطينية فاضل الوادية، يتحسر على ما آلت إليه حياته بعد أن فر من سوريا بفعل الدمار الذي لحق بالمخيم الذي كان يعيش فيه بريف دمشق، ليجد نفسه مهجرا مرة أخرى ليعيش مرارة جديدة.
وكان الوادية وصل في التاسع من مارس (آذار) 2013، عبر معبر رفح البري إلى قطاع غزة، أملا في أن يقضي حياة جديدة بعد أكثر من عام عاشه وعائلته في مخيم السبينة بريف دمشق، تحت القصف العنيف الذي دمر مخيمه وأجبره على مغادرته فارا إلى خارجه قبل أن ينجح بالخروج من سوريا ليستقر به الحال في القطاع.
الوادية واحد من بين 170 عائلة سورية من أصول فلسطينية وصلت إلى قطاع غزة في بدايات عام 2013، وقدمت لها حكومة حماس سابقا، ومؤسسات فلسطينية مختلفة بعض الدعم المادي. فيما استقبلت عائلات بغزة أقرباءها وآوتهم في منازلهم بينما بقت عائلات أخرى تقطن بالإيجار وسط حياة وظروف صعبة.
ويقول الوادية لـ«الشرق الأوسط» إنهم فروا من سوريا بسبب الحرب الأهلية الدائرة هناك، موضحا أنه تمكن بصعوبة كبيرة من مغادرة مخيم السبينة الذي يقطن به بعد إصابة أحد أبنائه في قصف بالهاون استهدف منزل عائلته. واضطر لمغادرة المخيم مع آلاف العائلات واستقر في بعض أحياء دمشق قبل أن يغادرها إلى لبنان ومنها إلى مصر وصولا إلى غزة.
وذكر أنه وصل للقطاع، في محاولة منه للاطمئنان على مستقبل ومصير عائلته بعدما كانت تلاحقه القذائف من منطقة لأخرى في سوريا، وهو يردد في نفسه «الحياة في غزة تحت الحصار أفضل من الجحيم في سوريا والعيش تحت القصف والقتل الذي كان يطال كل السوريين والفلسطينيين هناك».
ولم يتخيل الوادية الذي استقر في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أن يعود به المشهد – كما يقول - بأن يهجر قسرا من الحي الذي اعتقد أنه سيكون ملاذا آمنا له ولعائلته المكونة من ستة أفراد. ويقول: «نجونا من الموت بأعجوبة في الشجاعية بعد أن سقطت إحدى قذائف المدفعية على الحي أمام باب المنزل». ويضيف: «مع شدة القصف على الحي تجهزت وعائلتي وخرجنا فورا بعد ثوان معدودة من سقوط قذيفة على باب المنزل، وكنت أحمل أطفالي الثلاثة على ذراعي للنجاة بهم مع زوجتي التي تمسك بأطفالي الآخرين ونسير بين المنازل المدمرة والشهداء والأشلاء حتى وصلت دون أن أفهم ما جرى إلى منطقة آمنة حينها سجدت على الأرض وسط الشارع وحمدت الله كثيرا أنني خرجت سالما بعد أن نجاني وعائلتي مرة أخرى من القصف».
ويشير إلى أنه لم يجد مأوى له سوى مدرسة للأونروا في حي النصر للاحتماء بها بعدما نزح مئات الآلاف من سكان حي الشجاعية الذين اضطروا للجوء إلى تلك المدارس في أعقاب الغارات الإسرائيلية العنيفة التي طالت الحي وأدت إلى سقوط نحو مائة قتيل.
وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن نحو 200 ألف فلسطيني نزحوا من منازلهم بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية الدائرة في غزة، واستقروا في المدارس التابعة لها وأنها تقدم لهم الإمكانيات المتوفرة لديها، داعية كافة دول العالم للتحرك من أجل دعمها في تقديم مزيد من الخدمات لأولئك المشردين والعمل على وقف الحرب تجنبا لوقوع مزيد من الضحايا وتشريد آلاف آخرين.
ويعيش أبو خالد المزين، وهو نازح سوري من أصول فلسطينية، فصولا أخرى من المعاناة بعدما حل ضيفا لدى أحد أقربائه في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، والذي طالته الكثير من الغارات الإسرائيلية المكثفة.
ويقول المزين لـ«الشرق الأوسط» إنه نجا من الموت وعاش النزوح ثلاث مرات في أقل من عامين. وأوضح أنه نجح وعائلته في الخروج من مخيم درعا إلى دمشق في منتصف 2012، ثم تعرضت شقته في ضواحي المدينة لقذيفة أدت إلى إصابة نجله، الذي كان يبلغ من العمر حينها 16 عاما، قبل أن ينقله لأحد المستشفيات بدمشق للعلاج. وبعد أسبوعين من انتهاء العلاج قرر الرحيل إلى مصر ومنها عائدا لغزة.
وأشار إلى أنه وصل إلى القاهرة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، مبينا أنه بعد أسابيع قليلة من انتهاء الحرب الثانية على غزة تمكن من دخول القطاع وسكن مع أقربائه في مخيم النصيرات. وقال: «عشت حياة صعبة لأنني لم أجد عملا أستطيع من خلاله توفير قوت أطفالي قبل أن أفتتح مطعما خاصا للمعجنات السورية فأعاد أمامي الأمل مجددا بالحياة».
لكنه أضاف: «مع بدء العدوان الإسرائيلي تعرضت عدة أراض زراعية في محيط المكان الذي أسكن فيه لهجمات، وكان ذلك يعيد في ذاكرة أطفالي شدة الحرب الضروس التي تعرض لها مخيمنا في سوريا، فقررت حينها مغادرة المنطقة والتوجه إلى أقرباء زوجتي في حي التفاح شرق غزة. ومع بدء العملية البرية تعرض منزل مجاور لنا في الحي لقصف ثم تعرض الحي بأكمله لغارات مدفعية مكثفة فاضطررنا للفرار بالملابس التي كنا نرتديها فقط دون أن نأخذ شيئا من حاجاتنا». وتابع قائلا: «وجدنا المئات من الناس يفرون من الحي وكلهم يذهبون نحو المدارس، فذهبنا بصحبتهم نبحث عن مكان آمن يحمينا وعائلاتنا من القتل الذي يلاحقنا من سوريا إلى غزة إلى كل مكان نذهب إليه».
فلسطينيون فروا من الحرب السورية.. ليلاحقهم القتل والنزوح في غزة
أحدهم قال لـ «الشرق الأوسط»: اعتقدنا أن الحياة في القطاع تحت الحصار أفضل من جحيم سوريا
فلسطينيون فروا من الحرب السورية.. ليلاحقهم القتل والنزوح في غزة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة