عودة «بوكو حرام»

تنظيم «أنصارو» يجدد الإرهاب بغرب أفريقيا

نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

عودة «بوكو حرام»

نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

عاد بقوة تنظيم «الدولة بغرب أفريقيا» المعروف بحركة «بوكو حرام» إلى الواجهة. فقد قتل نحو 100 جندي نيجيري في هجمات نفذها مقاتلو هذا التنظيم الإرهابي، في النصف الثاني من هذا الشهر، نوفمبر (تشرين الثاني) 2018؛ حسب ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، نقلاً عن مصادر أمنية لم تسمها. ويأتي ذلك في سياق المواجهات اليومية العنيفة، التي يستعمل فيها الطرفان الأسلحة المتوسطة، والثقيلة؛ كما أدت الهجمات الأخيرة، للتنظيم الإرهابي إلى مقتل أكثر من 150 من المدنيين، 56 منهم سقطوا في الأيام الأخيرة. وقد دفع هذا الوضع الأمني المتردي، مجلس الشيوخ النيجيري إلى تعليق عقد جلسته؛ خاصة بعد مصرع نحو 44 جنديا، في هجوم في ميتيل، في ولاية بورنو بشمال شرقي البلاد.
ويتمركز التنظيم الإرهابي في الولايات الشمالية النيجيرية، يوبي، وكانو، وباوتشي، وبورنو، وكادونا، ويعرف نفسه بأنه حركة «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». وقد خلف نشاطه المتنامي منذ 2002، أزمة سياسية وإنسانية في البلاد. ووفق عدة تقارير دولية فإن العمليات الإرهابية لـ«بوكو حرام» أسفرت عن أكثر من 20 ألف قتيل، ومليونين من المشردين؛ كما أن هذه العمليات يتّمت أكثر من 52.311 طفلا، ورمّلت أكثر من 54.911 امرأة. أما الخسائر المادية، إلى حدود 2017، فقد بلغت أكثر من 9 مليارات دولار.
وتأتي عودة التنظيم بهذه القوة، لتؤكد تجاوزه للصعوبات التنظيمية التي عاشها في الفترة الممتدة بين 2015 - 2017؛ والتي أثرت بشكل كبير على نشاط التنظيم مما أدى لتراجع مهم في عدد عملياته الإرهابية. فقد كان لتدخل البغدادي دور حاسم في إقالة الزعيم السابق للتنظيم، أبو بكر شيكاو؛ مما أدى لأزمة تنظيمية بين هذا الأخير والأمير الجديد، أبو مصعب البرناوي. ورغم هذه الأزمة الداخلية، فإن التنظيم، استطاع الخروج منها بعد اقتتال داخلي، غير حاد؛ بل إن جناحي التنظيم، يتعاونان بشكل كبير على الحدود، رغم استمرار الخلاف بينهما، خاصة فيما يتعلق بالجانب الآيديولوجي المسوغ لارتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين.
ومن المؤشرات الدالة على العودة القوية للتنظيم في النصف الثاني من سنة 2018؛ توسع عمليات الخطف والهجوم على القواعد العسكرية للجيش النيجيري.
ومن عمليات الخطف التي مست قوات الجيش النيجري؛ تلك التي وقعت في الأسبوع الأول من نوفمبر، حيث تم خطف 16 جنديا نيجيريا في هجوم شنّته بوكو حرام ضد ثكنة عسكرية في منطقة بحيرة تشاد منتصف نوفمبر الحالي، كما أسفر هذا الهجوم عن قتل 15 جنديا من قوة التدخل الإقليمية، المتعاونة مع الجيش الرسمي.
كما خطف مقاتلو «بوكو حرام»، نحو 50 من الحطابين في شمال شرقي نيجيريا بالقرب من الحدود مع الكاميرون. وقد أوضح زعماء لميليشيا محلية والسكان المدنيون لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الرهائن هم في الغالب من النازحين بسبب العنف «الجهادي»؛ وأنهم اختطفوا من قبل مقاتلين موالين لزعيم فصيل أبو بكر شكاو، أثناء جمعهم للخشب يوم السبت 17/ 11/ 2018.
من جهة ثانية، هاجم مسلحو «بوكو حرام» قاعدة عسكرية في شمال شرقي البلاد في ولاية بورنو؛ مستعملين صواريخ مضادة للطائرات، مما أدى لمقتل جندي وجرح أربعة آخرين. وفي هذا السياق الدموي الذي فرضه التنظيم الإرهابي على الشمال النيجري. شنت جماعة «بوكو حرام» الإرهابية يوم 14 يوليو (تموز) 2018 هجوما على قاعدة عسكرية، تضم نحو 700 جندي في ولاية يوبي، القريبة من حدود النيجر، شمال شرقي البلاد؛ ورغم أن السلطات الرسمية لم تعلن أي حصيلة رسمية فإن وكالة الصحافة الفرنسية، اعتمادا على مصدر عسكري قالت إن 31 من أفراد الجيش من بينهم 3 ضباط قتلوا في الهجوم، فيما جرح 24 آخرون. كما أسفر الهجوم الإرهابي عن مقتل عنصرين من الميليشيات المحلية، المتعاونة مع الجيش.
وبعد أسبوع فقط، على العملية التي أدت إلى قتل أكثر من 31 من أفراد الجيش؛ سقط عدد كبير من القتلى، على إثر هجوم شنه مسلحون من «بوكو حرام»، على بلدة شمال شرقي نيجيريا على الجنود النيجيريين والسكان بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ويقدر عدد ضحايا هذه العملية على غودومبالي في منطقة غوزامالا ولاية بورنو، بعشرات القتلى بين المدنيين والعسكريين. وقال أحد السكان المحليين لوكالة «رويترز» للأنباء، إن «كثيرا من المدنيين لقوا مصرعهم، وحتى الآن لا نعرف عدد القتلى والآلاف غادروا منازلهم» بسبب الهجوم.
من جهة أخرى، أدت سلسلة الهجمات الأخيرة لفرع تنظيم داعش بنيجيريا إلى مقتل 12 فلاحا، صباح اليوم السبت 20/ 10/ 2018، بطريقة وحشية. حيث تعرضوا للذبح بالمناجل، من طرف مقاتلي التنظيم المتطرف، الذين استعملوا شاحنات للنقل للوصول لقرية كاله؛ على بعد نحو 20 كيلومترا عن مدينة مايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو (شمال شرقي البلاد)، التي كانت مسرحا للجريمة.
وتساعد عدة عوامل سياسية واقتصادية وعرقية، على استمرار موجات العنف الديني والعرقي بنيجيريا. ذلك أن التنوع التقليدي والصراع السياسي في نيجيريا يتخذ طابعا عرقيا وقبليا، بين الهوسا المسلمة والإيبو واليوروبا المسيحية. وهذا الصراع شهد منذ ثمانينات القرن العشرين، تحولا مهما، حيث انطلق من التنظيم داخل الجامعات وتكتلات الطلاب بالمجموعات التي أطلق عليها «الطقوس السرية»، التي تأسست سنة 1984، لينتشر في الوسط النخبوي. وبذلك يصبح العنف الديني العرقي من مظاهر الصراع المستمر حول السلطة.
و هكذا وصلت دائرة العنف هذه إلى الجيش، حيث قاد جنرالات من قبائل الهوسا، والإيبو واليوروبا، انقلابات عسكرية متبادلة لفترة زمنية طويلة، ما زالت نتائجها مؤثرة على النسيج الاجتماعي، رغم التداول السلمي للسلطة القائم حاليا. ذلك أن الصراع العنيف، وتشعبه وتداخله بما هو ديني؛ أدى لظهور حركة دينية بزعامة «محمد مروة» أو «محمد يوسف». وترفض الحركة التعليم الحديث والغربي، وأنشأت عدة مدارس قرآنية للتعليم العتيق. كما قامت بأعمال إرهابية أدت لمقتل الآلاف من النيجيريين؛ مما جعل القيادات الدينية بالبلد تقف ضدها، وتعتبرها حركة غير مسلمة، وتصنفها بكونها مجموعة إرهابية.
وعليه يمكن التأكيد على أن الأوضاع الداخلية، هي العامل الرئيسي في ظهور تنظيم محمد يوسف واكتسابه لشعبيته. كما أن تعامل الجيش القاسي مع هذه الحركة سنة 2009، وإعدامها بشكل غير قانوني لزعيم التنظيم، زاد من شعبيته وسط عرقية الهوسا؛ خاصة مع تزايد إهمال الشمال النيجيري من الحكومات المتعاقبة. وهكذا وجد الزعيم المؤسس محمد يوسف، وأبو بكر شيكاو، ومنافسه أبو مصعب البرناوي؛ منطقة الشمال ملاذا لدعوتهم الدينية والعرقية العنيفة. كما وجدوا في الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية معينا لجلب الأنصار؛ خاصة أن الشمال أكثر تأثرا بالبطالة وضعف أو انعدام التعليم، وانتشارا للفساد في الأوساط الحكومية.
وقد أشارت بعض التقارير الدولية، إلى وجود ظاهرة الأموال المموهة، التي تتعلق بالقطاع الأمني؛ غير أن مسار هذه الأموال التي توضع في «صناديق سرية»، يسهل التلاعب بها، وصرفها بشكل غير قانوني، عوض استغلالها في تحقيق الأمن والتنمية بالبلاد. وأكدت منظمة الشفافية الدولية، أن هذه الصناديق وطريقة اشتغالها، تشكل في الواقع «شكلا من الفساد التاريخي في نيجيريا»، لأنها يلفها الغموض. كما أضافت المنظمة الدولية، أن «الفساد في قطاع الدفاع والأمن الأساسي، يعود بالفائدة على الذين يزرعون بذور عدم الاستقرار والرعب».
ويبدو أن هذا الوضع العام يساعد أبو مصعب البرناوي، ويسهل من مأموريته في زعزعة الاستقرار النيجيري. وظل البرناوي متحدثا باسم تنظيم «بوكو حرام» حتى سنة 2013، حيث انشق عن التنظيم الأم ليؤسس حركة جديدة باسم «أنصارو» أي الأنصار. ويعتقد كثير من الباحثين أن الزعيم الجديد هو ابن محمد يوسف مؤسس تنظيم «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». ويتميز الابن عن أبو بكر شيكاو، بدعوته لتجنب المواجهة المفتوحة مع المجتمع المسلم والمسيحي. حيث يتبنى البرناوي حصر المواجهة العسكرية في القوات المسلحة وقوى الأمن والميليشيات التابعة لها. وتمكن حاليا من نقل نشاطه لشمال شرقي نيجيريا. في الوقت الذي لا يزال شيكاو يعتبر المجتمع غير الموالي لتنظيمه هدفا لأعماله الإرهابية.
ورغم هذا «التقدم» في الرؤية الآيديولوجية، فإن تنظيم «أنصارو»، هو الممثل الرسمي لـ«داعش» منذ 2015؛ وهو ما يوحي بأن التنظيم يعمل على التكيف مع الظروف المحلية، وتجاوز السخط الشعبي للعمليات العشوائية التي يدفع فيها شيكاو، الأطفال والنساء للقيام بالعمليات الانتحارية، كما أن البرناوي يحرص على استعمال لغة عرقية الهاوسة، في خطبه المنبرية والإعلامية.
كما يحرص على التواصل مع بعض النخب التقليدية السياسية والاقتصادية بشمال نيجيريا؛ التي تدعو الحكومة منذ سنوات لفتح قنوات الحوار مع التنظيم. عملت الجماعة كذلك على تنويع مصادرها المالية، حيث تفرض الضرائب، في المناطق التي تسيطر عليها، وتعمل على التعامل التجاري والتشابك مع منظمات الجريمة والعنف الإجرامي؛ كما تركز جهود التنظيم على الخطف، والاستيلاء على قطعان الماشية، وفرض الضرائب في المناطق المسيطر عليها، بالإضافة إلى السطو على البنوك.
وفيما يخص الفدية، تتحدث بعض التقارير الدولية، عن حصول الجماعة على أكثر من 10 ملايين دولار من عمليات الاختطاف والفدية إلى حدود 2018.
ويبدو أن تطور حركة «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد» وميلاد جماعة «أنصارو» بنيجيريا، محكوم بعوامل داخلية معقدة، تتقاطع مع النفوذ الدولي داخل البلد. فإذا كانت الاختلافات الدينية والعرقية تربة خصبة للعنف بأفريقيا؛ فإن نيجيريا بحكم ثروتها النفطية الكبيرة، تشهد فوق ذلك، صراعا دوليا على ثروتها. الشيء الذي يعزز من نفوذ الجيش في السياسة، ويغيب العدالة المجالية، والحوكمة الرشيدة. وكلها عوامل مستنبتة للإرهاب، وأنواع مختلفة من العنف المتشابك مع الجريمة الدولية.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.