عودة «بوكو حرام»

تنظيم «أنصارو» يجدد الإرهاب بغرب أفريقيا

نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

عودة «بوكو حرام»

نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

عاد بقوة تنظيم «الدولة بغرب أفريقيا» المعروف بحركة «بوكو حرام» إلى الواجهة. فقد قتل نحو 100 جندي نيجيري في هجمات نفذها مقاتلو هذا التنظيم الإرهابي، في النصف الثاني من هذا الشهر، نوفمبر (تشرين الثاني) 2018؛ حسب ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، نقلاً عن مصادر أمنية لم تسمها. ويأتي ذلك في سياق المواجهات اليومية العنيفة، التي يستعمل فيها الطرفان الأسلحة المتوسطة، والثقيلة؛ كما أدت الهجمات الأخيرة، للتنظيم الإرهابي إلى مقتل أكثر من 150 من المدنيين، 56 منهم سقطوا في الأيام الأخيرة. وقد دفع هذا الوضع الأمني المتردي، مجلس الشيوخ النيجيري إلى تعليق عقد جلسته؛ خاصة بعد مصرع نحو 44 جنديا، في هجوم في ميتيل، في ولاية بورنو بشمال شرقي البلاد.
ويتمركز التنظيم الإرهابي في الولايات الشمالية النيجيرية، يوبي، وكانو، وباوتشي، وبورنو، وكادونا، ويعرف نفسه بأنه حركة «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». وقد خلف نشاطه المتنامي منذ 2002، أزمة سياسية وإنسانية في البلاد. ووفق عدة تقارير دولية فإن العمليات الإرهابية لـ«بوكو حرام» أسفرت عن أكثر من 20 ألف قتيل، ومليونين من المشردين؛ كما أن هذه العمليات يتّمت أكثر من 52.311 طفلا، ورمّلت أكثر من 54.911 امرأة. أما الخسائر المادية، إلى حدود 2017، فقد بلغت أكثر من 9 مليارات دولار.
وتأتي عودة التنظيم بهذه القوة، لتؤكد تجاوزه للصعوبات التنظيمية التي عاشها في الفترة الممتدة بين 2015 - 2017؛ والتي أثرت بشكل كبير على نشاط التنظيم مما أدى لتراجع مهم في عدد عملياته الإرهابية. فقد كان لتدخل البغدادي دور حاسم في إقالة الزعيم السابق للتنظيم، أبو بكر شيكاو؛ مما أدى لأزمة تنظيمية بين هذا الأخير والأمير الجديد، أبو مصعب البرناوي. ورغم هذه الأزمة الداخلية، فإن التنظيم، استطاع الخروج منها بعد اقتتال داخلي، غير حاد؛ بل إن جناحي التنظيم، يتعاونان بشكل كبير على الحدود، رغم استمرار الخلاف بينهما، خاصة فيما يتعلق بالجانب الآيديولوجي المسوغ لارتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين.
ومن المؤشرات الدالة على العودة القوية للتنظيم في النصف الثاني من سنة 2018؛ توسع عمليات الخطف والهجوم على القواعد العسكرية للجيش النيجيري.
ومن عمليات الخطف التي مست قوات الجيش النيجري؛ تلك التي وقعت في الأسبوع الأول من نوفمبر، حيث تم خطف 16 جنديا نيجيريا في هجوم شنّته بوكو حرام ضد ثكنة عسكرية في منطقة بحيرة تشاد منتصف نوفمبر الحالي، كما أسفر هذا الهجوم عن قتل 15 جنديا من قوة التدخل الإقليمية، المتعاونة مع الجيش الرسمي.
كما خطف مقاتلو «بوكو حرام»، نحو 50 من الحطابين في شمال شرقي نيجيريا بالقرب من الحدود مع الكاميرون. وقد أوضح زعماء لميليشيا محلية والسكان المدنيون لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الرهائن هم في الغالب من النازحين بسبب العنف «الجهادي»؛ وأنهم اختطفوا من قبل مقاتلين موالين لزعيم فصيل أبو بكر شكاو، أثناء جمعهم للخشب يوم السبت 17/ 11/ 2018.
من جهة ثانية، هاجم مسلحو «بوكو حرام» قاعدة عسكرية في شمال شرقي البلاد في ولاية بورنو؛ مستعملين صواريخ مضادة للطائرات، مما أدى لمقتل جندي وجرح أربعة آخرين. وفي هذا السياق الدموي الذي فرضه التنظيم الإرهابي على الشمال النيجري. شنت جماعة «بوكو حرام» الإرهابية يوم 14 يوليو (تموز) 2018 هجوما على قاعدة عسكرية، تضم نحو 700 جندي في ولاية يوبي، القريبة من حدود النيجر، شمال شرقي البلاد؛ ورغم أن السلطات الرسمية لم تعلن أي حصيلة رسمية فإن وكالة الصحافة الفرنسية، اعتمادا على مصدر عسكري قالت إن 31 من أفراد الجيش من بينهم 3 ضباط قتلوا في الهجوم، فيما جرح 24 آخرون. كما أسفر الهجوم الإرهابي عن مقتل عنصرين من الميليشيات المحلية، المتعاونة مع الجيش.
وبعد أسبوع فقط، على العملية التي أدت إلى قتل أكثر من 31 من أفراد الجيش؛ سقط عدد كبير من القتلى، على إثر هجوم شنه مسلحون من «بوكو حرام»، على بلدة شمال شرقي نيجيريا على الجنود النيجيريين والسكان بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ويقدر عدد ضحايا هذه العملية على غودومبالي في منطقة غوزامالا ولاية بورنو، بعشرات القتلى بين المدنيين والعسكريين. وقال أحد السكان المحليين لوكالة «رويترز» للأنباء، إن «كثيرا من المدنيين لقوا مصرعهم، وحتى الآن لا نعرف عدد القتلى والآلاف غادروا منازلهم» بسبب الهجوم.
من جهة أخرى، أدت سلسلة الهجمات الأخيرة لفرع تنظيم داعش بنيجيريا إلى مقتل 12 فلاحا، صباح اليوم السبت 20/ 10/ 2018، بطريقة وحشية. حيث تعرضوا للذبح بالمناجل، من طرف مقاتلي التنظيم المتطرف، الذين استعملوا شاحنات للنقل للوصول لقرية كاله؛ على بعد نحو 20 كيلومترا عن مدينة مايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو (شمال شرقي البلاد)، التي كانت مسرحا للجريمة.
وتساعد عدة عوامل سياسية واقتصادية وعرقية، على استمرار موجات العنف الديني والعرقي بنيجيريا. ذلك أن التنوع التقليدي والصراع السياسي في نيجيريا يتخذ طابعا عرقيا وقبليا، بين الهوسا المسلمة والإيبو واليوروبا المسيحية. وهذا الصراع شهد منذ ثمانينات القرن العشرين، تحولا مهما، حيث انطلق من التنظيم داخل الجامعات وتكتلات الطلاب بالمجموعات التي أطلق عليها «الطقوس السرية»، التي تأسست سنة 1984، لينتشر في الوسط النخبوي. وبذلك يصبح العنف الديني العرقي من مظاهر الصراع المستمر حول السلطة.
و هكذا وصلت دائرة العنف هذه إلى الجيش، حيث قاد جنرالات من قبائل الهوسا، والإيبو واليوروبا، انقلابات عسكرية متبادلة لفترة زمنية طويلة، ما زالت نتائجها مؤثرة على النسيج الاجتماعي، رغم التداول السلمي للسلطة القائم حاليا. ذلك أن الصراع العنيف، وتشعبه وتداخله بما هو ديني؛ أدى لظهور حركة دينية بزعامة «محمد مروة» أو «محمد يوسف». وترفض الحركة التعليم الحديث والغربي، وأنشأت عدة مدارس قرآنية للتعليم العتيق. كما قامت بأعمال إرهابية أدت لمقتل الآلاف من النيجيريين؛ مما جعل القيادات الدينية بالبلد تقف ضدها، وتعتبرها حركة غير مسلمة، وتصنفها بكونها مجموعة إرهابية.
وعليه يمكن التأكيد على أن الأوضاع الداخلية، هي العامل الرئيسي في ظهور تنظيم محمد يوسف واكتسابه لشعبيته. كما أن تعامل الجيش القاسي مع هذه الحركة سنة 2009، وإعدامها بشكل غير قانوني لزعيم التنظيم، زاد من شعبيته وسط عرقية الهوسا؛ خاصة مع تزايد إهمال الشمال النيجيري من الحكومات المتعاقبة. وهكذا وجد الزعيم المؤسس محمد يوسف، وأبو بكر شيكاو، ومنافسه أبو مصعب البرناوي؛ منطقة الشمال ملاذا لدعوتهم الدينية والعرقية العنيفة. كما وجدوا في الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية معينا لجلب الأنصار؛ خاصة أن الشمال أكثر تأثرا بالبطالة وضعف أو انعدام التعليم، وانتشارا للفساد في الأوساط الحكومية.
وقد أشارت بعض التقارير الدولية، إلى وجود ظاهرة الأموال المموهة، التي تتعلق بالقطاع الأمني؛ غير أن مسار هذه الأموال التي توضع في «صناديق سرية»، يسهل التلاعب بها، وصرفها بشكل غير قانوني، عوض استغلالها في تحقيق الأمن والتنمية بالبلاد. وأكدت منظمة الشفافية الدولية، أن هذه الصناديق وطريقة اشتغالها، تشكل في الواقع «شكلا من الفساد التاريخي في نيجيريا»، لأنها يلفها الغموض. كما أضافت المنظمة الدولية، أن «الفساد في قطاع الدفاع والأمن الأساسي، يعود بالفائدة على الذين يزرعون بذور عدم الاستقرار والرعب».
ويبدو أن هذا الوضع العام يساعد أبو مصعب البرناوي، ويسهل من مأموريته في زعزعة الاستقرار النيجيري. وظل البرناوي متحدثا باسم تنظيم «بوكو حرام» حتى سنة 2013، حيث انشق عن التنظيم الأم ليؤسس حركة جديدة باسم «أنصارو» أي الأنصار. ويعتقد كثير من الباحثين أن الزعيم الجديد هو ابن محمد يوسف مؤسس تنظيم «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». ويتميز الابن عن أبو بكر شيكاو، بدعوته لتجنب المواجهة المفتوحة مع المجتمع المسلم والمسيحي. حيث يتبنى البرناوي حصر المواجهة العسكرية في القوات المسلحة وقوى الأمن والميليشيات التابعة لها. وتمكن حاليا من نقل نشاطه لشمال شرقي نيجيريا. في الوقت الذي لا يزال شيكاو يعتبر المجتمع غير الموالي لتنظيمه هدفا لأعماله الإرهابية.
ورغم هذا «التقدم» في الرؤية الآيديولوجية، فإن تنظيم «أنصارو»، هو الممثل الرسمي لـ«داعش» منذ 2015؛ وهو ما يوحي بأن التنظيم يعمل على التكيف مع الظروف المحلية، وتجاوز السخط الشعبي للعمليات العشوائية التي يدفع فيها شيكاو، الأطفال والنساء للقيام بالعمليات الانتحارية، كما أن البرناوي يحرص على استعمال لغة عرقية الهاوسة، في خطبه المنبرية والإعلامية.
كما يحرص على التواصل مع بعض النخب التقليدية السياسية والاقتصادية بشمال نيجيريا؛ التي تدعو الحكومة منذ سنوات لفتح قنوات الحوار مع التنظيم. عملت الجماعة كذلك على تنويع مصادرها المالية، حيث تفرض الضرائب، في المناطق التي تسيطر عليها، وتعمل على التعامل التجاري والتشابك مع منظمات الجريمة والعنف الإجرامي؛ كما تركز جهود التنظيم على الخطف، والاستيلاء على قطعان الماشية، وفرض الضرائب في المناطق المسيطر عليها، بالإضافة إلى السطو على البنوك.
وفيما يخص الفدية، تتحدث بعض التقارير الدولية، عن حصول الجماعة على أكثر من 10 ملايين دولار من عمليات الاختطاف والفدية إلى حدود 2018.
ويبدو أن تطور حركة «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد» وميلاد جماعة «أنصارو» بنيجيريا، محكوم بعوامل داخلية معقدة، تتقاطع مع النفوذ الدولي داخل البلد. فإذا كانت الاختلافات الدينية والعرقية تربة خصبة للعنف بأفريقيا؛ فإن نيجيريا بحكم ثروتها النفطية الكبيرة، تشهد فوق ذلك، صراعا دوليا على ثروتها. الشيء الذي يعزز من نفوذ الجيش في السياسة، ويغيب العدالة المجالية، والحوكمة الرشيدة. وكلها عوامل مستنبتة للإرهاب، وأنواع مختلفة من العنف المتشابك مع الجريمة الدولية.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».