السلطات التونسية تتخوف من تسلل مسلحين هربا من العنف في ليبيا

مواجهات جديدة بين الجيش وعناصر مسلحة غرب البلاد

السلطات التونسية تتخوف من تسلل مسلحين هربا من العنف في ليبيا
TT

السلطات التونسية تتخوف من تسلل مسلحين هربا من العنف في ليبيا

السلطات التونسية تتخوف من تسلل مسلحين هربا من العنف في ليبيا

أرغمت تطورات الأوضاع في ليبيا خلال الأيام الأخيرة، وارتفاع حدة المواجهات بين المجموعات المسلحة، آلاف الليبيين على التوجه نحو تونس عبر معبر «راس جدير» من محافظة مدنين، الواقعة جنوب البلاد. واضطرت العديد من الأسر الليبية في رحلة توجهها إلى تونس إلى قضاء أول أيام عيد الفطر، إما في المعبر الحدودي، أو على الطرقات التونسية.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية التونسية، أمس، استنادا إلى مصادر حدودية وصفتها بـ«المطلعة» إن «نحو أربعة آلاف إلى ستة آلاف ليبي عبروا إلى تونس في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة»، بين ظهر يوم الاثنين وظهر أمس الثلاثاء. وأضافت الوكالة أن المشهد في المعبر «يعيد للأذهان المشاهد التي رآها التونسيون أيام الثورة الليبية، والتي تميزت بإقبال كبير لليبيين على هذا المعبر، الذي امتدت فيه طوابير السيارات أمس على مسافات طويلة وملأت كامل ممراته». وكانت مصادر إعلامية قد أكدت قبل ذلك أن نحو 8000 آلاف ليبي عبروا إلى تونس بين يومي الأحد والاثنين الماضيين. ولاحظت «الشرق الأوسط» ازدياد أعداد السيارات الليبية على الطرقات الرئيسة التونسية، خاصة على الطريق السيار الرابط بين صفاقس والعاصمة تونس، مرورا بمدينة سوسة والحمامات السياحية، أول من أمس، وحتى ساعة متأخرة من الليل. وكانت أغلب هذه السيارات تحمل عائلات وأطفالا صغارا.
ويقدر عدد الليبيين المقيمين في تونس قبل هذه الموجة الجديدة من توافد النازحين على البلاد بين مليون ونصف ومليونين.
وأعلن الهلال الأحمر التونسي عن وضع خلية له في راس جدير بالقرب من المعبر الحدودي، ووفق مصادر من الهلال الأحمر التونسي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» فإن هذه الخلية «لم تتلق حتى مساء أمس أي طلب للمساعدة من العائلات الليبية التي عبرت إلى تونس»، وقالت إن هذه العائلات الليبية تواصل طريقها في اتجاه المدن التونسية، وإنها لم تبق أي عائلة في المعبر. وكانت العديد من الدول الأجنبية قد قامت في الأيام الأخيرة التي سبقت عيد الفطر بإجلاء طواقمها الدبلوماسية عبر معبر رأس جدير، بحكم تعذر استخدام المطارات الليبية. كما شهد المعبر تدفق جاليات أخرى عربية وأجنبية، فضلا عن الموظفين والخبراء العاملين في الشركات البترولية. وتحدثت بعض الجهات عن بعض المصاعب التي اعترضت أفراد الجاليات الذين يحتاجون إلى تأشيرة لدخول تونس. بيد أن بعض الجهات عبرت عن مخاوفها من أن تتسرب بعض العناصر المسلحة الخطيرة إلى تونس، مستغلة هذا التدفق الكبير على البلاد، وذكر شهود عيان قرب معبر رأس جدير أن عمليات التفتيش التي تقوم بها سلطات الجمارك والأمن التونسية كانت صارمة مخافة قيام البعض بتهريب الأسلحة والمواد الممنوعة.
على صعيد آخر، أكدت وزارة الدفاع التونسية في بيان لها، أمس، أن «وحدات من الجيش اكتشفت، ظهر أمس، مجموعة إرهابية كانت تنشط في جبل السّمامة بولاية القصرين». وقالت إن طائرات عمودية تدخلت في الحين مستخدمة قاذفات الرّوكات والرشاشات الثقيلة، وألحقت بهذه المجموعة إصابات مباشرة، ثم تلتها غارات بالطائرات النفاثة، قصفت خلالها المنطقة بالقنابل، حسب البيان. وأضافت الوزارة أن عمليات المطاردة تواصلت مساء أمس.
وكانت مصادر إعلامية تونسية أكدت قبل تدخل الجيش بالطائرات والقذائف والرشاشات الثقيلة في جبل السمامة «حدوث اشتباكات، أمس، بين عناصر من قوات الحرس والجيش كانوا يقومون بعملية تمشيط للمنطقة، مع مجموعة مسلحة فتحت أسلحتها الرشاشة على رجال الأمن». وخلال هذه الاشتباكات أصيب عنصر في الحرس الوطني التونسي، وجنديان بجروح طفيفة حسب مصادر طبية وأمنية. وعولج الرجال الثلاثة، ولم تستلزم حالتهم بقاءهم في المستشفى. وأفاد مصدر أمني تونسي أن المروحية التي كانت تقل الرجال الثلاثة تعرضت لإطلاق نار من مجموعة مسلحة «إرهابية»، فيما كانت تحلق فوق جبل السمامة. ويعد جبل السمامة، الواقع في محافظة القصرين (300 كلم جنوب غربي العاصمة)، من الجبال المتاخمة لجبل الشعانبي، الذي تتحصن فيه مجموعات مسلحة تلاحقها قوات الأمن والجيش، وشهد عمليات مسلحة أدت إلى مقتل العديد من الجنود، كان آخرها العملية التي أودت بحياة 15 عسكريا وجرح فيها أكثر من 20 آخرين، وهي أثقل حصيلة يتكبدها الجيش التونسي في مواجهته مع المجموعات المسلحة غرب البلاد.
وعلى صعيد متصل بالإرهاب، خير تنظيم أنصار الشريعة المحظور في تونس قوات الأمن والجيش التونسي بين «السلام» و«الحرب». وقال التنظيم في بيان له نشر أول من أمس بمناسبة عيد الفطر على الصفحة الإخبارية للتنظيم، متوجها إلى قوات الأمن والجيش «اختاروا، فإن كنتم تريدون السلام والصلح، فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا. وإن اخترتم الحرب، فأنتم وما أردتم، والثأر لشهدائنا وأسرانا باق ما بقينا». ولم تعلق أي جهة رسمية على هذا البيان. وكانت السلطات القضائية التونسية قد أفرجت عن سيف الدين الرايس، الناطق الرسمي باسم تنظيم أنصار الشريعة في تونس، بعد اعتقاله بتهمة المشاركة في تسفير شبان تونسيين للقتال في سوريا.



«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
TT

«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)

تثير تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، مخاوف مصرية من تفكك البلاد، التي تعاني من حرب داخلية اندلعت قبل نحو عام ونصف العام، وشردت الملايين. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن «بلاده مع استقرار السودان ومع بسط سيادته على كل الأراضي السودانية»، مشيراً إلى أن «هذا أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية ولا يمكن أن تتزحزح عنه».

واعتبر وزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مشترك، مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، «تشكيل أي أطر موازية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية خطاً أحمر بالنسبة لمصر ومرفوضاً تماماً»، مضيفاً: «ندعم الشرعية. ندعم مؤسسات الدولة السودانية، وندعم الدولة، لا ندعم أشخاصاً بأعينهم».

ويرى خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الموقف السياسي المصري الداعم بقوة لمؤسسات الدولة، والرافض لتشكيل أي أطر موازية، هدفه حماية السودان من التمزق، لكنه يظل رهن تباينات إقليمية تعقد حل الأزمة.

ويمهد توقيع «قوات الدعم السريع» وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي، الأسبوع الماضي، على «الميثاق التأسيسي»، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، في مواجهة الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، قبل أيام، عدَّ وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، أن تحرك تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» لا يحظى باعتراف دولي، مشيراً إلى أن «دولاً إقليمية ودولية تدعم موقف بلاده في هذه القضية».

وجددت مصر، الأحد، رفضها مساعي تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، ووصفت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، الأحد، ذلك، بأنه «محاولة تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان».

وأضاف البيان أن تشكيل حكومة سودانية موازية «يُعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية»، فيما طالبت كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط في إطلاق عملية سياسية شاملة دون إقصاء أو تدخلات خارجية.

وحسب الوزير المصري عبد العاطي، فإن «مصر على تواصل مع كل الأطراف المعنية لنقل وجهه نظرها وموقفها الواضح والثابت»، وأضاف: «بالتأكيد نحن مع السودان كدولة، ومع السودان كمؤسسات، ومع السودان بطبيعة الحال لفرض سيادته وسيطرته على كل الأراضي السودانية».

وتستهدف مصر من رفض مسار الحكومة الموازية «دعم المؤسسات الوطنية في السودان، حفاظاً على وحدته واستقراره، وسلامته الإقليمية»، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف الحرب ونفاذ المساعدات الإنسانية، ووضع خطط لإعادة الإعمار».

وتنظر القاهرة لحكومة بورتسودان باعتبارها الممثل الشرعي للسودان، والمعترف بها دولياً، وفق حليمة، ودلل على ذلك بـ«دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، للأمم المتحدة، وزيارة دول مختلفة، كممثل شرعي عن بلاده».

وترأس البرهان وفد السودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتقد حليمة أن إجهاض مساعي «الحكومة الموازية» لن يتحقق سوى بـ«التوافق على مسار سياسي، من خلال حوار سوداني - سوداني، تشارك فيه كل الأطراف، ويفضي لتشكيل حكومة مدنية مستقلة لفترة انتقالية»، وطالب بالبناء على مبادرة مصر باستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية العام الماضي.

وجمعت القاهرة، في شهر يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، في مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاث ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».

في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، أن «التحركات المصرية تواجه تحديات معقدة، بسبب دعم دول إقليمية مؤثرة للقوى الساعية لتشكيل حكومة موازية، في مقدمتها (الدعم السريع)»، مشيراً إلى أن «الموقف المصري مرهون بقدرتها على تجاوز الرفض الدبلوماسي، وقيادة تحركات مع الفرقاء السودانيين وحلفائها في الإقليم».

ويعتقد أبو إدريس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن اختراق القاهرة لأزمة «الحكومة الموازية»، «لن يكون سهلاً، في ضوء تأثير الجهات الدولية والأطراف الداعمة للقوى السودانية التي تقف خلف هذه الحكومة»، وقال إن «مصر تخشى أن تقود تلك التحركات إلى انفصال جديد في السودان، ما يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية».

ورغم هذه الصعوبات، يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية السودانية، مبارك أردول، أن الموقف المصري مهم في مواجهة الأطراف الإقليمية الداعمة لمسار الحكومة الموازية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رفض القاهرة يؤكد أن السودان لا يقف وحده في هذه الأزمة»، وأن «هناك أطرافاً إقليمية داعمة لوحدة واستقرار السودان».

وتعتقد مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، أن «المواقف الرافضة لهذه الحكومة، التي صدرت من مصر والأمم المتحدة ودول أخرى، يمكن أن تُضعف من الاعتراف الدولي والإقليمي للحكومة الموازية، دون أن تلغيها».

وباعتقاد الطويل، «سيستمر مسار الحكومة الموازية بسبب رغبة شركات عالمية في الاستفادة من موارد السودان، ولن يتحقق لها ذلك إلا في وجود سلطة هشّة في السودان»، وقالت: «الإجهاض الحقيقي لتلك التحركات يعتمد على التفاعلات الداخلية بالسودان، أكثر من الموقف الدولي، خصوصاً قدرة الجيش السوداني على استعادة كامل الأراضي التي تسيطر عليها (الدعم السريع) وخصوصاً دارفور».