دول الجوار الليبي تؤيد المبادرة الأممية وتتعهد بدعم العملية السياسية

«وكر الإرهابيين} في جنوب ليبيا يقلق غسان سلامة

دول الجوار الليبي تؤيد المبادرة الأممية وتتعهد بدعم العملية السياسية
TT

دول الجوار الليبي تؤيد المبادرة الأممية وتتعهد بدعم العملية السياسية

دول الجوار الليبي تؤيد المبادرة الأممية وتتعهد بدعم العملية السياسية

منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، ومقتله في مدينة سرت عام 2011، وجدت ليبيا نفسها غارقة في صراعات دامية، وانقسامات عرقية ومذهبية، وتدخلات أجنبية، حوّلت البلاد إلى ساحة لتصفية «خلافات العالم». ولقد مرّت سبع سنوات على الحدث الأبرز في التاريخ الليبي المعاصر، ومع ذلك ما زالت الأطراف الليبية تعيش أزمتها السياسية والأمنية الطاحنة.
هذه الأزمة الطاحنة لا يقتصر تأثيرها السلبي على الداخل الليبي وحده، بل يمتد إلى الإقليم وبعيداً عبر المتوسط. والحقيقة، أن تداعياتها حوّلت هذا البلد العربي الثري، إلى وكر لشتى الجماعات الإرهابية، والمتطرفين، وعصابات الجريمة المنظمة وتجار البشر، وجعلت منه مركزاً للهجرة غير المنظمة.

نيران اللااستقرار الليبي تضرب في كل الاتجاهات؛ وهو ما دفع جهات كثيرة لتبني مبادرة تهدف إلى إعادة الاستقرار الذي افتقدته ليبيا طويلاً. وكان من آخر محاولات حل المأزق، اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي الذي عقد في الخرطوم الخميس 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، باعتباره إكمالاً لجهود إقليمية ودولية وانشغالات محلية، تسعى إلى إيجاد سبل لإنهاء الأزمة.
وكان قد سبق اجتماع الخرطوم هذا بأيام، عقد «مؤتمر بالرمو» يومي 12-13 من الشهر ذاته بجزيرة صقلية الإيطالية، وبدوره كان قد سبقه في شهر مايو (أيار) الماضي مؤتمر مثيل عُقد في العاصمة الفرنسية باريس، بالفكرة ذاتها... أي حل الأزمة الليبية.
لكن يبدو أن الجهود الثلاثة غرقت في «رمال الأزمة التي تهب من أنحاء الصحراء الليبية». وبحسب المراقبين، انغمس كل منها في طموحات ورغبات الدولة المضيفة، ما عدا اجتماع الخرطوم الذي غرق هو الآخر، لكن في «أزمة الجنوب» وأعمال العنف والعمليات الإرهابية التي تدور هناك منذ أشهر.
عملياً، لم يتوصل اجتماع الخرطوم، إلى أكثر من التوصية التقليدية بـ«ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة»، والبحث عن آلية أمنية تضع حداً لتمركز الجماعات الإرهابية التي نقلت عملياتها إلى هناك. إذ خيّمت عليه أجواء العمليات القتالية والإرهابية في الجنوب الليبي على مداولات «اجتماع وزراء خارجية دول الجوار» بالخرطوم، فأنهى جلساته باللازمة التقليدية «إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية».

قلق غسان سلامة

في بداية اجتماع الخرطوم، أطلق الدكتور غسان سلامة، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، تصريحات قلقة بشأن مآلات الأوضاع هناك، وإعلانه دخول متطرفين عبر النيجر إلى منطقة جنوبي غرب البلاد، واعتبر ذلك تهديداً جدياً للعملية السياسية التي يقودها.
سلامة، قال للاجتماع: إن «عمليتين إرهابيتين كبيرتين» وقعتا أخيراً في جنوب ليبيا، وأن ثمة معلومات تشير إلى المنفذين لهاتين العمليتين «من القادمين الجدد». وأضاف: «وهذا مثار لقلقنا»، كما شكا من صعوبات لوجيستية تواجه المنظمة الأممية في «الوصول والتمركز» في المناطق الليبية الشاسعة، ولفت إلى أهمية «قرع ناقوس الخطر مجدداً بشأن الأوضاع في ليبيا».
الدول المجتمعة من جهتها، أبدت قلقها من حالة اللااستقرار التي تعيشها ليبيا، على الرغم من أن بعضها تواجه اتهامات بدعم متطرفين، وتقول أخرى إن حركات مسلحة تعمل ضدها تستغل حالة السيولة الليبية لتنطلق ضد بلادها. وإزاء هذا الوضع؛ قال سلامة: «أفهم القلق الذي يساور هذه الدول التي تجاور جنوب ليبيا؛ لوجود حركات مسلحة ليبية، وتشكيلات مسلحة غير ليبية، وتصاعد تمركز الحركات الإرهابية، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية، وإجمالاً كلها عناصر لا تبعث على الارتياح». ومن بين العمليتين اللتين ذكرهما سلامة، فإن تنظيم داعش تبنى هجوماً على بلدة في الصحراء الجنوبية، أدى إلى قتل عدد من الأشخاص وخطف آخرين، بينهم رجال شرطة.
وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد الدخيري، الذي تتهم بلاده جماعات متمردة مسلحة سودانية باستغلال التوتر في ليبيا، قال: إن الخرطوم «تمد يدها لكافة الفرقاء الليبيين، وهي تأمل من خلال عمليات أمنية مشتركة، القضاء على الخطر الذي تمثله بعض المجموعات المسلحة الوافدة إلى الجنوب الليبي». وشدد الوزير السوداني، الذي واجهت بلاده اتهامات من أطراف ليبية، بأنها تدعم مجموعات إسلامية متشددة بعينها في أوقات سابقة، على أهمية تحقيق المزيد من التفاهمات للوصول إلى تسويات سياسية ومجتمعية تعيد ليبيا إلى العالم مجدداً.
كذلك أوضح الدرديري، أن بلاده اختارت هذا التوقيت للاجتماع لاستغلال ما أطلق عليه: «الرياح المواتية التي تهب على المنطقة»، مثل السلام في جنوب السودان، والمصالحة الإثيوبية الإرترية، والمساعي التصالحية العربية. الدرديري شدد على أن التعاون لمجابهة أخطار الحركات المسلحة المتمركزة في ليبيا، وما تقوم به من جريمة منظمة وعمليات إرهابية «يوجب العمل على إعادة الاستقرار إلى ليبيا»، معيداً الاتهام الذي توجهه حكومته لحركات دارفورية متمردة مسلحة بأنها جعلت من ليبيا ملاذاً، تعمل فيه بصفة «مرتزقة»، إلى جانب الفصائل المتنازعة هناك.

البيان الختامي

بيان اجتماع الخرطوم الختامي أكد أن حل الأزمة جذرياً يكمن في «الخيار السياسي الذي يقرره الليبيون أنفسهم دون إقصاء»، وتأييد مبادرة الأمم المتحدة، ودعم دول الجوار من أجل مصالحة وطنية، تثمر مؤسسات وطنية قوية وذات مصداقية. وأعلن دعم دوله لـ«خطة العمل من أجل ليبيا» التي قدمها الممثل الخاص للأمين العام غسان سلامة، رافضين التدخل الأجنبي في الشأن الليبي.
كذلك، أعلن اجتماع الخرطوم أهمية إيلاء الأوضاع المتوترة في الجنوب الليبي الأهمية القصوى، وتكثيف التعاون الدولي والإقليمي لمواجهة الإرهاب والعنف والتطرف والجريمة المنظمة والأنشطة الإجرامية، كافة.
ومن جهته، أبلغ وزير الخارجية الليبي محمد طاهر سيالة، الصحافيين عقب نهاية الاجتماع، أن حكومته «تعتبره اجتماعاً مهماً لعودة الاستقرار إلى بلاده، وبمقدور ما توصل إليه المجتمعون الإسهام في مكافحة الحركات المتطرفة والإرهابية في ليبيا، وفي عوده الاستقرار وإقامة الانتخابات والحياة السياسية إلى طبيعتها».
ورغم الرأي الإيجابي من «حكومة الوفاق الوطني» الليبية الذي أبداه سيالة، فإن تقارير رأت أن التمثيل في اجتماع الخرطوم لم يكن بالمستوى المطلوب؛ إذ غاب عنه وزراء خارجية كل من تونس، والجزائر، وتشاد، والنيجر، ومثلهم موظفون ودبلوماسيون أقل كثيراً من صفة وزير، عدا تونس التي بعثت «وزير دولة».
وكان لافتاً كذلك من كلمات الوفود وجود «تنافس» مكتوم وتسابق دولي وإقليمي على الملف الليبي. فمن جهتها، فإن إيطاليا - الدولة المستعمرة السابقة لليبيا - اعتبرت الصراع الليبي «مسألة أمنية وطنية»، وقال السفير الإيطالي في الخرطوم فابريتزيو لوباسو: إن اجتماع الخرطوم يلعب دوراً «جيوسياسياً مهماً»، ويسير على نهج بلاده في بالرمو. وتابع: «بالنسبة لإيطاليا قضية ليبيا مسألة أمنية، وأكدنا على أن مصير المنطقة رهين بحقيق السلام في ليبيا»، مستطرداً: «تحوّلت هذه الجغرافيا الواسطة إلى مرتع للمجرمين والإرهابيين، وأصبحت تشكل مصدر خطر على الإقليم».
أما فرنسا، التي شاركت بمبعوثها إلى ليبيا فريديرك ديساغنيو، فقد أعلنت أنها تعتبر خطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتجارة البشرة «قضية وطنية فرنسية»، ودعت إلى وضع خطة عمل لاستعادة الاستقرار، وأن أحداث الجنوب أظهرت أن العملية السياسية أساسية لحل الأزمة.
وغامزاً من قناة دول لم يحددها، قال المبعوث الفرنسي: «الأسرة الدولية ستحدث الفارق عندما تتحدث بصوت واحد ضد هؤلاء الناس الذين يعلمون ضد أمن ليبيا. دول الجوار لها نصيب الأسد في تحقيق ذلك حين تحارب الجماعات المسلحة الإرهابية وتجارة الأسلحة، والقوات الأجنبية في التراب الليبي». أما الاتحاد الأفريقي، فقد حذرت مبعوثته إلى ليبيا، أميرة الفاضل، في كلمتها للاجتماع، من التدخل الأجنبي في الملف الليبي، ودعت إلى حل المشكلة بعيداً عن الأجندات الدولية، وأعلنت عن رغبة الأفارقة في مبادرة ترعاها القارة، وتدعمها الأمم المتحدة لحل النزاع الليبي.

ملف معقّد ومتشابك

الخبراء يرون أن الملف الليبي معقد ومتشابك، وأنه يدار من خارج ليبيا. فالغربيون عينهم على «حقول النفط الغنية»، وقلوبهم على أيديهم من سيطرة الإرهابيين والعصابات عليها. ودول الإقليم لها أجنداتها ومطامعها، وتحالفاتها داخل الفسيفساء الليبية المتطاحنة، لكن خطر «التطرف والإرهاب يهدد الجميع».
لقد خلق استمرار الانفلات الأمني والانقسام السياسي، أزمة اقتصادية حادة فاقمت الأوضاع الكارثية في ليبيا، بينما ظل الليبيون يتنافسون ويتقاتلون «جميعهم ضد جميعهم»، لكن أبرز وجوه الانقسام الليبي تتمثل في الحكومتين اللتين تتنازعان الشرعية، كل على حساب الأخرى. ففي غرب البلاد تحاول حكومة «حكومة الوفاق الوطني» التي يترأسها فايز السراج، وتحظى باعتراف أممي ودولي، و«الحكومة الليبية المؤقتة» برئاسة عبد الله الثني، المدعومة من رجل الجيش القوي المشير خليفة حفتر بشرق البلاد، فرض سيطرتها دون جدوى. وإلى جانب هاتين الحكومتين، هناك العشرات - إن لم تكن المئات - من الميليشيات والجماعات المسلحة المتطرفة، والقوات المسلحة الأخرى التي توالي الأطراف العشائرية والعرقية المتنافسة. هذا الوضع القلق أدى إلى استمرار القتال والاشتباكات بين الأطراف الليبية، وتحوُّل ليبيا إلى ساحة معارك مستمرة، تهدأ لتشتعل من جديد لأسباب مختلفة، أو حتى دون أسباب معروفة. ولقد أنهك القتال والاضطراب الأمني اقتصاد البلد الغني بالنفط، وجعل سكانه يواجهون أزمات طاحنة اقتصادية وصحية، أدت هي والقتال العشوائي إلى قتل ونزوح وتشريد مئات الآلاف.

خريطة الصراع الليبي

> يقود فايز السراج «حكومة الوفاق الوطني» وهي حكومة معترف بها دولياً، تدعمها منظمة الأمم المتحدة والدول الكبرى، وتم تعيينها من قبل البرلمان المنتخب، الذي يعرف بـ«مجلس النواب»، لكنها تواجه بشكل أساسي تحديات الجماعات المسلحة. ويحاول «مجلس النواب» الذي انتخب في مدينة طبرق (شرق ليبيا) خلال يونيو (حزيران) 2014، بسط السلطة التشريعية بعدما حل مكان البرلمان السابق «المؤتمر الوطني العام».
> على الرغم من تسلم «مجلس النواب» مهامه، فإن الإسلاميين الذين كانوا يحتكمون على وجود مؤثر في «المؤتمر الوطني العام»، شككوا في شرعيته. وأعادوا «المؤتمر الوطني العام» المنحل للانعقاد، بطلب حكومة «فجر ليبيا» الإسلامية التوجه، ليعتبر نفسه «السلطة الشرعية والوحيدة». وهكذا تخلى عن اعترافه بـ«مجلس النواب»؛ وبناءً على ذلك ألّف حكومة تابعة له تدعمها الجماعات الإسلامية.
* يقود عبد الله الثني «الحكومة المؤقتة»، وهي الحكومة التي تشكلت من برلمان طبرق في سبتمبر (أيلول) 2014، وهي تمارس مهامها من مدينة البيضاء بشرق البلاد.
> يقف المشير خليفة حفتر خلف عملية «كرامة ليبيا»، التي أسسها خلال مايو (أيار) 2014. وتحارب قوات حفتر المجموعات والميليشيات الإسلامية باعتباره «الجيش الوطني الليبي»، ولقد دأبت هذه القوات على شن عمليات برية وجوية على تلك المجموعات والميليشيات. وللعلم، تتلقى هذه العمليات الدعم والمساندة من ميليشيا الزنتان، وقوات الصاعقة والصواعق في طرابلس، وهدف حفتر المعلن هو إعادة توحيد الجيش الليبي باعتباره قائداً له.
> في غرب ليبيا تنشط ألوية الزنتان والصواعق، وهي ميليشيات مناوئة للإسلاميين تدعم الحكومة المعترف بها دولياً. ولقد دخلت ميليشيا الزنتان القوية في اشتباكات مع ميليشيا «فجر ليبيا» الإسلامية، وهي الجهة التي تحتجز «سيف الإسلام القذافي».
> أطلقت الجماعات الإسلامية ميليشيا «فجر ليبيا» المدعومة من ميليشيات مدينة مصراتة، ويدعمها «المؤتمر الوطني العام»، وهي القوات التي يحاربها بشكل أساس الجيش الليبي.
> تتكون «ميليشيا مجلس شورى ثوار بنغازي» من تحالف بين ميليشيات إسلامية، قاتلت ضد قوات الجيش الليبي، ونفذت عمليات انتحارية ضد بعض معالقه، وأشهرها عملية تفجير مطار بنينة (بنغازي)، وهي تضم «جماعة أنصار الشريعة»، الجماعة الأشد تطرفاً والتي تصنف دولياً بأنها «جماعة إرهابية» مقربة من «القاعدة»، وكذلك «ميليشيا 17 فبراير»... وغيرها.
> أظهر تنظيم داعش في ليبيا عام 2015، وجوداً ميدانياً لافتاً. وتقول التقارير: إنه اعتمد على جماعات موجودة في مدينة درنة (شرق ليبيا) التي اشتهرت بمعقل الجماعات الإرهابية، والتي أعلنت ولاءها له. لكن التنظيم تكبد خسائر كبيرة في مواجهات مع «مجلس شورى المجاهدين» الموالي لتنظيم «القاعدة»، ومع ذلك شنّ هجمات ضد سفارات وفنادق وهجمات في طرابلس وبنغازي.
> تعد عملية «درع ليبيا» تجمعاً لميليشيات تنشط عبر البلاد، وهي تدعم «المؤتمر الوطني العام»، وهي بمثابة ذراعها العسكرية، ويقود فرعها في بنغازي محمد الزهاوي، ومقاتل سابق ضمن «جماعة أنصار الشريعة» التابعة لـ«القاعدة».

محاولات لحل الأزمة

> وقّعت أطراف ليبية في مدينة الصخيرات المغربية 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015 اتفاقاً على تشكيل حكومة «وحدة وطنية»، لكنه لم يحظ بإجماع كافٍ.
> نظمت تونس في سبتمبر (أيلول) 2017 جولة مباحثات بين الأفرقاء الليبيين، هدفت لإجراء تعديلات على اتفاق الصخيرات، وشارك فيه ممثلون عن البرلمان ومجلس الدولة المتكون نتيجة لاتفاق الصخيرات.
> نظمت فرنسا في مايو (أيار) الماضي مؤتمراً للحوار الليبي، اتفقت خلاله الأطراف في العاصمة الفرنسية باريس على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حدد لها العاشر من ديسمبر الحالي، مع التزام بتهيئة الأجواء لجعلها حرة ونزيهة لتعتمد نتائجها. لكن الخطة الفرنسية في «مؤتمر باريس» فشلت بسبب رفض الجدول الزمني المحدد لتلك الانتخابات، من قبل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في مجلس الأمن.
> عقد في مدينة بالرمو، كبرى مدن جزيرة صقلية الإيطالية يومي 12-13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مؤتمر بشأن ليبيا توصل إلى نتائج مثيلة لما توصل إليه من قبل «مؤتمر باريس»، وكان اللافت كشفه وجود رغبة إيطالية في عزل تيار «الإسلام السياسي» وقص أجنحة الميليشيات المحسوبة عليه. ولقد أكد بيان بالرمو الختامي على «أهمية إجراء الانتخابات وفقاً لخطة الأمم المتحدة الجديدة ربيع العام المقبل»، لتعذر إجرائها الشهر الحالي، كما كان مقرراً في السابق. وشدد أيضاً، على أهمية وضع إطار دستوري للانتخابات. هذا هو الشيء نفسه الذي نادى به «اتفاق باريس» الذي لم ينص على وجوب إجراء الانتخابات بعد إجازة الدستور، وهو الشيء الذي تطالب به جماعات الإسلام السياسي وحلفائها الإقليميون.
التيار الإسلامي وخصومه، من جهتهم، يصرون على ضرورة إصدار الدستور أولاً، تحت ذريعة خشية «حدوث فراغ دستوري». أما التيار المناوئ لهم فيرى، أن بالإمكان إجراء الانتخابات بتعديل الإعلان الدستوري، وإجراء الاستحقاق الانتخابي وفقاً له، وهذا هو الطرح الذي يؤيده المشير خليفة حفتر و«حكومة الوفاق الوطني» المعترف بها دولياً برئاسة السراج وآخرين، «بمواجهة جماعات الإسلام السياسي المدعومين من قطر وتركيا عسكرياً ومالياً ضده»، بحسب اتهامات حفتر.
ومن المنتظر، بحسب مراقبين للوضع الليبي، أن يفقد «تيار الإسلام السياسي» وداعموه الإقليميون، في حال إجراء الانتخابات، الكثير من نفوذه... وذلك لأن صورته في الداخل الليبي، وكذلك صورته في الإقليم والعالم، ارتبطت طوال سنوات بالاضطراب الليبي، وبأنه «داعم للإرهاب والميليشيات» التي تقف ضد قيام الدولة.

مبادرة غسان سلامة

> قدم رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الدكتور غسان سلامة، خطة عمل جديدة في جلسة الأمم المتحدة حول ليبيا في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي.
وتتكون خطة سلامة من ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: يجري في هذه المرحلة تعديل الاتفاق السياسي الليبي استناداً على المادة 12 منه.
المرحلة الثانية: تبدأ بعقد «مؤتمر وطني» يرعاه الأمين العام للأمم المتحدة، ويفتح الباب أمام من سبق استبعادهم. ويصار إلى إدخال الأطراف المُحجمة عن المشاركة في العملية السياسية، ومجلسي النواب والأعلى للدولة، ومن يشتكون ضعف تمثيلهم أو غير الممثلين. وخلال المؤتمر تجرى عملية اختيار أعضاء الجهات التنفيذية وإعادة تشكيلها توافقياً؛ ليقوم مجلس النواب بمعاونة «هيئة صياغة» بإعداد الدستور، وإعداد تشريع لإجراء استفتاء دستوري وانتخابات رئاسية وبرلمانية.
المرحلة الثالثة والأخيرة: تعمل على الوصول للمراحل النهائية للعملية السياسية في غضون سنة، وإكمال الإجراءات التشريعية، بما في ذلك إجراء الاستفتاء الدستوري، وانتخاب برلمان ورئيس برلمان، بنهاية الفترة الانتقالية التي حددتها الخطة.
إضافة إلى مبادرات الحل السابقة، فإن الأزمة الليبية شهدت مبادرات كثيرة قدمها أطراف كثيرون، ومن بينها المبادرة المصرية، ومبادرة الاتحاد الأفريقي، والمبادرة «الجزائرية التونسية المصرية» - المعروفة بالمبادرة الثلاثية لدول الجوار -، والمبادرة الهولندية، ومبادرة الخرطوم الرامية إلى توحيد جهود المبادرة الرباعية التي تضم بلدان الجنوب الليبي «السودان تشاد النيجر ومصر».
لكن مع كثرة المبادرات و«أنياب المصالح» المخفية تحت «الإشفاق» على شعب ليبيا، ما زال «النفط الليبي» مثيراً للشهية بالنسبة للشركات الغربية، كما أنه يخيف كثيرين أيضاً؛ لأن «الإرهابيين» يحيطون به من كل الجهات.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.