لبنان يحضر لإطلاق عملة رقمية بالليرة لتسهيل الدفع

خسائر الجرائم المالية الإلكترونية تفوق 500 مليار دولار سنوياً

TT

لبنان يحضر لإطلاق عملة رقمية بالليرة لتسهيل الدفع

كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن مواصلة التحضير لإصدار عملة رقمية محلية، على أن تكون مصدرة من البنك المركزي وبالليرة اللبنانية، وأن يكون استعمالها محليا فقط، والهدف منها تسهيل أساليب الدفع وتفعيل التكنولوجيا المالية وتوفير الكلفة على المستهلك. ومنبها بأن واحدا من كل خمسة بنوك مركزية عالمية سيستخدمون تقنية «بلوك تشين» (Blockchain) بحلول العام 2019، وستستعمل في مجالات إدارية مختلفة بمعزل عن استخدامها للعملة الافتراضية.
بالمقابل، لفت الدكتور الوليد آل الشيخ، السكرتير التنفيذي لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينافاتف)، إلى أن «الجريمة الإلكترونية تُعدّ إحدى أخطر أنواع الجرائم التي تواجهها الدول والمجتمعات في ظل الانتشار السريع والمتزايد لاستخدام الإنترنت والتطور المستمر في تقنيات الاختراق والقرصنة والاحتيال الإلكتروني، إذ تفوق الخسائر السنوية الناجمة عن هذه الجرائم 500 مليار دولار».
ودعا الشيخ إلى «تضافر الجهود لمكافحة هذا النوع من الجرائم من خلال التوعية وسنّ التشريعات واتخاذ التدابير لتطوير أنظمة حماية تقنية وتشغيلية... فلا شك أن الأصول الإلكترونية والخدمات المرتبطة بها تدفع عجلة التطور والابتكار وتساعد في تحسين الخدمات وتعزيز الشمول المالي، إلا أنها من جانب آخر مرتع للمجرمين والإرهابيين لتمرير أموالهم وغسلها من خلالها. لذا فهناك حاجة ماسة لأن تأخذ الدول تدابير وإجراءات منسقة لتفادي استغلال الأصول الإلكترونية في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب».
وقد شهد «ملتقى مكافحة الجريمة الإلكترونية الرابع» الذي انطلق أمس في بيروت، مداخلات ومداولات متخصصة بين جهات مالية ومصرفية وأمنية حول المخاطر التكنولوجية وسبل تحصين المؤسسات وسد المنافذ والثغرات التي تتسلل عبرها الجرائم المالية وعمليات غسل الأموال. وتشارك في تنظيم الملتقى كل من هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان، ومكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وبالتعاون مع مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ودعم المفوضية الأوروبية، وبالاشتراك مع مجموعة الاقتصاد والأعمال.
وأوضح سلامة أن المعاملات الإلكترونية في لبنان أصبحت واقعاً يومياً. واتخذت طابعا قانونيا بعد مصادقة مجلس النواب على قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي. وقد أخذ مصرف لبنان حيزاَ كبيراَ في هذا القانون لجهة أن «الأنظمة الصادرة عن مصرف لبنان تحدد ماهية النقود الإلكترونية والرقمية، وكيفية إصدارها واستعمالها، والتقنيات والأنظمة التي ترعاها، وأن الشيك الإلكتروني الذي يتم إنشاؤه والتوقيع عليه وتداوله إلكترونياً يخضع للأنظمة الصادرة عن مصرف لبنان».
وأضاف سلامة: «كذلك يعود لمصرف لبنان، فيما يتعلق بالعمليات المالية والمصرفية، إعطاء شهادات المصادقة العائدة للتواقيع الإلكترونية للمصارف وللمؤسسات الخاضعة لرقابته ولرقابة هيئة الأسواق المالية وللمؤسسات وللإدارات وللهيئات التي يتعامل معها وفقاً للقوانين التي ترعى عملياته، وشهادات الاعتماد للمصارف وللمؤسسات، بصفتها مقدم خدمات مصادقة للتواقيع الإلكترونية لزبائنها. ويقوم مصرف لبنان بوضع المعايير والقواعد التقنية في هذا الخصوص».
وحول إطلاق لبنان لعملته الرقمية، قال: «ما زال فريق من مصرف لبنان يعدّ لإطلاق العملة الرقمية، وهي تختلف عن العملات الافتراضية التي حذّر مصرف لبنان منها ومن استعمالها كوسيلة للدفع، إذ إنّها سلعة وأسعارها تشهد تقلّبات حادة. كذلك عالميا، فإنّ التقارير تدل أنه يتم استعمال العملة الافتراضية أو الأصول الافتراضية بعمليات غسل أموال بوتيرة أعلى من تمويل الإرهاب لعدم وجود آليات صرف لهذه العملات قريبة من منطقة النزاع. أما فيما يتعلق بنظام وتقنية (بلوك تشين)، فإن واحدا من كل خمسة بنوك مركزية سيستخدمون هذه التقنية بحلول عام 2019، وستستعمل في مجالات إدارية مختلفة بمعزل عن استخدامها للعملة الافتراضية. فالعملة الرقمية ستكون مصدرة من مصرف لبنان وبالليرة اللبنانية واستعمالها محلي فقط. والهدف منها تسهيل أساليب الدفع وتفعيل التكنولوجيا المالية وتوفير الكلفة على المستهلك».
وأشار مدير عام قوى الأمن الداخلي اللبناني عماد عثمان إلى أهمّية الأمنِ السيبراني في لبنان، والمتمثلة بقرار رئيسِ مجلس الوزراء سعد الحريري القاضي بإنشاءِ هيئة وطنية للأمنِ السيبراني، ممثلة بمختلفِ الوزاراتِ والقطاعات والأجهزة الأمنية والعسكرية؛ لإعدادِ خطّة وطنية لتأمينِ الفضاءِ السيبراني، في المستوى العالمي، ولحماية المواطنين والتبادلات الاقتصادية والتجارية كلّها، من أي تهديدٍ محتمَل. منوها بأنّه «من المتعارَفِ عليه دوليّاً ‏وعالميّاً، وعلى الأصعدة والمستويات جميعها، أنّ المصارفَ والعملياتِ المالية، هي الهدفُ الأساسُ للعددِ الأكبرِ من ‏الجرائمِ السيبرانية المرتكَبة. فإن معظم أهدافها مالية ولو كان ظاهرها مستتراً ‏بأهدافٍ أُخرى».
ونبه أمين سر هيئة التحقيق الخاصة عبد الحفيظ منصور إلى أن «مخاطر الجرائم الإلكترونية في لبنان كانت محصورة نسبياً في انتهاك البريد الإلكتروني، إلا أنه بعد إقرار قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، والذي سيفتح الباب واسعاً للمعاملات الإلكترونية ويفتح فرصاً جديدة للأعمال الإلكترونية، فإنه يفتح الباب واسعاً أيضا على مخاطر جديدة، الأمر الذي يتطلب العمل سريعاً على وضع الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني والعمل أكثر على الحد من المخاطر القادمة التي لن يكون لبنان بمنأى عنها مستقبلاً، إذ إن ما شهدناه عالمياً من جرائم في هذا الإطار دليلٌ كافٍ على ما ينتظرنا».
وأوضح أنه «نتيجة لمتابعة ودراسة إحصائيات القضايا الواردة للهيئة، تبين لنا تراجع في عدد حالات الانخداع بواسطة البريد الإلكتروني التي تتعرض لها المصارف، فقد تراجع عدد الانتهاكات من 32 حالة في التسعة أشهر الأولى من العام 2017، إلى 23 حالة في الفترة عينها من العام 2018، وهذا الأمر ناتج عن الجهد الذي بذل والتواصل المستمر مع المصارف وبرامج التدريب التي وضعت لتوعية الموظفين للحالات المحتملة وللمؤشرات كما جاءت في الدليل الإرشادي. كذلك لاحظنا تراجعاً في الحالات التي يتعرض لها الأفراد للخديعة بواسطة الرسائل الإلكترونية المزورة، فقد تراجعت تلك الحالات من 95 حالة في التسعة أشهر الأولى من العام 2017، إلى 89 حالة في الفترة عينها من العام 2018».



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».