سنوات السينما

هند صبري بطلة «الكتبية»
هند صبري بطلة «الكتبية»
TT

سنوات السينما

هند صبري بطلة «الكتبية»
هند صبري بطلة «الكتبية»

- الكتبية (2004) ... عاصفة في مكتبة

«الكتبية» فيلم تونسي للمخرج نوفل صاحب الذي لم يحقق أفلاماً تالية (وإذا فعل فإنها لم تنتشر كانتشار هذا الفيلم). دراما عاطفية تقع معظم أحداثها في مكتبة لبيع الكتب. مكان لم تقع فيه أحداث فيلم عربي آخر سابقاً ولا لاحقاً.
الفيلم من ‫الإتقان وحسن التصميم لدرجة أن المكان يبدو كما لو كان ساحة كبيرة عوض المكتبة ذاتها وبضع غرف صغيرة تعلوه. وإذا كان المخرج تعب كثيرا لأجل أن يعالج حدود المكان الواحد، فإن ذلك ليس واضحاً في النتيجة الماثلة لأن كل شيء يبور مريحاً للعين والنفس ومناسباً للدراما التي تقع في رحاب المكان. «الكتبية» (أو «المكتبة») عمل ناضج بلغة سلسلة. يستخدم قواعد سرد تصوير منضبطة. يرتاح إلى الكاميرا المؤسسة ذات العراقة وإلى التمثيل الناضج المتلاحم في مشاكل شخصياته من دون اصطدام أو ضعف. ‬
في أحيان قليلة فقط تبدو القصة كما لو أنها تريد جذب الفيلم إلى وضع ميلودرامي مبسط، لكن الشخصيات القوية والتمثيل الممعن في قوّة إيحاءاته يساعد الفيلم الحفاظ على مستوياته الجادة. ولولا أن النهاية، في الدقائق العشر الأخيرة أو نحوها، أضعف بكثير مما يتوقعه المرء من فيلم عرض لمشاكل أهم من أن تُحل على النحو الذي يرد في ختام الفيلم لكان أمامنا تحفة حقيقية.
‫يبدأ «الكتبية» ببطله جميل (أحمد حفيان الذي نال قبل أسابيع قليلة جائزة أفضل ممثل من مهرجان قرطاج عن دوره في «فتوى») يحمل حاجياته القليلة بعدما عاد إلى الوطن بعد عشر سنوات من الغياب. يجد عملاً في مكتبة قديمة تقع في وسط مدينة تونس يديرها طارق (عيد باجي) الذي يوفر له، كذلك، غرفة نوم في طابق سفلي. في الطابق الأعلى تقع الغرفة التي يعيش فيها طارق مع زوجته الجميلة ليلى (هند صبري). هناك غرفة أخرى تعيش فيها والدتها (مارتين جفصي). أول دخول جميل يسمع صوت ليلى وهي تغني لأسمهان. والمرء منا قد يحاول استباق الأحداث فيتصوّر أن علاقة عاطفية ستنشأ بين هذا القادم الجديد الذي يحتفظ بسرّه لنفسه ويتحدث بهدوء وصوت منخفض دائما وبين ليلى الجميلة التي تطمح لشق طريقها في عالم الغناء - إن استطاعت. لكن من حسن حظ الفيلم ومشاهديه يسبر الفيلم غور حكاية ترتكز على حلم ليلى التحوّل إلى مغنية ناجحة. ‬
يحيك المخرج سريعاً الصياغة المناسبة لولوج بطله جميل في حياة وظروف تلك العائلة. الأم ذاتها لا تخفي انجذابها لهذا الشاب الهادئ، لكنها تحافظ طويلا على المسافة بينهما إلى أن تزول تلك المسافة في ليلة انفردا بها. بينما ترغب ليلى من زوجها ترك إدارة المكتبة لجميل والخروج من هذا المكان الذي باتت تراه موحشاً ومقبضاً مع سعيها للتحوّل إلى مغنية محترفة. ويزيد المشكلة بينها وبين زوجها تفاقماً زيارة رجل وزوجته يسمعان ليلى تغني ويدعوانها للغناء في حفل لقاء مال. هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها ليلى بالغناء احترافياً ونيل مكافأة عليه. لكنها حين تعود يواجهها زوجها غاضباً فتترك البيت. الزوج يفقد عقله إذ يحبها أكثر مما كان يعتقد. جميل والأم يحاولان إنقاذه، ثم يحاولان التعايش مع مصيبة الابن إلى أن يقرر المخرج الانتقال إلى نهاية تختلط فيها الفانتازيا بواجبات المشهد الختامي السعيد. هنا يفقد الفيلم الكثير مما بناه على صعيد قضيّته المثارة.
‫الأجواء المشادة، بفضل تصوير جيد من جيل بورت، لا تدعي أكثر مما تريد أن تنجز. يستغل المخرج المكان، العابق بالتاريخ والأدب، جيداً. المكتبة هنا ليست مكاناً غاصاً بالزبائن والزوّار، إذ لم تعد كذلك منذ انحسر دور الكتاب عن الناس، وهذا وضع مؤلم يظهر قصداً في الفيلم أو من غير قصد.‬

- قيمة تاريخية: (3*)
- قيمة فنية: (4*)

(1*) لا يستحق
(2*) وسط
(3*) جيد
(4*) ممتاز
(5*) تحفة


مقالات ذات صلة

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).