توقعات باستحواذ التكنولوجيا على 8% من إيرادات الخدمات المالية في المنطقة

الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي عارف أميري  خلال مشاركته أمس في «يوم المستثمر» بدبي («الشرق الأوسط»)
الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي عارف أميري خلال مشاركته أمس في «يوم المستثمر» بدبي («الشرق الأوسط»)
TT

توقعات باستحواذ التكنولوجيا على 8% من إيرادات الخدمات المالية في المنطقة

الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي عارف أميري  خلال مشاركته أمس في «يوم المستثمر» بدبي («الشرق الأوسط»)
الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي عارف أميري خلال مشاركته أمس في «يوم المستثمر» بدبي («الشرق الأوسط»)

قال تقرير حديث صدر أمس، إن عدد شركات التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفع من 91 شركة في عام 2010، إلى 839 شركة خلال العام الماضي، بما يمثّل فرصة أمام الأطراف المعنية ضمن مجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية، بدايةً من شركات خدمات التكنولوجيا المالية ومروراً بالمؤسسات الحكومية والشركات، وصولاً إلى الأفراد.
وذكر تقرير «التكنولوجيا المالية: آفاق من الفرص الواعدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا» الذي صدر خلال فعالية «يوم المستثمر» في دبي بالشراكة مع «أكسنتشر للاستشارات»، أنه من المتوقع أن يستحوذ قطاع التكنولوجيا المالية على 8% من إيرادات الخدمات المالية في المنطقة بحلول عام 2022.
وأضاف التقرير: «على الرغم من ذلك، فإن أبرز التحديات التي يواجهها القطاع يتمثل في فجوة التمويل، ومحدودية الوصول إلى الأسواق، والافتقار إلى المهارات الأساسية، والتضارب القائم بين الآليات والأطر التنظيمية»، إضافة إلى أن الابتكار والتكنولوجيا سيلعبان دوراً مهماً في تحفيز نمو القطاع، وتبرز الحاجة الملحّة إلى تعزيز الوصول إلى الخدمات المالية وتوفير تجربة عملاء أفضل تلبّي متطلباتهم الشخصية.
وبيّن التقرير أن الإمارات اجتذبت استثمارات بقيمة 67 مليون دولار، وهي أعلى قيمة استثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية منذ عام 2010، ما يجعلها على رأس الوجهات الاستثمارية المفضلة في مجال التكنولوجيا المالية إقليمياً في الوقت الذي بلغت فيه قيمة الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المالية عالمياً أكثر من 50 مليار دولار منذ عام 2010، وكان نصيب الشركات القائمة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا 1% فقط.
واختتم برنامج «فينتك هايف في مركز دبي المالي العالمي»، مسرّع التكنولوجيا المالية، دورته الثانية التي أُقيمت بالشراكة مع «أكسنتشر»، حيث شهد في نسخة العام الجاري مشاركة مجموعة أكبر من الشركات الناشئة، والتي تضاعف عددها ليصل إلى 22 مرشحاً، مقارنةً مع 11 مرشحاً في النسخة الماضية 2017، بالإضافة إلى شركات أخرى، والتي عرضت حلولها المبتكرة أمام أكثر من 350 مستثمراً وشريكاً وممثلاً للجهات الحكومية.
وتركزت حلول هذه الشركات على مجموعة من المجالات بدايةً من حلول «البلوك تشين» المبتكرة، مروراً بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية، وصولاً إلى تكنولوجيا التأمين والتكنولوجيا التنظيمية والتكنولوجيا المالية الإسلامية، وخلال دورة 2018، وشهد البرنامج إثبات فعالية مفهوم 20 حلاً مبتكراً، علماً بأنه تم تنفيذ أربعة منها خلال فترة البرنامج.
وقال عارف أميري، الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي: «نجح المشاركون بالبرنامج خلال العام الماضي في تأمين تمويلات رأسمالية بقيمة تزيد على 16 مليون دولار. وتؤكد الشركات الناشئة من حيث التنوع والابتكار، التي شاركت في دورة هذا العام من البرنامج، مواصلة زخم النمو والنجاح في قطاع التكنولوجيا المالية، خصوصاً أن قادة الصناعات يدركون جيّداً الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها هذه التكنولوجيا».
وأضاف أميري في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «باعتبارنا أحد أبرز محركات هذا القطاع في الإمارات ودبي خاصة، حرصنا في مركز دبي المالي العالمي على أداء دور رئيسي في دعم وتشجيع شركات التكنولوجيا المالية في المنطقة، بدءاً بتأسيس مُسرِّع «فينتك هايف»، ووصولاً إلى البيئة المتكاملة التي يحتضنها المركز اليوم والتي توفّر لأكثر من 80 شركة مرتبطة بقطاع التكنولوجيا المالية ضمن مجتمعه المتنامي دعماً شاملاً، سواء على صعيد البيئة التنظيمية والتشريعية، بالتعاون طبعاً مع سلطة دبي للخدمات المالية، أو على صعيد الاستفادة من رخص تجارية منخفضة التكلفة وأخرى مخصصة لاختبار الابتكار، وتوفير مساحات عمل تعاونية داخل المركز تلبي احتياجات هذه الشركات».
وعلى صعيد تقنية «بلوك تشين» على وجه التحديد، أشار أميري إلى الدور الذي يلعبه مركز دبي المالي العالمي على الساحة العالمية كعضوٍ مؤسس للمجلس العالمي للتعاملات الرقمية، إحدى المبادرات الاستراتيجية لحكومة دبي، بهدف استكشاف وبحث فرص تطبيق تقنية «بلوك تشين» في مجال الخدمات المالية.
وأضاف: «وتماشياً مع رؤية حكومة دبي الهادفة إلى استخدام (البلوك تشين) في بناء أول حكومة رقمية بالكامل بحلول عام 2021، تواصل هذه التقنية تسجيل حضور قوي في المجتمع المتنامي للمركز، مدعومةً باهتمام متزايد من مختلف القطاعات الموجودة فيه، مثل قطاع الخدمات المالية والتأمين وتمويل الطيران».
من جانبه، قال سوشيل سالوجا، المدير التنفيذي للخدمات المالية لأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية في «أكسنتشر»: «إن الموقف الداعم للجهات الحكومية في المنطقة، مثل مركز دبي المالي العالمي، أسهم في إنشاء منظومة مزدهرة للتكنولوجيا المالية ووفر دعماً كبيراً لتطور ونمو هذه التكنولوجيا».



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.