الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي رساماً... مدافعاً عن حقه في «الكتابة بالألوان»

قال: لا أخون الشعر عندما أرسم... بل أحتفي به بطريقة أخرى

عبد اللطيف اللعبي في معرض أعماله التشكيلية في مراكش
عبد اللطيف اللعبي في معرض أعماله التشكيلية في مراكش
TT

الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي رساماً... مدافعاً عن حقه في «الكتابة بالألوان»

عبد اللطيف اللعبي في معرض أعماله التشكيلية في مراكش
عبد اللطيف اللعبي في معرض أعماله التشكيلية في مراكش

في نص حمل عنوان «قصتي مع الرسم»، قدّم به لتجربته الجديدة وأعماله التشكيلية التي يعرضها، لأول مرة، في المغرب، بـ«ماتيس غاليري آرت»، في مراكش، إلى غاية 21 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، دافع الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي عن حقّه في التعبير والكتابة بالألوان، مستبقاً كل الأسئلة: «الماكرة» التي يمكن أن يطرحها البعض عن إقدام شاعر على معرض تشكيلي، يقول: «أصل الآن إلى ما أتصور أنّ البعض ينتظره مني: أن أُبرّرَ إقدامي على هذا المعرض، أن أضفي عليه شرعية ما، مضموناً عميقاً، وأن أخلع على هذا المضمون جبة جمالية حاذقة لكي أفتح الباب على مصراعيه أمام كل القراءات الممكنة، ومن يدري، ربما سيُراد منّي أن أُطَمْئنَ البعض بالتأكيد على الجانب الاستثنائي لهذا الحدث، ولِمَ لا على هامِشيته. لا، لن أفعل أيّاً من ذلك. فأنا أراهن على سَعة صدر الناس ورَشادهم، وأنتظر منهم أن يقولوا في قرارة أنفسهم: لِمَ لا؟ ما الذي يمنع الشاعر من أن يرسم، أن يصبح موسيقياً أو سينمائياً إذا صدر ذلك عن صميم رغْبَتِه وإرادته؟ ألا يحق للرّسام أن يكتب أو يَتَعاطى لأي فنون أخرى؟ دعونا نتأمل ونصغي لما سيقدمه لنا هذا أو ذاك من دون أفكار مسبقة!».
استشعاراً منه للتّعاطف «السّمح» من حوله، سيتحدّث اللعبي عن تلك الرغبة التي تولّدت لديه، وجعلته يرسُم منذ سنوات عدة، فيقول: «لقد سبق لي أن كتبتُ أن الإنسان (الكائن البشري) لا يتوقف عن أن يُوَلّدَ نفسه بنفسه. شيئاً فشيئاً يكتشف ذواتَه المختلفة والأوجُه المتعدد للُغزِه الخاص. إنّها نوائب الدهر، اللقاءات، العواطف والافتتانات التي عشناها، المخاطر التي واجهناها، والنّضالات التي خُضناها (علاوة على الكتب والأعمال الفنية التي اطّلعنا عليها) هي ما يسمح لنا بأن نكتشف، في لحظة معينة من مسارنا، هذا الوجه أو ذاك من لُغزنا الذي لم تكن لنا به دراية من قبل. هذا ما حدث لي مع عوالم التشكيل، منذ قرابة نصف قرن. عاشرتُ الكثير من الرسامين، شاهدتهم أثناء عملهم، تأمّلتُ طريقة اشتغالهم وكتبتُ أحياناً عن أعمال هذا الفنان أو ذاك. لقد أضحى فنّ الرسم مألوفاً وحميمياً لدَي كما هو الحال مع الشّعر، إلى أن جاء اليوم الذي وجدتُ نفسي من دون أن أدري لماذا، «أخربش» على بياض ورقة عادية أوّلَ رسمٍ لي. انتقلتُ بعدها رأساً إلى ورق الرسم ثم نحو فضاء اللوحة، في وقت وجيز جداً. بدأتُ أرسم كلّما أمكنني ذلك، يوميّاً ولساعات عدة. في هذا البذل الجسدي والعقلي غير المسبوق، كانت المتعة دائماً في الموعد، وكذا ولَعُ الاكتشاف. طاقة مجهولة كانت تندسّ في دواخلي فتنبَجِسُ منها مُتحَكّمة في نوع من التعبير جديدٍ أستغني فيه عن رُفقتي القديمة، أي الكلمات. إنّها يدي التي صارت تأخذ زمام الأمور، يحركها الجسد المتوتر كقوس. هكذا كانت كيمياء الألوان تحُل مَحل كيمياء اللغة».
هكذا، سيجد اللعبي نفسه يستجيب لنداء رحلة جديدة، قال: إنه لم يقِسْ حدودها ومَخاطرها، ليتساءل: «هل سبق لي أن أجريتُ أي تدبير حسابي قبلي لكل ما قمتُ به في حياتي؟ ألا يجب أن أركّز على ذلك الحس التشارُكي الذي رعيتُه بعناية لكي أصُدّ عنا ومن حولنا قضبان التشكك والانغلاق والانقسام؟»، قبل أن يقول: «الشعر، على وجه الخصوص، هو من علّمني أنّ الحميمي من بين الأكثر حميمية ليس له من هدف آخر غير هذا البُعد التشاركي. عندما تصبح دائرة الكينونة تلك (مِلك العموم) فإنّها تتحوّل إلى منبع للنور».
ينتهي اللعبي من سرد قصته مع الرسم، بتقريب المسافة مع الشعر، بل الجمع بينهما ضمن التجربة ذاتها، ليقول: «أنا لا أقوم بخيانة الشعر عندما أرسم، بل احتفي به بطريقة أخرى، تدعو الكلمات إلى استراحة مُستحَقّة وهي تَغوص، ولو لبرهة من الزمن، في بهاء الصمت».
قبل محاولة تبرير إقدامه على المعرض، استعاد «مجنون الأمل» طفولته ودراسته بفاس، بداية من خمسينات القرن الماضي، ليستعيد علاقته بعدد من الأسماء ومن رموز الفن التشكيلي المغربي، على مدى عقود، بداية من صداقته بمحمد بناني، الذي جعله ينمي، في داخله، حساً فنياً حقيقياً، من ثم لقاؤه، في النصف الأول من الستينات، بغاستون ديهيل، الناقد وأستاذ تاريخ الفن الذي كان يواظب على حضور دروسه حول علم الجمال بكلية الآداب في الرباط، بشكل قاده إلى درب التفكير في شؤون الفن، وانتشله من جهله بعمل رواد الفن التشكيلي في المغرب، كبن علال، ومولاي أحمد الإدريسي، والورديغي، واليعقوبي، والغرباوي، والشرقاوي.
بعد ذلك سينفتح ذهن اللعبي، بشكل جيد، فلم يتأخر في التعرف، عن طريق فريد بن امبارك، على الشخص الذي يمكن اعتباره مؤسس الفن التشكيلي المعاصر في المغرب: الجيلالي الغرباوي. قبل أن يركب، رفقة مصطفى النيسابوري ومحمد خير الدين، مغامرة «أنفاس»، التي تحقق لها مدى وصدى بعد لقاء كل محمد المليحي، ومحمد شبعة، وفريد بلكاهية؛ ليجعل التواطؤ الفكري والالتزام المتبادل وعلاقة الصداقة مع كل من المليحي وشبعة من اللعبي واحداً من الشهود الأكثر انتباهاً لمسيرة فكرية وتجربة فنية ستغير بعمق الثقافة البصرية في المغرب، كما ستسمح للفن التشكيلي المغربي أن يأخذ مكاناً لائقاً على متن قطار الحداثة.
ومنذ ذلك الحين، أمسى الشعر، فن اللعبي الأول، غير منفصل بالنسبة عن الرسم، حيث إن العوالم الذهنية والحسية التي كشفها الرسم وسّعت من آفاقه وأفعمت طريقته في «الكتابة بالألوان».
بعد مضي سنوات عدة، كان من الضروري خلالها لقوس الاعتقال والسجن أن يفتح، سيسعد اللعبي بتجديد الاتصال بالفنان التشكيلي محمد قاسمي (1942 _ 2003)، لتأخذ علاقتهما، بعد 1980، انطلاقة جديدة، ولتمسي علاقتهما، على طول السنوات المتبقية في عمر القاسمي، أقوى.
وكان أن تواصلت المسيرة وتوالت المحطات، بشكل جعل اللعبي يتعرف، بعد رحيله إلى فرنسا عام 1985، على رسامين من العالم العربي ومن خارجه، بينهم السوري صخر فرزات. يقول: «خلال حياتي، هنالك الكثير من الرسامين الذين أبهروني وخلّفوا لدي أثراً دائماً. لن يسع المقام هنا لذكر أسماء بعينها، فهُم من سائر الحِقب والبلدان. لكنَّ اثنين منهم، أضعهما في المرتبة نفسها، أود التنويه بهما لأن مُخيلتهما ستظل بالنسبة لي محجّ افتتان وإلهام. إنهما فرانسيسكو دي غويا وعباس صلادي».
وولد اللعبي في مدينة فاس سنة 1942، حيث بدأ مساره الدراسي قبل أن ينتقل إلى الرباط، قبل أن يتابع مساره الجامعي بكلية الآداب، التي تخرج فيها عام 1966، السنة التي أشرف فيها على مجلة «أنفاس»، التي لعبت دوراً طليعياً في تحديث الإبداع والفكر المغربيين. وسيعيش اللعبي تجربة الاعتقال والسجن، بسبب آرائه ومواقفه السياسية، ما بين 1972 و1980، قبل أن ينتقل، سنة 1985، إلى فرنسا.
وأكّد اللعبي قيمته وحضوره في المشهد الثقافي المغربي والعربي والدُّولي، حيث فاز بعدد من الجوائز الأدبية الرفيعة، أشهرها جائزة «كونغور» الفرنسية في 2009. وقد صدرت له كتابات كثيرة، في الشعر والرواية واليوميات والمسرح، وغيرها، بينها «العين والليل»، و«مجنون الأمل»، و«تجاعيد الأسد»، و«حرقة الأسئلة»، و«بستاني الروح»، و«قاع الخابية»، و«شاعر يمر»، و«يوميات قلعة المنفى»، و«شجون الدار البيضاء»، و«قاضي الظل»، و«تمارين في التسامح»، و«الشمس تحتضر». كما ترجم إلى اللغة الفرنسية أعمالاً لعدد من الكتاب العرب، وأنجز أنطولوجيات شعرية كثيرة من الشعر العربي والمغربي.



انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
TT

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)
«معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة حتى 21 ديسمبر (كانون الأول) الجاري في مركز «سوبر دوم جدة»، بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة، موزعة على نحو 450 جناحاً، مع جهات حكومية وهيئات ومؤسسات ثقافية سعودية وعربية.

ويشتمل المعرض على برنامج ثقافي ثري، يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة، تتخللها محاضرات وندوات وورش عمل، يقيمها نحو 170 متخصصاً، إضافة إلى منطقة تفاعلية مخصصة للأطفال، تقدم برامج ثقافية موجهة للنشء بمجالات الكتابة والتأليف والمسرح، وصناعة الرسوم المتحركة، وأنشطة تفاعلية مختلفة.

برنامج ثقافي ثري يضم أكثر من 100 فعالية متنوعة (هيئة الأدب)

ويتضمن المعرض ركناً للمؤلف السعودي، معرِّفاً الحضور على آخر إصداراته، ومهيأ للزوار منطقة خاصة بالكتب المخفضة، التي تأتي ضمن جهوده في الحث على القراءة، وإتاحتها للجميع عبر اختيارات متعددة، معززة بمناطق حرة للقراءة.

من جانبه، أوضح الدكتور عبد اللطيف الواصل، مدير إدارة النشر بالهيئة، أن المعرض يعكس اهتمامهم بدعم وتطوير ونشر الثقافة والأدب في السعودية، مؤكداً دوره الريادي، حيث يسلط الضوء على جهود الأدب والأدباء المحليين والعرب والعالميين، عبر فعاليات وأنشطة مجتمعية بمعايير عالمية، وإيجاد فرص تفاعلية لزواره في قوالب فنية وأدبية متنوعة، وصولاً إلى تعزيز مكانة جدة بوصفها مركزاً ثقافيّاً تاريخيّاً.

المعرض يعكس الاهتمام بدعم وتطوير ونشر الثقافة في السعودية (هيئة الأدب)

ويحتفي المعرض بـ«عام الإبل 2024»، لما تُمثِّله من قيمة ثقافية في حياة أبناء الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ، حيث خصص جناحاً للتعريف بقيمتها، وإثراء معرفة الزائر عبر جداريات عدة بأسمائها، ومواطن ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقصائد شعرية تغنَّى بها العرب فيها على مر العصور.

ويستقبل «معرض جدة للكتاب» زواره يوميّاً من الساعة 11 صباحاً حتى 12 مساءً، ما عدا الجمعة من الساعة 2 ظهراً إلى 12 مساءً.

المعرض يُعزز جهوده في حث الزوار على القراءة عبر اختيارات متعددة (هيئة الأدب)

ويُعد ثالث معارض الهيئة للكتاب خلال 2024، بعد معرض «الرياض» الذي اختتم فعالياته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومعرض «المدينة المنورة» المنتهي في أغسطس (آب).