اتفاق «تنقيب » لربع قرن بين نظام الأسد وروسيا

مسيحيون سوريون يحتفلون بذكرى الميلاد في أحد فنادق العاصمة السورية (أ.ب)
مسيحيون سوريون يحتفلون بذكرى الميلاد في أحد فنادق العاصمة السورية (أ.ب)
TT

اتفاق «تنقيب » لربع قرن بين نظام الأسد وروسيا

مسيحيون سوريون يحتفلون بذكرى الميلاد في أحد فنادق العاصمة السورية (أ.ب)
مسيحيون سوريون يحتفلون بذكرى الميلاد في أحد فنادق العاصمة السورية (أ.ب)

وقعت الحكومة السورية اتفاقا ضخما مع شركة روسية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية، في عقد يشمل عمليات تنقيب في مساحة 2190 كلم مربعا، بحسب ما أفادت به وكالة الأنباء السورية (سانا) التي قالت إن «وزارة النفط والثروة المعدنية وقعت مع شركة سيوزنفتا غازإيست ميد الروسية عقد عمريت البحري للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في المياه الإقليمية السورية في البلوك رقم 2».
ويتضمن العقد إجراء عمليات المسح والتنقيب عن البترول في المنطقة الممتدة من جنوب شاطئ مدينة طرطوس إلى محاذاة مدينة بانياس وبعمق عن الشاطئ يقدر بـ70 كيلومترا طولا وبمتوسط عرض 30 كيلومترا وبمساحة إجمالية نحو 2190 كيلومترا مربعا. ويمتد العقد، وهو الأول من نوعه للتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية، على مدى 25 سنة، بتمويل من موسكو حليفة نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وجرى توقيع العقد البحري للتنقيب عن البترول وتنميته وإنتاجه في المياه الإقليمية السورية، في مبنى وزارة النفط في دمشق بين الحكومة السورية ممثلة بوزير النفط سليمان العباس والمؤسسة العامة للنفط، وشركة سويوز نفتاغاز الروسية. وبموجب العقد تكون الشركة الروسية مسؤولة عن تمويل جميع النفقات اللازمة لتنفيذ فعاليات العقد بمراحلها المتعددة، وستباشر تنفيذ أعمالها فور نفاذ هذا العقد بعد تصديقه بصك قانوني ونشره في الجريدة الرسمية.
وقال وزير النفط السوري سليمان العباس إن هذا العقد يتمتع بأهمية بالغة و«يشكل تحديا كبيرا، ولا سيما في الظروف الحالية التي تمر بها سوريا». وقال في تصريحات للصحافيين إن هذا العقد «سيشجع شركات الدول الصديقة، وخاصة الروسية منها، للقدوم إلى سوريا والقيام باستثمارات ومشاريع في التنقيب عن النفط والغاز في البر والبحر»، موضحا أن جميع الشركات الروسية العاملة في سوريا في مجال النفط والغاز «ما زالت مستمرة في عملها رغم الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد». وأوضح الوزير أن العقد «جاء بعد مفاوضات طويلة دامت عدة أشهر بين المؤسسة العامة للنفط والشركة الروسية أسفرت عن الوصول لهذه الصيغة النهائية التي ترضي الطرفين»، وحول واقع الحقول والمنشآت النفطية في المنطقة الشرقية أوضح وزير النفط أن الحكومة «ما زالت» تدير وتشغل الكثير من الحقول، لافتا إلى «ازدياد عمليات سرقة النفط وتكريره بطرق بدائية وتهريبه إلى تركيا بعد قيام مجلس الاتحاد الأوروبي بشرعنة سرقة النفط السوري».
من جانبه أكد السفير الروسي في دمشق عظمة الله كولمحمدوف أن هذا العقد هو «دليل إضافي على عمق العلاقات الاقتصادية السورية - الروسية وخاصة في مجال النفط والغاز»، لافتا إلى أن هذا العقد يكتسب «أهمية خاصة» لأنه يأتي في هذه الظروف التي تمر بها سوريا.
وفرضت دول غربية داعمة للمعارضة السورية عقوبات اقتصادية ضد دمشق بعضها في مجال النفط. كما باتت الكثير من حقول الإنتاج، لا سيما في شرق البلاد وشمال شرقها، تحت سيطرة المقاتلين المعارضين للنظام.
كما يشار إلى أن النظام السوري يولي عناية خاصة بمناطق الساحل السوري وبإعادة بناء البنى التحتية في تلك المناطق، كما يشجع على نقل المعامل والمنشآت الصناعية إلى مناطق الساحل التي لا تزال تعد من المناطق الآمنة، والتي يتركز فيها العلويون والغالبية الموالية للنظام. وفي هذا السياق ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن المديرية العامة للموانئ انتهت من «إعداد دراسة فنية واقتصادية لمشروع حوض بناء وإصلاح السفن» في موقع عرب الملك شمال مدينة بانياس على الساحل السوري بإشراف وزارة النقل، وقد جرى «تمويل هذه الدراسة من قبل غرفة الملاحة البحرية السورية» وقد جرى التريث في تنفيذ المشروع نتيجة لترتيب أولويات المشاريع المزمعة إقامتها. ويسمح هذا المشروع باستقبال سفن ذات حمولة تصل إلى 3000 طن وبطول يصل إلى 200 متر وقد «تضمنت الدراسة تقييم الأثر البيئي الذي كان مقبولا لقاء ما يحققه المشروع من فوائد اقتصادية واجتماعية، حيث إن المشروع سيؤمن فرص عمل مباشرة لأكثر من 2000 شخص على أن يجري بناء محطة معالجة لمياه الصرف الصحي والمطر لمنطقة المشروع»، بحسب ما نقلته وكالة سانا عن مدير المديرية العامة للموانئ فاطر ياسين عضيمة الذي كشف أنه «حاليا تجري المفاضلة بين عدة خيارات وتصورات عن كيفية استثمار المشروع وكيفية مساهمة الدولة فيه مع الأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية للإنجاز والمردود الأعلى والعائد المتوقع للدولة».
وفي سياق متصل كشف مدير المناطق الصناعية بوزارة الإدارة المحلية أكرم الحسن عن أن تكلفة تجهيز البنى التحتية للمقاسم ضمن المنطقة الحرة البرية باللاذقية تصل إلى نحو 750 مليونا، بينما تبلغ تكلفة تجهيز البنى لمنطقة التوسع نحو 5.‏2 مليار ليرة سورية. وبين الحسن لنشرة «سانا» الاقتصادية أنه بعد الاطلاع على واقع المنطقة جرى وضع مخطط توجيهي لعدد كبير من المقاسم وإحداث نحو 47 مقسما بمساحة 500 متر مربع للمقسم الواحد، وكذلك الأمر بالنسبة لمنطقة التوسع البالغة مساحتها نحو 100 دونم والتي تضم 109 مقاسم بمساحة تتراوح بين 500 إلى 750 مترا مربعا للمقسم الواحد.
وتتخوف المعارضة من اهتمام النظام بمناطق الساحل لأن لا يكون خطوة نحو تقسيم سوريا وإقامة دولة علوية على الساحل تمتد حتى العاصمة دمشق. ويقول مصدر بارز في المعارضة السورية إنه «يبدو من المفارقة قيام النظام بإعادة تأهيل البنى التحتية الصناعية في مدن الساحل، في الوقت الذي تقوم فيه قوات النظام بشن حملات تدميرية عنيفة على عدة مناطق من البلاد، لا سيما حلب التي تتعرض منذ أسبوع للقصف بالبراميل المتفجرة».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.