الأزهر: مساواة المرأة بالرجل في الإرث يفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات

حذر من فتنة القرار التونسي... ورفض مُحاولة المساس بالعقائد والأحكام

TT

الأزهر: مساواة المرأة بالرجل في الإرث يفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات

دخل الأزهر بقوة أمس على قرار تونسي ساوى بين المرأة والرجل في الإرث، وقالت هيئة كبار العلماء بالأزهر إن «الأزهر حذر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذه الفتنة، ويرفض رفضاً قاطعاً أي محاولة للمساس بعقائد المسلمين وأحكام شريعتهم أو العبث بها». وأضافت الهيئة أن «الأزهر أكد قبل ذلك مرات كثيرة أن هذا النوع من الأحكام لا يقبل الخوض فيه بخيالات جامحة وأُطروحات تُصادم القواعد والمُحكمات، ولا تستند إلى علم صحيح، فهذا الخوض بالباطل من شأنه أن يستفز الجماهير المسلمة ويفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى، ولا نتمناه لأحد أبداً.
وكان الرئيس التونسي باجي قايد السبسي، الذي صدق على القرار قبل أيام، قد أثار جدلاً في الدول العربية عندما أعلن في أغسطس (آب) عام 2017 اتجاه بلاده نحو المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل المجالات من بينها المساواة في الميراث. وأصدر الأزهر حينها بياناً شديد اللهجة، ندد فيه بدعوة السبسي، وقال إن «دعوات مساواة الرجل والمرأة في الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها».
وقالت هيئة كبار العلماء (أعلى هيئة دينية في الأزهر) في تعليقها حول قضية «ميراث المرأة»، إن النصوص الشرعية منها ما يقبل الاجتهاد الصادر من أهل الاختصاص الدقيق في علوم الشريعة، ومنها ما لا يقبل ذلك، فالنصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معاً، فإنها لا تحتمل الاجتهاد ولا تقبل التغيير بتغير الزمان والمكان والأحوال، وذلك مثل آيات المواريث الواردة في القرآن الكريم، والتي يُحاول البعض الآن العبث بها، وإعادة تقسيم ما ورد بها من تحديد أنصبة على ما يراه هو، لا على وفق ما جاءت به الشريعة من أحكام ثابتة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة بلا ريب، فلا مجال فيها لإعمال الاجتهاد.
مضيفة: من تلك القضايا التي زاد فيها تجاوز المضللين بغير علم في ثوابت قطعية معلومة من الدين بالضرورة، ومن تقسيم القرآن الكريم المحكم للمواريث، خصوصاً فيما يتعلق بنصيب المرأة فيه، فقد سولت لبعض الناس عقولهم القاصرة، وخيالاتهم البعيدة عن الشرع وأحكامه، أن الإسلام ظلم المرأة حين لم يسو بينها وبين الرجل في الميراث تسوية مطلقة، وبناء على تلك الخيالات المُناقضة لقطعيات القرآن ثبوتاً ودلالة، والتي يحسبها أصحابها انتصاراً لحقوق المرأة؛ جهلاً منهم بالتفاصيل الحكيمة لصور ميراث المرأة في الإسلام، والتي تأخذ في بعضها أكبر من نصيب الرجل... أما النصوص الظنية الدلالة، فإنها تقبل الاجتهاد والنظر، غير أن الاجتهاد فيها مقصور على أهل الاختصاص.
في غضون ذلك، أصدر الدكتور شوقي علام مفتي مصر أمس بياناً، أكد فيه أن المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة أمر مخالف للشريعة الإسلامية وإجماع العلماء على مر العصور، مضيفاً: أن الإسلام كان حريصاً كل الحرص على مساواة الرجل بالمرأة في مجمل الحُقوق والواجبات لا في كل تفصيلة، لافتاً أن تلك الدعوى التي يطلقها البعض من حتمية مساواة المرأة بالرجل، بزعم أن الإسلام يورث مطلقاً الذكر أكثر من الأنثى؛ هي دعوى لا يعتد بها وزعم باطل.
يأتي هذا في وقت أثار تأييد الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، للقرار التونسي حالة من الغضب بين علماء الدين، وقال الهلالي: إن «قرار المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة صحيح فقهاً ولا يتعارض مع كلام الله».
ورفض الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، مفتي مصر السابق، تصريحات الهلالي، مؤكداً أن «مصر لن تساوي في الميراث بين الرجل والمرأة».
بينما استنكر الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، ما قاله الهلالي، قائلاً: إن دعوة البعض للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث تحت بند التطوير الفقهي هو في حقيقة الأمر «عبث»، مضيفاً: يحق للوارث أن يتنازل عنه اختياراً لبعض الورثة أو لجميعهم؛ لكن القول بأن حق الوارث في الميراث يمكن للغير أن يتدخل فيه فيسوي بين المرأة والرجل أو يجري تعديلاً على فرض مذكور ويجعله قاعدة من دون الرجوع إلى الوارث، كلام باطل... ولم نسمع لا في المواريث ولا في غيرها أن حقوق الناس يجوز لغيرهم من حكومات أو علماء أن يتدخلوا فيها نيابة عنهم.
وقال الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء، إن أحكام الشريعة أعطت للمرأة نصيبها في الميراث مثل الرجل في ثلاث وثلاثين حالة، وهناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وأن 4 حالات فقط يرث فيها الرجل ضعف الأنثى. مضيفاً: ما أقرته تونس مخالف للشرع والدين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».