غارات روسية تستهدف حلب للمرة الأولى منذ شهرين رداً على هجوم بالغاز

اتصال بين وزيري الدفاع التركي والروسي... والنظام يطالب مجلس الأمن بالإدانة

شاب يتلقى العلاج من هجوم بالغازات السامة على حلب أول من أمس (أ.ف.ب)
شاب يتلقى العلاج من هجوم بالغازات السامة على حلب أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

غارات روسية تستهدف حلب للمرة الأولى منذ شهرين رداً على هجوم بالغاز

شاب يتلقى العلاج من هجوم بالغازات السامة على حلب أول من أمس (أ.ف.ب)
شاب يتلقى العلاج من هجوم بالغازات السامة على حلب أول من أمس (أ.ف.ب)

استهدفت طائرات حربية روسية أمس، «المنطقة العازلة» في ريف حلب الغربي، للمرة الأولى منذ التوصل إلى اتفاق تركي - روسي في الشمال قبل شهرين، وذلك رداً على استهداف مدينة حلب مساء السبت بقذائف تحمل غازات سامة يُرجح أنها مادة «الكلور»، وأسفرت عن إصابة 100 شخص في المنطقة الخاضعة لسيطرة النظام، وحملت مصادر المسؤولية لتنظيم متطرف. وطالبت وزارة الخارجية السورية مجلس الأمن بـ«الإدانة الفورية والشديدة لهذه الجرائم الإرهابية».
وبُعيد تأكيد وزارة الدفاع الروسية أن الضربات الجوية دمرت كل أهدافها وأن موسكو أبلغت تركيا سلفاً بالهجمات عبر خط هاتفي ساخن، ذكرت وزارة الدفاع التركية أن وزير الدفاع خلوصي أكار بحث أحدث التطورات في إدلب السورية مع نظيره الروسي، هاتفياً، أمس (الأحد). وجاء في بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية، أن أكار وشويغو «تبادلا الآراء بشأن الاستفزازات الأخيرة التي لا هدف منها سوى الإضرار باتفاق سوتشي».
وأكدت مصادر سورية معارضة واسعة الاطلاع، أن الهجوم بالغاز السام الذي وقع مساء السبت وأسفر عن إصابة العشرات، «يقف وراءه تنظيم متطرف موالٍ لتنظيم القاعدة». وقالت إن التنظيم المقصود هو «حراس الدين»، وهو واحد من التنظيمات المتشددة الموالية لـ«القاعدة»، ويعتبر من الفصائل الرافضة للاتفاق التركي - الروسي في شمال سوريا، ويتصارع مع حلفاء الأمس، بينهم قيادات في «هيئة تحرير الشام» على خلفية رفض الانسحاب من المناطق منزوعة السلاح. واتهمت دمشق «تنظيمات إرهابية» من غير أن تحددها، بالضلوع في استهداف أحياء حلب الخاضعة لسيطرتها بـ«غازات سامة»، فيما قالت موسكو إن مصدر القصف هو المنطقة العازلة في إدلب ومحيطها والواقعة خصوصاً تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً). وكان مدير الصحة في مدينة حلب، رجح مساء السبت أن يكون الغاز المستخدم هو غاز الكلور. وأفادت وسائل إعلام رسمية بأنه تمّ إسعاف المصابين إلى مستشفيي الرازي والجامعة، حيث قالت مصادر طبية لوكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا)، إنه «تم استقبال 107 مدنيين مصابين بحالات اختناق متنوعة». وأفادت وسائل إعلام موالية للنظام بأن أحياء الخالدية وشارع النيل وجمعية الزهراء في مدينة حلب، استهدفت بقذائف تحتوي غازات سامة.
قرابة المائة مصاب
وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن وصول «94 حالة اختناق» إلى مستشفيات حلب، مشيراً إلى معالجة معظمها. ولفت نقلاً عن مصادره في حلب، إلى «انتشار رائحة لغاز الكلور» في أحياء الخالدية والنيل والزهراء المستهدفة.
وأفادت وكالة «الصحافة الفرنسية» بأن عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، يعانون من صعوبة في التنفس، في مستشفى في حلب مساء السبت وتمت معالجتهم بواسطة أقنعة تمدهم بالأكسجين.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف نقلاً عن المركز الروسي العسكري «للمصالحة» في سوريا، إن «مجموعات إرهابية» في المنطقة العازلة في إدلب شنّت مساء السبت، هجمات بقذائف محملة «بمتفجرات تحتوي على الأرجح الكلور». وقال المتحدث في مؤتمر صحافي نقلته وكالات أنباء روسية: «وفقاً للمعلومات الأولية التي تم تأكيدها خصوصاً من أعراض التسمم البادية على الضحايا، فإنّ القذائف التي أطلقت على مناطق سكانية في حلب كانت تحتوي على الكلور». وأشار إلى أن خبراء عسكريين من الجيش الروسي وصلوا إلى المنطقة لمساعدة الضحايا ومتابعة الوضع. وذكر أن 46 شخصاً بينهم 8 أطفال تعرضوا لمواد كيماوية ونقلوا إلى المستشفى، لافتاً إلى أنه تمت معالجة الأطفال بواسطة أقنعة زودتهم بالأكسجين.
ونفت مصادر المعارضة في الشمال الضلوع في الهجوم، رداً على تصريحات اتهمت الفصائل بالوقوف وراءه، على خلفية أن المناطق المحيطة بمدينة حلب إلى الغرب والجنوب، يوجد فيها مقاتلون من «الجبهة الوطنية لتحرير سوريا». وقالت المصادر التي تنتمي إلى أحد فصائل «الجبهة» لـ«الشرق الأوسط»: «لا علاقة لنا بالهجوم ولا علم لنا به»، مشيرة إلى أن العناصر في الجبهة ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار، من غير أن تؤكد ما إذا كانت مناطق حلب تعرضت للقصف أم لا. وعما إذا كانت المنطقة بأكملها خاضعة لسيطرة الجبهة التي تصنف على أنها معتدلة، قالت إن المنطقة «يوجد فيها متشددون أيضاً»، مشيرة إلى أنه «لا تنسيق بين هؤلاء والجبهة، ومعظمهم يوجدون في المناطق الجنوبية الغربية القريبة من حلب».
وتسيطر فصائل «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا على ريفي حلب الشمالي والغربي التي قالت عنها وسائل إعلام النظام إن الاستهداف كان من المناطق الخاضعة لسيطرة تلك الفصائل. لكن المصادر السورية المعارضة قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «المنطقة المواجهة لحي جمعية الزهراء من جهة المعارضة، خاضعة لسيطرة جبهة النصرة بالكامل، أما منطقة الراشدين فيوجد فيها حراس الدين وأنصار الدين ومقاتلون أوزبك، فضلاً عن هيئة تحرير الشام إلى جانب مقاتلي الجبهة الوطنية لتحرير سوريا».

المعارضة تنفي
وفيما لم يصدر أي تعليق حتى الآن من المجموعات المتشددة الناشطة في المنطقة، قال الناطق الرسمي باسم «الجبهة الوطنية للتحرير» ناجي المصطفى، أمس في بيان، إن فصيله ينفي مزاعم استهداف مدينة حلب «بأي نوع من القذائف خصوصاً تلك التي تحوي غاز الكلور». وأكد أن تلك الأسلحة «لا يمتلكها ولا يستخدمها» في سوريا إلا النظام السوري، بحسب ما وثقته وأثبتته المنظمات الدولية المعنية. وردت الطائرات الروسية أمس على الهجوم، بتنفيذ أولى الغارات الجوية التي استهدفت المنطقة منزوعة السلاح الخاضعة للاتفاق مع تركيا والموقع في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن مقاتلاتها نفذت ضربات جوية في سوريا استهدفت مواقع لفصائل معارضة اتهمتها موسكو باستخدام أسلحة تحوي غاز الكلور في هجوم السبت على حلب في شمال البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف، كما نقلت عنه وكالة أنباء «تاس»، إن «مقاتلات للجيش الروسي نفذت ضربات جوية»، موضحاً أنه «تم تدمير كل الأهداف إثر هذه الضربات».
وقال ناشطون إن الغارات وعددها 5 غارات، استهدفت حي الراشدين الخاضع لسيطرة المعارضة غرب حلب، كما استهدفت منطقة خان طومان بريف حلب الغربي. وبحسب المراصد العسكرية في ريف حلب، فإن الأماكن المستهدفة بالقصف الروسي، تبعد نحو 1500 متر عن نقاط المراقبة التركية الموجودة في منطقة حي الراشدين.
وتحدث ناشطون عن تجدد القصف بصواريخ شديدة الانفجار لقوات النظام على بلدة جرجناز جنوب شرقي إدلب لليوم الثاني على التوالي وإغلاق كامل للمدارس مع حركة نزوح كبيرة للمدنيين.
وتشمل المنطقة منزوعة السلاح أجزاء من محافظة إدلب مع ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي. وطالبت وزارة الخارجية السورية في رسالتين وجهتهما إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن حول «اعتداء التنظيمات الإرهابية بالغازات السامة على أحياء مدينة حلب»، مجلس الأمن، بالإدانة الفورية والشديدة لهذه الجرائم الإرهابية.
وفي الأشهر الأخيرة، اتهمت الحكومة السورية وحليفتها روسيا، الفصائل المعارضة والمتشددة في محافظة إدلب بامتلاك أسلحة كيماوية، محذرين من إمكانية استخدامها. واتهم رئيس هيئة التفاوض العليا، أبرز مكونات المعارضة السورية ومقرها إسطنبول، نصر الحريري، دمشق، بإيجاد «ذريعة» لشن هجوم ضد الفصائل المعارضة. وقال في تغريدة على «تويتر»: «لاتهام الثوار واستخدام ذلك ذريعة من النظام وحلفائه من أجل فتح عمل عسكري في شمال سوريا والابتعاد عن أي استحقاق للعملية السياسية، لدينا معلومات أن النظام أطلق قذائف محملة بالكلور استهدف بها حي الخالدية في حلب».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».