جبهة إرهاب إيران تتسع في أميركا اللاتينية

على مشارف قمة العشرين

ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)
ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)
TT

جبهة إرهاب إيران تتسع في أميركا اللاتينية

ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)
ملثمون في مواجهة مع الشرطة الأرجنتينية بعد موجة اعتقالات عام 1992 إثر تفجير سيارة مفخخة استهدف سفارة إسرائيل (غيتي)

ما الذي تخطط له إيران عبر استخدام حرسها الثوري بشكل مباشر، ومن خلال أذرعها الميليشياوية المتمثلة في جماعة «حزب الله» بقارة أميركا اللاتينية؟ السؤال المتقدم طرح بشكل عاجل الأيام الماضية في الأرجنتين التي تجري فيها الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال كبار قادة العالم في قمة العشرين، التي ستُعقَد في العاصمة بيونس آيرس نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، والأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بعدما اكتشفت السلطات الأمنية أن هناك عناصر مسلحة يُشتبه في صلتها بـ«حزب الله» اللبناني، وضبطت بحوزتهما ذخيرة وكمية من الأسلحة وصورة لراية الجماعة الشيعية.

الشرطة الأرجنتينية أكدت على وجود أوراق هوية باللغة العربية للرجلين، ولهذا كان الربط السريع بينهما وبين «حزب الله» بنوع خاص، وبدأت الأسئلة والشكوك حول النيات الخبيثة للقيام بعمليات إرهابية في الدولة التي شهدت قبلاً تفجيرات مرتين، 1992 و1994. عدة أسئلة تواجهنا ونحن بصدد تفكيك المشهد الأخير، وفي المقدمة منها: «ما الذي تخطط له إيران من إرهاب متصاعد في مقبل الأيام؟».
ليس سراً القول إن نظام الملالي في طهران يعد ويرتب منذ فترة لسيناريوهات مختلفة يمكنه من خلالها مواجهة ومجابهة الولايات المتحدة الأميركية بسبب العقوبات الاقتصادية الخانقة والقاتلة التي أوقعها على طهران، ويمكن أن تؤدي بالنظام الإيراني إلى السقوط دفعة واحدة، الأمر الذي يتبدى واضحاً جداً من خلال تصريحات قادة الحرس الثوري الإيراني التي تعزز فرضية استعداداتهم لتحويل العالم برمته إلى رقعة ملتهبة بالنيران. في هذا السياق يتذكر المراقبون لإرهاب إيران و«حزب الله»، وهما واحد في نهاية الأمر، الهجمات الدموية التي قاموا بها في مارس (آذار) من عام 1992، حين استهدف تفجير انتحاري بسيارة مفخخة مبنى السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس، وتبنته مجموعة متطرفة لبنانية، أثبتت التحقيقات أنها تتحرك بتوجهات مباشرة من طهران، والمتابعون لسير الجماعات الإرهابية حول العالم يقولون إن تلك الفصيلة انحلَّت وانضمت إلى «حزب الله»، وإن هجوم السفارة الإسرائيلية لم يكن إلا انتقاماً لاغتيال الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي في فبراير (شباط) عام 1992.
ويعنّ للمراقب للعقلية الإيرانية التساؤل: إذا كان اغتيال فرد يدور في فلك الدائرة الإيرانية الكبرى كان هذا ثمنه؛ فكيف يخطط الإيرانيون الآن للانتقام حال سقوط النظام الإيراني، وخياراتهم في أميركا اللاتينية قوية وواسعة بسبب سوء الأحوال الاقتصادية هناك، عطفاً على الأوضاع السياسية المأزومة، وقد أعادوا إرهاب 1992، مرة ثانية، في 18 يوليو (تموز) 1994، عندما شنَّت المجموعة الشيعية عينها هجوماً دموياً آخر استهدف مبنى الجمعية التعاونية اليهودية الأرجنتينية.
لم تكن الأرجنتين وحدها محط أنظار إيران و«حزب الله»، بل هناك دول كبرى أخرى، مثل البرازيل، باتت تمثل هاجساً مقلقاً لأمن القارة اللاتينية برمتها، الأمر الذي أشارت إليه صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نقلاً عن إيمانويل أوتو لانغي، الزميل المشارك في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، الذي أشار في جلسة استماع لمجلس النواب الأميركي في يونيو (حزيران) 2016 إلى أن «حزب الله» له جذور قوية في البرازيل، وأن نحو سبعة ملايين شخص من أصول لبنانية، بينهم مليون شيعي، يعيشون في البرازيل وولاؤهم لـ«حزب الله»، ولهذا كان من الطبيعي أن تلقي الشرطة في البرازيل القبض على رجل تتهمه الولايات المتحدة الأميركية بأنه أحد أهم مسؤولي التمويل في «حزب الله» اللبناني، وهو المدعو أسعد أحمد، المتهم بغسل أموال قيمتها عشرة ملايين دولار نيابة عن «حزب الله» في أحد الكازينوهات بمنطقة «شلالات أجوازو»، وقد وصفته وزارة الخزانة الأميركية بأنه «إرهابي دولي».
هل القضية بالنسبة إلى إيران وميليشياتها مجرد تحركات عشوائية، حتى وإن كانت مصحوبة بالعنف وموسومة بالإرهاب، أم أن المشهد أعمق وأكثر تعقيداً مما هو ظاهر على السطح؟
الجواب الشافي الوافي يأخذنا إلى نوع من الذكاءات الشريرة الإيرانية في اللعب على الأوتار الدولية السياسية المتناقضة، التي وصل بعضها إلى حد العداء للبعض الآخر، كما حال الولايات المتحدة الأميركية مع عدد من دول أميركا اللاتينية مثل فنزويلا تحديداً؟
المؤكد أن تحركات عناصر «حزب الله» وإيران في تلك المنطقة لا سيما المثلث الحدودي بين بارغواي والأرجنتين والبرازيل سياسة عليا لتمكين إيران من تصدير مفاهيمها الراديكالية لقطاعات من العالم تشاركها العداء لواشنطن، إضافة إلى محاولة رسم خريطة جديدة لعملياتها اللوجيستية، التي هي إرهابية بالضرورة، ولا مانع من توثيق العلاقات مع شعوب القارة اللاتينية لتحقيق مصالح اقتصادية لا سيما أن هناك مثلثاً يجمع إيران مع الصين وروسيا، وهذا المثلث يجد في أميركا اللاتينية، التي هي الخلفية الجغرافية التاريخية لأميركا، أفضل موقع وموضع لإحداث توازنات سياسية وجيواستراتيجية، قادرة على إصابة واشنطن بصداع مقيم.
والثابت أن الأهداف الخاصة بالتحركات الإيرانية الأخيرة في القارة اللاتينية تؤكد على نياتها منازلة واشنطن، فإن إيران التي تعاني في الحال وستزداد أوضاعها الاقتصادية سوءاً في المستقبل القريب، إنما تعمل جاهدة للاستفادة من شراكات مالية في بعض تلك الدول، وبعيداً عن أعين واشنطن بنوع خاص، ولها في هذا السياق طريقان؛ الأول هو تهريب المخدرات، أما الثاني فيتمثل في غسل الأموال. وبالتبعية الموضوعية فإن «حزب الله» يسارع قبل الانهيار لتحصيل أكبر قدر ممكن من العائدات المالية التي تمكِّنه من مواصلة أعماله، ذلك أن تبرعات إيران، وباعتراف حسن نصر الله الأمين العالم للحزب، هي التي تقيم أود الحزب اللبناني، ومن دونها لن يبقى هناك مصدر دخل.
أما المسار الثاني، فيتصل بمحاولة إحداث عمليات إرهابية في القارة اللاتينية ضد المصالح الغربية عامة والأميركية خاصة، حال تحولت المواجهة بين طهران وواشنطن إلى سجال عسكري، وتالياً فإن عناصر «حزب الله» والحرس الثوري يمكن لهما التسلل إلى الداخل الأميركي عبر الحدود، أو وسط قوافل المهاجرين غير الشرعيين بنوع خاص، كما فعل عدد منهم اندسوا وسط المهاجرين لأوروبا الأعوام الماضية، ليشكل الفريقان مجموعات عمليات مسلحة لانتقامات إيران، وهو الأمر الذي لم يغب عن أعين الاستخبارات المركزية الأميركية ورجال المباحث الاتحادية ووزارة الخزانة وبقية الأجهزة المعنية.
في تقريرها السنوي حول الإرهاب لعام 2015 سلَّطت وزارة الخارجية الأميركية الضوء على شبكات الدعم المالي التي يحتفظ بها «حزب الله» في أميركا اللاتينية، وخلص التقرير إلى أن الحزب قادر على العمل في جميع أنحاء العالم، وبالفعل أحبطت إحدى مؤامرات «حزب الله» الأخيرة في بيرو، وشارك فيها عنصر من الحزب متزوج من مواطنة أميركية.
نحن إذن أمام محاولات إيرانية مستقرة ومستمرة، هدفها ترسيخ النشاطات الإيرانية في أميركا اللاتينية، الأمر الذي يشكل جزءاً من استراتيجية إيرانية شاملة تتعدى أهدافها إلى حد أبعد بكثير تحقيق الهيمنة في الشرق الأوسط، وفي إطار هذه الاستراتيجية، فإن إيران التي تعتبر نفسها مطوّقة على أيدي الولايات المتحدة الأميركية، والتي تدير بإصرار وحزم الأزمة النووية أمام الغرب تسعى إلى وضع تحدٍّ ثوري أمام الولايات المتحدة الأميركية في ساحتها الخلفية، وفي مناطق جغرافية أخرى في آسيا وأفريقيا.
لأجل ذلك تستغلّ إيران جيداً فوائدها النسبية: الآيديولوجية والمفردات البلاغية الخطابية المناوئة لأميركا، وإلى جانب ذلك البترو – دولارات التي يمكن استخدامها لأغراض سياسية، ووجود سكان من أصول عربية شيعية يقطنون في بلدان رئيسية في أميركا اللاتينية، ويشكلون رافعة لتطوير المصالح الإيرانية.
هل يغيب الإرهاب الإيراني وتابعه «حزب الله» عن أعين إدارة الرئيس ترمب؟
المقطوع به أن الإيرانيين و«حزب الله» يهيئون أنفسهم للحظة المواجهة الخشنة والانقضاض، من ثم، على المصالح الأميركية في أميركا اللاتينية، وكذلك في الداخل الأميركي نفسه، ولعل ما توقعه الأميركيون آخذ في الحدوث بالفعل، ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي أدى تحقيق مشترك لجهاز المباحث الاتحادية، وإدارة شرطة مدينة نيويورك، إلى اعتقال شخصين قيل إنهما يعملان باسم الجناح الإرهابي لـ«حزب الله» الذي يُطلق عليه اسم تنظيم الجهاد الإسلامي، والذي تردد أنه انضمَّ قبلاً إلى «حزب الله».
المثير أن أحدهما أفاد في التحقيقات بأنه بتوجيه من مشغليه في «حزب الله» نفَّذ مهمات في بنما لتحديد مواقع السفارتين الأميركية والإسرائيلية، فضلاً عن تقييم نقاط الضعف في مجرى قناة بنما، وكذلك السفن التي تعبر القناة، وذلك وفق إيجاز صحافي صدر عن وزارة العدل الأميركية.
أما الشخص الآخر، فقد قام بإجراء عمليات استطلاع لأهداف محتملة في أميركا، بما في ذلك منشآت عسكرية وأخرى تابعة لأجهزة إنفاذ القانون في مدينة نيويورك... ما النتيجة التي خلص إليها الأميركيون؟
يمكن القول دون تهويل إن قارة أميركا اللاتينية قد باتت عرضة لمحاولات استغلال واحتلال مالي وآيديولوجي من جهة إيران، وذلك وفي دول تتآكل اقتصادياً يكون من اليسير للغاية أن ينتشر الفساد، وهذا بدوره أفضل باب لولوج الإرهاب الأعمى، بسبب توافر الأموال السائلة، فبحسب تقرير سري للأجهزة الاستخباراتية الأميركية نجح «حزب الله»، بفضل شبكات علاقاته في أميركا اللاتينية في تبييض ما بين 600 و700 مليون دولار بين 2014 و2016، وذلك بعد مقاطعة ومراجعة معلومات مصرفية سرية حصلت عليها الأجهزة الأميركية من مصارف وبنوك وشركات عاملة في منطقة المثلث الحدودي المشار إليها سلفاً. هل هي جبهة إرهاب جديدة تفتحها إيران حول العالم؟ القصة في مبتدئها مرتبطة ارتباطاً جذرياً بتطورات المشهد الأميركي الإيراني القائم والقادم.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.