حواضن «داعش»... منابع الإرهاب

تحمل أفكار التنظيم لعقول الأطفال

نساء من «داعش»... من إحدى صفحات التنظيم الإرهابي
نساء من «داعش»... من إحدى صفحات التنظيم الإرهابي
TT

حواضن «داعش»... منابع الإرهاب

نساء من «داعش»... من إحدى صفحات التنظيم الإرهابي
نساء من «داعش»... من إحدى صفحات التنظيم الإرهابي

مخاوف أنظمة الدول تتزايد يوم بعد يوم من كارثة اسمها «حواضن داعش»، لأنهم يشكلون «قنابل موقوتة» قد تنفجر في أي وقت مستقبلاً. فالمتابع للتنظيم الإرهابي يلحظ كيف كانت النساء مخولات بالمهام الفرعية بعيداً عن القتال؛ لكن الهزائم دفعت بالداعشيات إلى حمل السلاح والقتال وتنشئة أجيال جديدة على العنف. وقال خبراء وأكاديميون لـ«الشرق الأوسط» إن «النساء كُن أكثر تجاوباً مع الخطاب التحريضي الذي بثه التنظيم الإرهابي، الذي لا يألو جهداً في استخدام كافة الوسائل من أجل ضمان مورد لتجنيد مُقاتلين ومُقاتلات صغار عبر الأمهات الداعشيات أو الانغماسيات». محذرين من خطورة الإيقاع بالنساء واستغلالهن كحواضن لتخريج أطفال «إرهابيين»، لأن توجيه الأم للطفل في سن مبكرة بالغ التأثير جداً، حيث يكبر ويندفع بسبب ما تربى عليه إلى قتل الأبرياء وتخريب الأوطان.
الكلام السابق اتسق مع تقارير دولية كشفت عن أن التنظيم لجأ إلى النساء لسد النقص في عدد مقاتليه، وأنهن أصبحن يتلقين التدريبات العسكرية للمشاركة في القتال، وأصبحن خياره للمستقبل، عقب فرار عناصره المقاتلة من سوريا والعراق.
ولعبت النساء أدواراً محورية في «داعش» من بينها دعم الأزواج، وتربية الأبناء على الأفكار المتطرفة فضلاً عن تجنيد الأخريات، كما كُن بمثابة حلقة الوصل بين التنظيمات المتطرفة، فضلاً عن تصدرهن مناصب عليا بالتنظيمات، والدفع بهن في العمليات الإرهابية، وباتت الآن حواضن لحمل أفكار الدواعش إلى عقول الأطفال.
يؤكد الأكاديمي الدكتور محمد أحمد سرحان، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر بمصر، أن «الدواعش» لا صلة لهم بالإنسانية، فالدين الإسلامي كرم المرأة ورفعها إلى منزلة رفيعة... فاهتمام الإسلام وعنايته بالمرأة تأتي من حيث إنها ليست فقط نصف المجتمع؛ بل إنها صانعة النصف الآخر فهي الأم والأخت والزوجة، وإذا كانت المرأة أداة استمالة بطبيعتها، فإن هؤلاء – من وصفهم بالمارقين - يستغلونها بوضاعة شديدة من هذه الناحية. مضيفاً: سمعنا عن سوق النخاسة وجهاد النكاح، وما إلى ذلك من أمور يندى لها جبين البشرية... والخطورة في الإيقاع بالنساء واستغلالهن كحواضن لتخريج أطفال «إرهابيين»، لأن تربية المرأة وتوجيهها للطفل في سن مبكرة بالغ التأثير جداً، حيث يكبر هؤلاء الأطفال ويندفعون بسبب ما اعتقدوه وتربوا عليه إلى قتل الأبرياء وانتهاك الحرمات وتخريب الأوطان.
ويرى مراقبون أن «توظيف النساء في تنفيذ العمليات الإرهابية حقق الكثير من المزايا لـ(داعش) إلى جانب مضاعفة المجندات المحتملات، حيث ساهم في تقليل المتابعة الأمنية لهن، ما مكنهن من المرور للأماكن المزدحمة والمستهدفة بسهولة دون إثارة للريبة».
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، أن «العمليات الانتحارية التي تقوم بها النساء تكون في إطار ما يسمى حروب «الإنهاك»، وتعتبر الوسيلة الأكثر نجاحاً من أجل إلحاق الأذى والضرر على أوسع نطاق ممكن»، لافتاً إلى أن عنصر جذب آخر للنساء في تلك التنظيمات، قد يظهر جلياً في مدى الدعم والإعجاب المتحمس الذي يظهر بوضوح عبر شبكات التواصل الاجتماعي من نساء مسلمات أوروبيات يعبرن عن دعمهن لنساء «داعش»... فالنساء أكثر تجاوباً للخطاب التحريضي الذي يبثه التنظيم عبر المنصات الإلكترونية.
و«داعش» أسس في السابق كتيبتين للنساء هما «الخنساء» و«أم الريحان»، ومهمتهما كانت شرح تعاليم الإسلام، وفي العراق امتد التوظيف الداعشي للنساء في العمل الشرطي ضمن جهاز «الحسبة»... وكانت كتيبة «الحسبة النسائية» تقدر بنحو 400 سيدة، كن يتمركزن في عواصم التنظيم واقتصر دورهن على ضبط مخالفات النساء، بالإضافة إلى توفير الزوجات للمقاتلين، وتلقي الدورات التدريبية على حمل السلاح وتنفيذ العمليات الانتحارية، ومن أبرز الأسماء في ذلك الجهاز أم سليمان العراقية.
«فتاوى متناقضة»
إصدار مرئي باسم «صولات الموحدين 2» بثه ما يسمى بالمكتب الإعلامي للبركة التابع لـ«داعش» كشف عن سعي التنظيم لتصدير صورة مشاركة عناصر نسائية مكشوفة الوجه في القتال ضد عناصر الجيش السوري؛ وذلك في محاولة من التنظيم لكسب وتجنيد عناصر جديدة من المتعاطفات مع التنظيم، وتعويض خسائره بعد تزايد أعداد القتلى من الرجال، وكثرة أعداد الفارين والمنشقين بين صفوفه.
تعليقاً، قالت دراسة لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، إن إشراك عناصر نسائية في عمليات قتالية يكشف حقيقة إفلاس التنظيم العقائدي، ويفضح حجم تناقض ممارساته مع عدد الفتاوى التي سعى إلى فرضها خلال السنوات الماضية، منها، أن اصطحاب مقاتلات لتنفيذ عمليات تتناقض كلياً مع نص فتوى لإذاعة «البيان» التابعة للتنظيم تعلقت «بمشاركة المرأة في الغزوات»؛ حيث أكدت أن الأصل في المرأة أنها ليست من أهل الجهاد فلم يخاطبها الشرع بالقتال، كما نهت عن اصطحاب النساء في ساحات القتال خشية الوقوع في الأسر أو السبي.
وكشفت دارسة الإفتاء عن أن كشف المرأة لوجهها في العمليات حسبما أبرز الإصدار يتعارض مع فتوى التنظيم التي جاءت في مطوية تحت عنوان «أدلة وجوب ستر المرأة» حيث أكدت أن الأصل للمرأة المسلمة هو أن تقر في منزلها لا ترى الرجال ولا يرونها، ولا تخرج من المنزل إلا للضرورة، وإذا خرجت مُنعت من التبرج أي إظهار أي شيء من البدن كالوجه أو اليد أو القدم. فضلاً عن أن ارتداء المرأة لزي المقاتلين يتنافى بشكل جلي مع شروط حجاب المرأة الشرعي الذي وضعه التنظيم في مطوية تحت عنوان «عفافك في حجابك».
«مناصب قيادية»: شاركت المرأة في عمليات تعليمية ولوجيستية وطبية للمصابين من عناصر التنظيم، إلى جانب الأدوار الداعمة كأمهات وزوجات، غير أن بعضهن شاركن في مناصب تنظيمية وقيادية داخل «داعش»، وشاركن في عمليات التخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية.
في غضون ذلك، تحدثت دراسة أخرى في يونيو (حزيران) عام 2016 عن وجود ما يقرب من 35 ألف امرأة حامل كانت في طريقهن لإنجاب صغار في سوريا والعراق، وأن «داعش» هدف إلى تكوين جيل من الأطفال المقاتلين تم تلقينهم عقيدة الكراهية منذ الصغر من خلال تدريبهم على العنف.
ويقول المراقبون إن «داعش» استخدم الأطفال في دعايته القتالية 300 مرة خلال الأشهر الماضية، ظهر الأطفال حاملين الأسلحة الثقيلة، ونفذ بعضهم عمليات انتحارية. المراقبون أكدوا أن النساء هن البذرة التي تُنجب جيلا جديدا من الأطفال المحاربين، ليكونوا كتائب التنظيم في المستقبل، للقيام بعمليات إرهابية وتفجير أنفسهم إذا طُلب منهم ذلك، لذا فالمرأة لها دور كبير جداً داخل التنظيم، وهذا الدور يزداد مع خسائر التنظيم في المستقبل.
يهدف «داعش» من سعيه لتجنيد الصغيرات تدريبهن على كيفية استخدام السلاح والقيام بعمليات انتحارية مستقبلية خاصة في الغرب، بعد أن يتم تعريفهن بفنون القتال، وذلك ضمن مسعى التنظيم لخلق جيل جديد من الانتحاريات يتخذن من فكره ومنهجه الضال عقيدة ومنهاجا. وقدر المراقبون نسبة المراهقات المنضمات لتنظيم داعش نحو 55 في المائة، وأن حلمهن كان في البداية مجرد الزواج بأحد عناصر التنظيم؛ لكن تحول إلى سعيهن لتنفيذ هجمات انتحارية والمشاركة في القتال. وقال الخبراء إن «داعش» يستخدم الغربيات العائدات من سوريا والعراق في التخطيط للعمليات الإرهابية حول العالم، واستخدامهن كمنسقات لها من خلال الإنترنت، حيث يقمن بدور المنسق بين قيادة التنظيم والأفراد المقاتلين أو الخلايا الصغيرة القتالية... وتقوم المخططات بتنسيق التواصل في العالم الافتراضي بين القيادات التي توجه بأماكن شن الهجمات وكيفية القيام بها، والأفراد المنضمين للتنظيم. وتتواصل الكتائب الداعشية مع النساء عبر قنوات متخصصة على «تلغرام»، فالتنظيم أعد جيلاً من «المنظرات الجديدات»، لم يكتفين بدراسة المواد الشرعية وحضور الدورات التي يقدمها التنظيم، بل يشاركن بأنفسهن في استقطاب غيرهن من الرجال والنساء.
الأكاديمية الدكتورة إلهام محمد شاهين، المتخصصة في العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، قالت إن المرأة في «داعش» كانت مهمتها الإنجاب والخدمة المنزلية وهؤلاء كُن غالباً من السبايا والأسيرات، وأخريات كانت مهمتهن الخدمة المدنية في التعليم والصحة، فضلاً عن المجاهدات اللاتي حملن السلاح.
وعن قبول النساء الحمل والإنجاب من «الدواعش»، أكد اللواء كمال المغربي، الخبير الأمني، أن تنظيم داعش لا يألو جهداً في استخدام كافة الوسائل لضمان مورد لتجنيد مُقاتلين ومُقاتلات جُدد لصفوفه، ومن أبرز العوامل التي يستغلها التنظيم من أجل جذب أعداد جديدة لصفوفه هي ضعف الوازع الديني، الذي يتوفر في المسلمات الجُدد، اللاتي لم تكتمل لديهن حصيلة وافية من المعرفة الواعية للإسلام، وهن يقبلن بالإنجاب من الدواعش، وحمل أفكار التنظيم للصغار بعد الولادة.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟