حواضن «داعش»... منابع الإرهاب

تحمل أفكار التنظيم لعقول الأطفال

نساء من «داعش»... من إحدى صفحات التنظيم الإرهابي
نساء من «داعش»... من إحدى صفحات التنظيم الإرهابي
TT

حواضن «داعش»... منابع الإرهاب

نساء من «داعش»... من إحدى صفحات التنظيم الإرهابي
نساء من «داعش»... من إحدى صفحات التنظيم الإرهابي

مخاوف أنظمة الدول تتزايد يوم بعد يوم من كارثة اسمها «حواضن داعش»، لأنهم يشكلون «قنابل موقوتة» قد تنفجر في أي وقت مستقبلاً. فالمتابع للتنظيم الإرهابي يلحظ كيف كانت النساء مخولات بالمهام الفرعية بعيداً عن القتال؛ لكن الهزائم دفعت بالداعشيات إلى حمل السلاح والقتال وتنشئة أجيال جديدة على العنف. وقال خبراء وأكاديميون لـ«الشرق الأوسط» إن «النساء كُن أكثر تجاوباً مع الخطاب التحريضي الذي بثه التنظيم الإرهابي، الذي لا يألو جهداً في استخدام كافة الوسائل من أجل ضمان مورد لتجنيد مُقاتلين ومُقاتلات صغار عبر الأمهات الداعشيات أو الانغماسيات». محذرين من خطورة الإيقاع بالنساء واستغلالهن كحواضن لتخريج أطفال «إرهابيين»، لأن توجيه الأم للطفل في سن مبكرة بالغ التأثير جداً، حيث يكبر ويندفع بسبب ما تربى عليه إلى قتل الأبرياء وتخريب الأوطان.
الكلام السابق اتسق مع تقارير دولية كشفت عن أن التنظيم لجأ إلى النساء لسد النقص في عدد مقاتليه، وأنهن أصبحن يتلقين التدريبات العسكرية للمشاركة في القتال، وأصبحن خياره للمستقبل، عقب فرار عناصره المقاتلة من سوريا والعراق.
ولعبت النساء أدواراً محورية في «داعش» من بينها دعم الأزواج، وتربية الأبناء على الأفكار المتطرفة فضلاً عن تجنيد الأخريات، كما كُن بمثابة حلقة الوصل بين التنظيمات المتطرفة، فضلاً عن تصدرهن مناصب عليا بالتنظيمات، والدفع بهن في العمليات الإرهابية، وباتت الآن حواضن لحمل أفكار الدواعش إلى عقول الأطفال.
يؤكد الأكاديمي الدكتور محمد أحمد سرحان، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر بمصر، أن «الدواعش» لا صلة لهم بالإنسانية، فالدين الإسلامي كرم المرأة ورفعها إلى منزلة رفيعة... فاهتمام الإسلام وعنايته بالمرأة تأتي من حيث إنها ليست فقط نصف المجتمع؛ بل إنها صانعة النصف الآخر فهي الأم والأخت والزوجة، وإذا كانت المرأة أداة استمالة بطبيعتها، فإن هؤلاء – من وصفهم بالمارقين - يستغلونها بوضاعة شديدة من هذه الناحية. مضيفاً: سمعنا عن سوق النخاسة وجهاد النكاح، وما إلى ذلك من أمور يندى لها جبين البشرية... والخطورة في الإيقاع بالنساء واستغلالهن كحواضن لتخريج أطفال «إرهابيين»، لأن تربية المرأة وتوجيهها للطفل في سن مبكرة بالغ التأثير جداً، حيث يكبر هؤلاء الأطفال ويندفعون بسبب ما اعتقدوه وتربوا عليه إلى قتل الأبرياء وانتهاك الحرمات وتخريب الأوطان.
ويرى مراقبون أن «توظيف النساء في تنفيذ العمليات الإرهابية حقق الكثير من المزايا لـ(داعش) إلى جانب مضاعفة المجندات المحتملات، حيث ساهم في تقليل المتابعة الأمنية لهن، ما مكنهن من المرور للأماكن المزدحمة والمستهدفة بسهولة دون إثارة للريبة».
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، أن «العمليات الانتحارية التي تقوم بها النساء تكون في إطار ما يسمى حروب «الإنهاك»، وتعتبر الوسيلة الأكثر نجاحاً من أجل إلحاق الأذى والضرر على أوسع نطاق ممكن»، لافتاً إلى أن عنصر جذب آخر للنساء في تلك التنظيمات، قد يظهر جلياً في مدى الدعم والإعجاب المتحمس الذي يظهر بوضوح عبر شبكات التواصل الاجتماعي من نساء مسلمات أوروبيات يعبرن عن دعمهن لنساء «داعش»... فالنساء أكثر تجاوباً للخطاب التحريضي الذي يبثه التنظيم عبر المنصات الإلكترونية.
و«داعش» أسس في السابق كتيبتين للنساء هما «الخنساء» و«أم الريحان»، ومهمتهما كانت شرح تعاليم الإسلام، وفي العراق امتد التوظيف الداعشي للنساء في العمل الشرطي ضمن جهاز «الحسبة»... وكانت كتيبة «الحسبة النسائية» تقدر بنحو 400 سيدة، كن يتمركزن في عواصم التنظيم واقتصر دورهن على ضبط مخالفات النساء، بالإضافة إلى توفير الزوجات للمقاتلين، وتلقي الدورات التدريبية على حمل السلاح وتنفيذ العمليات الانتحارية، ومن أبرز الأسماء في ذلك الجهاز أم سليمان العراقية.
«فتاوى متناقضة»
إصدار مرئي باسم «صولات الموحدين 2» بثه ما يسمى بالمكتب الإعلامي للبركة التابع لـ«داعش» كشف عن سعي التنظيم لتصدير صورة مشاركة عناصر نسائية مكشوفة الوجه في القتال ضد عناصر الجيش السوري؛ وذلك في محاولة من التنظيم لكسب وتجنيد عناصر جديدة من المتعاطفات مع التنظيم، وتعويض خسائره بعد تزايد أعداد القتلى من الرجال، وكثرة أعداد الفارين والمنشقين بين صفوفه.
تعليقاً، قالت دراسة لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، إن إشراك عناصر نسائية في عمليات قتالية يكشف حقيقة إفلاس التنظيم العقائدي، ويفضح حجم تناقض ممارساته مع عدد الفتاوى التي سعى إلى فرضها خلال السنوات الماضية، منها، أن اصطحاب مقاتلات لتنفيذ عمليات تتناقض كلياً مع نص فتوى لإذاعة «البيان» التابعة للتنظيم تعلقت «بمشاركة المرأة في الغزوات»؛ حيث أكدت أن الأصل في المرأة أنها ليست من أهل الجهاد فلم يخاطبها الشرع بالقتال، كما نهت عن اصطحاب النساء في ساحات القتال خشية الوقوع في الأسر أو السبي.
وكشفت دارسة الإفتاء عن أن كشف المرأة لوجهها في العمليات حسبما أبرز الإصدار يتعارض مع فتوى التنظيم التي جاءت في مطوية تحت عنوان «أدلة وجوب ستر المرأة» حيث أكدت أن الأصل للمرأة المسلمة هو أن تقر في منزلها لا ترى الرجال ولا يرونها، ولا تخرج من المنزل إلا للضرورة، وإذا خرجت مُنعت من التبرج أي إظهار أي شيء من البدن كالوجه أو اليد أو القدم. فضلاً عن أن ارتداء المرأة لزي المقاتلين يتنافى بشكل جلي مع شروط حجاب المرأة الشرعي الذي وضعه التنظيم في مطوية تحت عنوان «عفافك في حجابك».
«مناصب قيادية»: شاركت المرأة في عمليات تعليمية ولوجيستية وطبية للمصابين من عناصر التنظيم، إلى جانب الأدوار الداعمة كأمهات وزوجات، غير أن بعضهن شاركن في مناصب تنظيمية وقيادية داخل «داعش»، وشاركن في عمليات التخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية.
في غضون ذلك، تحدثت دراسة أخرى في يونيو (حزيران) عام 2016 عن وجود ما يقرب من 35 ألف امرأة حامل كانت في طريقهن لإنجاب صغار في سوريا والعراق، وأن «داعش» هدف إلى تكوين جيل من الأطفال المقاتلين تم تلقينهم عقيدة الكراهية منذ الصغر من خلال تدريبهم على العنف.
ويقول المراقبون إن «داعش» استخدم الأطفال في دعايته القتالية 300 مرة خلال الأشهر الماضية، ظهر الأطفال حاملين الأسلحة الثقيلة، ونفذ بعضهم عمليات انتحارية. المراقبون أكدوا أن النساء هن البذرة التي تُنجب جيلا جديدا من الأطفال المحاربين، ليكونوا كتائب التنظيم في المستقبل، للقيام بعمليات إرهابية وتفجير أنفسهم إذا طُلب منهم ذلك، لذا فالمرأة لها دور كبير جداً داخل التنظيم، وهذا الدور يزداد مع خسائر التنظيم في المستقبل.
يهدف «داعش» من سعيه لتجنيد الصغيرات تدريبهن على كيفية استخدام السلاح والقيام بعمليات انتحارية مستقبلية خاصة في الغرب، بعد أن يتم تعريفهن بفنون القتال، وذلك ضمن مسعى التنظيم لخلق جيل جديد من الانتحاريات يتخذن من فكره ومنهجه الضال عقيدة ومنهاجا. وقدر المراقبون نسبة المراهقات المنضمات لتنظيم داعش نحو 55 في المائة، وأن حلمهن كان في البداية مجرد الزواج بأحد عناصر التنظيم؛ لكن تحول إلى سعيهن لتنفيذ هجمات انتحارية والمشاركة في القتال. وقال الخبراء إن «داعش» يستخدم الغربيات العائدات من سوريا والعراق في التخطيط للعمليات الإرهابية حول العالم، واستخدامهن كمنسقات لها من خلال الإنترنت، حيث يقمن بدور المنسق بين قيادة التنظيم والأفراد المقاتلين أو الخلايا الصغيرة القتالية... وتقوم المخططات بتنسيق التواصل في العالم الافتراضي بين القيادات التي توجه بأماكن شن الهجمات وكيفية القيام بها، والأفراد المنضمين للتنظيم. وتتواصل الكتائب الداعشية مع النساء عبر قنوات متخصصة على «تلغرام»، فالتنظيم أعد جيلاً من «المنظرات الجديدات»، لم يكتفين بدراسة المواد الشرعية وحضور الدورات التي يقدمها التنظيم، بل يشاركن بأنفسهن في استقطاب غيرهن من الرجال والنساء.
الأكاديمية الدكتورة إلهام محمد شاهين، المتخصصة في العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، قالت إن المرأة في «داعش» كانت مهمتها الإنجاب والخدمة المنزلية وهؤلاء كُن غالباً من السبايا والأسيرات، وأخريات كانت مهمتهن الخدمة المدنية في التعليم والصحة، فضلاً عن المجاهدات اللاتي حملن السلاح.
وعن قبول النساء الحمل والإنجاب من «الدواعش»، أكد اللواء كمال المغربي، الخبير الأمني، أن تنظيم داعش لا يألو جهداً في استخدام كافة الوسائل لضمان مورد لتجنيد مُقاتلين ومُقاتلات جُدد لصفوفه، ومن أبرز العوامل التي يستغلها التنظيم من أجل جذب أعداد جديدة لصفوفه هي ضعف الوازع الديني، الذي يتوفر في المسلمات الجُدد، اللاتي لم تكتمل لديهن حصيلة وافية من المعرفة الواعية للإسلام، وهن يقبلن بالإنجاب من الدواعش، وحمل أفكار التنظيم للصغار بعد الولادة.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».