يوميات مراسل من غزة: رغم غارات إسرائيل المتتالية.. البعض يتطلع للعيد

يوميات مراسل من غزة: رغم غارات إسرائيل المتتالية.. البعض يتطلع للعيد
TT

يوميات مراسل من غزة: رغم غارات إسرائيل المتتالية.. البعض يتطلع للعيد

يوميات مراسل من غزة: رغم غارات إسرائيل المتتالية.. البعض يتطلع للعيد

استيقظت هذا الصباح مجددا على أصوات تجدد الغارات الإسرائيلية العنيفة على غزة مع الإعلان عن فشل الهدنة الإنسانية في الصباح، ثم إعادة تثبيتها مع ظهر اليوم، وكانت أولى الغارات استهدفت منزلا لا يبعد عن منزل عائلتي أكثر من 650 مترا، فأفزع القصف كل سكان مخيم الشاطئ وحي النصر والمحيط بأكمله.
خرجت مسرعا من البيت كالعشرات من سكان المخيم لنرى الدمار الذي حل بعائلة الدجني الذي استهدف منزلها مما ألحق أضرارا ببعض المنازل المجاورة في المخيم، ولفت انتباهي حينها أن الكثير من الأطفال لم يهابوا القصف فسارعوا لرؤية مكان الغارة الإسرائيلية، قبل الكبار، ووقفوا على أنقاض المنزل وما لبثوا أن غادروا المكان وهم يرددون التكبيرات.
ترجلت على بعد عشرات الأمتار من المنزل المستهدف نحو سوق المخيم، فوجدت المئات من المواطنين يتسوقون استعدادا للعيد. وقال جاري أبو علي، الذي خرج هو الآخر لتفقد منزل عائلة الدجني، إن «الناس لم يعد يهمها شيء، حتى إنها بدأت بشراء ألعاب العيد للأطفال». وعندما رأى الدهشة مرتسمة على وجهي، أضاف: «هناك محال عند مدخل السوق لألعاب الأطفال وبعض ملابس العيد».
ما هي إلا لحظات حتى وصلت إلى السوق، فوجدت عشرات الأطفال وهم يتزاحمون على محل الألعاب ويسابق بعضهم بعضا في شراء أفضل ما هو موجود من ألعاب السيارات والدمى وحتى الأسلحة البلاستيكية التي يلهون بها، ووجدت على بعد على خمسة أمتار من ذاك المحل، النساء يتجمعن أمام محل لبيع الملابس إلى جانب أطفالهن وهن يفاصلن البائع في الأسعار.
وفي لحظات الظهيرة وحين كانت السوق تعج بالمواطنين، انهالت عشرات القذائف على بعد كيلومتر واحد فقط، وذلك في منطقة المخابرات القريبة من الشاطئ الشمالي. وعلى الرغم من استمرار سماع دوي الانفجارات العنيفة فإن المواطنين استمروا في التسوق والتزود باحتياجات منازلهم.
وكل ذلك يجري بينما جنازات الضحايا تمر من كل شارع وزقاق، وطائرات الاحتلال تحلق فوق رؤوس الناس، الذين يردون بكبرياء: «اقصفوا كيفما تشاؤون.. باقون هنا ما بقي الزعتر والزيتون.. دمروا البيوت واقتلوا العائلات واقصفوا من تريدون.. ولكننا سنحيا كما نريد». هذا ما حدثتني به نفسي وأنا أنظر إلى وجوه الأهالي وهي تراقب صاروخا ضرب منزلا لا يبعد عشرات الأمتار عن السوق، وقد تسابق آخرون نحو القصف لمعاينة الأضرار، بينما آثر آخرون البقاء في السوق للتبضع.
لم يفاجئني ذلك، فالفلسطينيون يعيشون يوميا حياة التناقضات، بين الألم والسعادة، والحياة والموت.
لكن الحياة تستمر على الرغم من كل شيء ولا تعرف التوقف وسط بصيص من الأمل بأن يحل السلام يوما ما.. وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل؟



الحوثيون يشرّعون للاستيلاء على موارد بقية المؤسسات

الحوثيون يستأثرون بموارد المؤسسات للإنفاق على التعبئة القتالية والطائفية (أ.ف.ب)
الحوثيون يستأثرون بموارد المؤسسات للإنفاق على التعبئة القتالية والطائفية (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يشرّعون للاستيلاء على موارد بقية المؤسسات

الحوثيون يستأثرون بموارد المؤسسات للإنفاق على التعبئة القتالية والطائفية (أ.ف.ب)
الحوثيون يستأثرون بموارد المؤسسات للإنفاق على التعبئة القتالية والطائفية (أ.ف.ب)

قدم الحوثيون ما وصفوه بـ«مشروع قانون استثنائي» لصرف نصف راتب لموظفي الدولة في مناطق سيطرتهم، في خطوة ممهِّدة لوضع يد الجماعة الانقلابية على بقية أموال مؤسسات الدولة والصناديق النوعية، وفي مقدمتها صندوق التعليم، وسط اتهامات للجماعة بالسعي لتعميم الفقر على كل الوحدات العامة بعد تسع سنوات من قطع رواتب موظفي الخدمة المدنية ومنتسبي قوات الجيش والأمن.

وذكرت مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة، في محاولةٍ لامتصاص النقمة الشعبية جراء قطع المرتبات وتعاظم الركود الاقتصادي، بدأت بالحديث عن برنامج تقشفي وآلية لدفع جزء من المرتبات للموظفين العموميين.

الحوثيون يسعون إلى الاستحواذ على كل أموال الصناديق والجهات الإيرادية (إعلام محلي)

ولهذا الغرض قدمت الجماعة التي تسيطر على معظم مناطق شمال اليمن ما سمَّته «مشروع قانون الآلية الاستثنائية لصرف رواتب الموظفين» في ظل تحذيرات المصادر من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى إزاحة الآلاف من الموظفين عن طريق الإحالة إلى التقاعد، وتثبيت عناصر الجماعة الذين تم توظيفهم من خارج قوائم طلبات التوظيف المقيدة لدى الخدمة المدنية.

ورأت المصادر أن المشروع الذي يقوم على أساس أخذ أموال المؤسسات الإيرادية والصناديق، يثير المخاوف لأنه قد يؤدي إلى انهيار هذه الجهات، بخاصة أن المشروع ينص على أن الحكومة، التي لا يعترف بها أحد، غير ملزمة بإعادة تلك الأموال.

وقال النائب البرلماني عبده بشر، وهو وزير تجارة سابق في حكومة الانقلاب الحوثية، إن تقديم المشروع الذي في «ظاهره الرحمة وباطنه العذاب» سيؤدي إلى استكمال مصادرة أموال الوحدات المستقلة والملحقة والصناديق، ومنها «صندوق المُعلم»، والنتيجة ستكون صرف نصف راتب كل 3 أشهر، وفي أحسن الأحوال نصف راتب شهرياً ومصادرة أي حقوق سابقة.

استبعاد الآلاف

ووفقاً لما جاء في مواد المشروع الانقلابي، فإن صرف نصف راتب كل شهر (إنْ أمكن) سيكون مرتبطاً بكشف الراتب الموحد المعتمَد من الخدمة المدنية، الذي أعدَّه الحوثيون وتم بموجبه استبعاد الآلاف من الموظفين بحجة الانقطاع عن العمل، مع أنهم ذهبوا للبحث عن فرص عمل بعد سنوات من قطع رواتبهم.

كما سيؤدي المضي في هذا الإجراء، طبقاً لمصادر عاملة في مؤسسات حكومية في صنعاء، إلى حرمان العاملين في الوحدات الإيرادية من المكافآت والحوافز ومساواتهم مع بقية منتسبي الجهات الأخرى.

صورة من مشروع الآلية التي تمنح الحوثيين حق مصادرة أموال المؤسسات (إعلام محلي)

إلى ذلك، ألغت المادة الأخيرة في المشروع أي نص في أي قانون نافذ يتعارض مع أحكام هذا المشروع، وهو ما يتعارض مع نصوص دستورية وقانونية تقر بحق الموظفين في المرتبات وتحافظ على حقوقهم.

ويمنح مشروع هذه الآلية وزير المالية الحوثي عبد الجبار الجرموزي، سلطة تحديد الوحدات الإيرادية التي ستتم مصادرة أموالها لصالح هذه الخطوة، وتحديد المبالغ التي سيتم فرضها على كل جهة، كما أعطاه حق سحب تلك المبالغ من أرصدة الجهات لدى أي بنك حكومي أو خاص أو مختلط، مع أن القانون اليمني يمنع الصرف من الإيرادات بشكل مطلق.

تخلٍّ عن الالتزامات

ونصَّ المشروع الحوثي الذي يُتوقع أن يصادق عليه ما يسمى مجلس النواب في صنعاء، على أن المبالغ المفروضة على الوحدات والجهات لا تعد قرضاً أو دَيناً على الحكومة غير المعترف بها أو الخزانة العامة، كما ينص على أنها غير ملزمة بالتعويض عن تلك الأموال المصادرة، ويقول إنه وفي حالة تحصلت الجهات على التعويضات، فسيتم النظر في إمكانية إرجاع تلك المبالغ إليها من عدمه.

حكومة الحوثيين الجديدة تتجه لتدمير ما تبقى من مؤسسات (إعلام محلي)

ويعتقد «م.س»، وهو باحث اقتصادي يمني يقيم في صنعاء، أن ما يسمى مجلس النواب سيقر هذا المشروع، لكنه لن يجرؤ على مطالبة الحوثيين بالكشف عن حجم إيرادات الضرائب والجمارك وغيرها من فوارق بيع النفط والغاز أو الاتصالات. ووصف الحكومة الجديدة للانقلابيين بأنها أسوأ من سابقتها، وقال إنهم يصرون على مساواة الناس في الجوع رغم قدرتهم على إشباع الجميع.

وتساءل الباحث عما إذا كان ما يسمى مجلس النواب يعرف إيراد أي جهة. وذكر أن عائدات ضريبة القيمة المضافة فقط لعشرة أشهر وصلت إلى 205 مليارات ريال (الدولار 535 ريالاً يمنياً). وقال إن هذه عائدات ضريبة واحدة، فكيف بباقي الضرائب والجمارك وغيرها. وبيّن أن المؤسسات التي يراد «وأدها» تورد 65 في المائة من إيراداتها إلى فرع البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين، وتساءل: «أين تذهب تلك الإيرادات؟».

ونصح الرجل «ما تبقى من ديكور السلطة التشريعية» بعدم تلطيخ أيديهم بقتل ما تبقى من الناس، وقال: «إما أن يفعِّلوا سلطتهم في كل شيء، وإما أن يعلنوا وفاة هذه السلطة، التي قد يكون إقرارها لهكذا جريمة، شرعنة لباطل وحرب إبادة عن طريق الجوع»، وفق تعبيره.