ساعات تحكي أسرار الوقت بأغلى المعادن

يتعدى سعرها مئات الآلاف والطلب عليها متزايد

«بياجيه»  Piaget
«بياجيه» Piaget
TT

ساعات تحكي أسرار الوقت بأغلى المعادن

«بياجيه»  Piaget
«بياجيه» Piaget

عندما قدم دوق ليستر، روبرت دادلي، في عام 1572، للملكة إليزابيث الأولى، ساعة مرصعة بالماس، لم يكن يعرف أنه بدأ موضة لن يخف وهجها وبريقها عبر القرون. فمنذ ذلك العهد والساعات المرصعة بالأحجار الكريمة، على اختلافها، تتطور وتتجمل أكثر بفضل التطورات التي وصلت إلى حد التحف في السنوات الأخيرة. وصفها بالتحف ليس مبالغة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها تحولت إلى استثمار للزمن، يمكن أن يتضاعف سعره عشرات الأضعاف في المزادات العالمية. وحتى إذا لم تكن النية من اقتنائها الاستثمار وتحقيق الربح على المدى البعيد، فإن الرغبة في توريثها لأجيال مقبلة تكون دائما في البال، حسب الخبراء والصناع. الجميل في الساعات التي طرحتها شركات الساعات السويسرية هذه السنة أنها متميزة شكلا ومضمونا، لأنها ثمرة تعاون بين المصممين والحرفيين المتخصصين في الحركات المعقدة بهدف تقديم ساعات كاملة الأوصاف.
للرجال أضافوا بريق الأحجار على العلبة والميناء، وللنساء أضافوا إلى الترصيع والبريق تقنيات ميكانيكية ووظائف معقدة. وطبعا أكثر من برع في هذه الساعات بيوت الجواهر التي دخلت عالم الساعات بقوة مثل «بياجيه»، و«كارتييه»، و«فان كليف أند أربلز»، و«شوبارد»، و«شوميه». كما دخلت بيوت أزياء مثل «ديور»، و«شانيل»، و«هيرميس» و«لوي فويتون» بدورها المنافسة بكل ثقلها، من منطلق أن الزبون دائما على حق وأي شيء يرغب فيه لا بد من تلبيته، إضافة إلى باعها الطويل في مجال الأزياء، خصوصا بالنسبة لـ«ديور» و«شانيل». فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الساعات الراقية تعكس جوانب كثيرة من الـ«هوت كوتير» وما يتعلق بها من ثقافة في التفصيل والتطريز والرسم. الفرق أن الصاغة والساعاتيين استعاضوا عن القماش بالذهب والبلاتين وصاغوا لها ساعات تبدو وكأنها مجرد أساور أو خواتم، وهو ما رحبت به المرأة بكل جوارها. فجدتها في العشرينات من القرن الماضي كانت أول من قدر هذه التحف واستمتع بها، لأنها كانت مطالبة في عصرها بأن لا تنظر إلى الوقت وهي في مناسبة كبيرة، حتى لا تتهم بقلة الذوق، وبالتالي لم يكن مقبولا منها أن تلبس ساعة يد من الأساس، مما أوحى لصناع الساعات أن يقدموا لها ساعات سرية تبدو وكأنها سوار مرصع يخفي تحته ساعة لقراءة الوقت عندما تحتاج لذلك. مرت السنوات والعقود، ووقعت الحفيدة بدورها في حب هذه الساعات الناعمة والأنثوية. فهي لا ترفض أن تلبس ساعة يد بحجم كبير مستوحاة من الساعات الرجالية في النهار، لكنها في المساء تريد أن تظهر بكامل أناقتها وأنوثتها، وليس هناك من ساعة مرصعة تلعب على الحبلين لكي تقوم بهذا الدور.
وهكذا عملت شركات الساعات التي لها باع في صناعة المجوهرات على تطوير ساعاتها إما بنفسها وإما بالتعاون مع شركات سويسرية متخصصة لتصميم ساعات تمزج تكنولوجيا المواد الجديدة بالتقنيات المعقدة، سواء تعلق الأمر بالكرونوغراف أو بالتوربيون أو غيرهما. أكبر مثال على هذا قفص توربيون ساعة «دايموند ماستر غراف توربيون» من «غراف»، الذي يدور على كرات معدنية تتخذ شكلا كامل الاستدارة قطرها أقل من ميليمتر، وهي تكنولوجيا مستقاة من صناع أجهزة ضربات القلب. فما لاحظه هؤلاء أن المرأة قد تفضل ساعة على شكل سوار لكنها لا تمانع أن تكون الساعة بالحجم الكلاسيكي الكبير الذي أقبلت عليه منذ سنوات على أن يكون مرصعا بسخاء، مما فتح أبواب المنافسة للحصول على رضاها.
الأمر الذي يشرحه ميشال بيتلاود، الرئيس التنفيذي لدار «غراف»، قائلا: «المنافسة أعلى من أي وقت مضى، وأنت بحاجة إلى التفوق وتجديد عرضك المقدم بشكل دائم على جميع المستويات».
في عام 2007، ولكي تخوض المنافسة، دخلت دار «بوشرون» في شراكة مع شركة «جيرار بيريغو» لإضفاء صبغة تقنية عالية على تصاميمها المرصعة، من جهة، ولكي تحكي قصة مؤسسها فريديريك بوشرون وإرثه الذي يتخلص في مقولته المشهورة: «أنا لا أحسب سوى الساعات السعيدة» من جهة ثانية. «شوميه» أيضا طرحت هذا العام ساعة استعرضت فيها قدراتها على صياغة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، مثل الزفير والماس إضافة إلى ساعات أخرى يقدر سعرها بما لا يقل عن 80.230 جنيه إسترليني. دار «بولغاري» أيضا تفننت في هذا المجال ولم تبخل على ساعتها الأيقونية «سيربانتي» بالماس والعقيق واليُشب مما يبرر سعرها بنحو 75 ألف جنيه إسترليني. كل هذا لا يترك أدنى شك بأن ساعات اليد أصبحت بمثابة المنبر الذي تستعرض فيه بيوت المجوهرات وشركات الساعات المتخصصة على حد سواء مهاراتها في قطع الأحجار وسبكها، وتحويلها إلى تحف تتوارث لأجيال كثيرة.
أكبر مثال على هذا نظام الفسيفساء الذي تستخدمه دار «غراف» للجواهر في ساعات تتألف من ثلاثة أحجار، أحدها على شكل شبه منحرف والاثنان الآخران على شكل مثلث، لشكل غير مرئي وغير ملحوم. أو دار «كارتييه» في مجموعتها «لزور فابيلوز» (الساعات الرائعة) التي ارتقت بالساعة المجوهرة إلى مستوى فني عال تبرره أسعارها التي تبدأ من 66500 جنيه إسترليني، وتضم قطعا بعدد جد محدود أو قطعة فريدة بوظائف متعددة، تتحول فيها الساعة إلى سلسلة أو إلى بروش أو تاج مثلا.
في سبتمبر (أيلول) الماضي كشفت دار «جيجر لوكولتر» عن نسخة من تصميمها «دومتر آسفيروتوربيلون»، الذي يضم آلية «توربيون» مزدوجة المحور ومزدوجة القفص وآلية «توربيون» دوارة ثلاثية الأبعاد، مرصعة بالكامل بقطع من الماس مستطيلة تتخذ شكلا هندسيا شبه منحرف.
وبدورها عرضت «بريغيه» ساعتها (1808 Tourbillon Grande Complication Classique) من الذهب عيار 18 قيراطا، حيث يختفي فيها «التوربيون» وراء غطاء مرصع بنحو 706 ماسات. ولأن المفترض في المنتج أن لا يقدر بثمن، وبحكم أن كل من يقتنيه لا يفكر في السعر بقدر ما يفكر في القيمة الفنية، التي تعكس الذوق والمكانة، وهما عنصران لا يخضعان لأي حسابات مادية، كان لا بد أن تكون كل ماسة أو حجرة كريمة في غاية الصفاء والجودة. ولحسن حظ شركات الساعات السويسرية أنها أدركت سريعا ضرورة ركوبها هذه الموجة حتى تبقى في الواجهة، من خلال تقديم تصاميم أنيقة تدخل فيها أحجار ثمينة عالية الجودة تحتضن أو تزين ابتكاراتها المعقدة، مما أدى إلى كثير من التعاون، وإلى ولادة ساعات تجمع المجد من الجهتين: التصميم والحركة. دار «فرانك موللر» للساعات السويسرية، مثلا، تستعين منذ عام 2006 بشركة «باكس آند شتراوس» التي تزودها بأحجار صافية وجودة عالية لترصيع ساعاتها.
ويجدر التنويه هنا بدور أسواق الصين في تأجيج هذا التوجه أو الموضة. فالصين برهنت على أنها مولعة بالأحجار الكريمة عموما والماس خصوصا، ومستعدة له بكل إمكانياتها. ولا يقتصر الأمر على النساء فحسب، بل حتى الرجال، على العكس من السوق الأوروبية التي لا يزال فيها الرجل يتعامل مع هذه الترصيعات ببعض الحذر. ولأن السوق متوثبة دائما لكل جديد يعود إليها بالنفع، فإن بعض بيوت الجواهر والساعات لم تقتصر على ساعات المساء والمناسبات لتخضعها لعمليات الترصيع، بل امتدت هذه العمليات إلى التصاميم الرياضية، مثل ساعة «بياجيه» «بولو أوتوماتيك» المرصعة بنحو 1134 ماسة.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.