الأعظمية والكاظمية.. جيبان في بغداد يربطهما جسر ويباعدهما المذهب

المنطقتان لم تعودا كما كانتا حتى وقت قريب متلاحمتين في مخيلة البغداديين

إفطار رمضاني جماعي في شارع قريب من مرقد الإمام الكاظم في بغداد (نيويورك تايمز)
إفطار رمضاني جماعي في شارع قريب من مرقد الإمام الكاظم في بغداد (نيويورك تايمز)
TT

الأعظمية والكاظمية.. جيبان في بغداد يربطهما جسر ويباعدهما المذهب

إفطار رمضاني جماعي في شارع قريب من مرقد الإمام الكاظم في بغداد (نيويورك تايمز)
إفطار رمضاني جماعي في شارع قريب من مرقد الإمام الكاظم في بغداد (نيويورك تايمز)

يربط جسر الأئمة بين ضفتي نهر دجلة حيث يقع اثنان من أقدم أحياء في بغداد - أحدهما سني والآخر شيعي – وفي أمسيات رمضان تبدو المساجد على كلا الجانبين وكأنها تنادي بعضها البعض مع ارتفاع أصوات المؤذنين بالأذان.
لكن تستمر المنطقتان، الأعظمية السنية والكاظمية الشيعية، اللتان كانتا على ترابط وثيق في خيال سكان بغداد، في تباعد متزايد. فإذا سرت عبر المنطقتين وقت الإفطار في شهر رمضان، ستلمح الواقع المتباين في بغداد: حيث يشهد أسلوب الحياة الشيعية نشاطا وتوسعا بينما تنحسر وتنزوي الحياة السنية.
يقول ياسين داود (35 سنة) وهو سني وصاحب قارب يعمل في متنزه بالأعظمية على ضفاف نهر دجلة: «أصبح لدينا الآن رمضانان». يكسب داود قوته من اصطحاب الركاب إلى جسر الأئمة ثم إعادتهم، لكن أحدا لم يطلب منه الذهاب في جولة بالقارب هذا العام. ويشتهر كل حي منهما بمسجد شهير وضريح قديم، حيث يقع قبر أبو حنيفة، الذي بدئ بناؤه في نهاية القرن الثامن، على الجانب السني، وقبر الإمام الكاظم على الجانب الشيعي. ولا تزال المنطقتان تشتركان في بعض سمات بغداد القديمة: محلات الحرف وصناع الجلود والإسكافيون وجزارو اللحوم، والصاغة.
ورغم أن المد والجزر بين الجانبين كان أمرا طبيعيا مثل سريان مياه دجلة، فإن الأعوام الأحد عشر الأخيرة ألحقت أضرارا كبيرة، وتسببت في تآكل الطريقين اللذين كان الناس يسلكانهما من أحدهما إلى الآخر والثقة التي كانت متبادلة بينهما في السابق.
ويُرجع علي النشمي، أستاذ التاريخ بجامعة المستنصرية في بغداد، الذي نشأ في الأعظمية، فترة الخلاف الطائفي إلى الإطاحة بصدام حسين على يد قوات التحالف الأميركية عام 2003. وحل أحدث فصل في هذا الشقاق بعد سقوط الموصل في يد تنظيم «داعش» في شهر يونيو (حزيران). ويقول النشمي مسترجعا فترة شبابه: «اعتاد السكان من الشيعة السير عبر الأعظمية إلى الإمام الكاظم. لكن منذ بدء الاضطرابات الطائفية بعد عام 2003، تعرضوا لاعتداءات في الأعظمية وتوقفوا عن القدوم من هذا الطريق».
وفي حين اختفى الشيعة من شوارع الأعظمية، يشعر بعض الشباب من السنة هناك وفي غيرها من المناطق بالغضب لفقدان الهيمنة المفاجئة بعد سقوط صدام، ولهذا انضموا إلى الجماعات المسلحة، وتعرضوا إما للقتل أو السجن أو الهرب. وأصبح هناك عدد قليل من العائلات الصغيرة التي يمكنها الخروج في قارب داود أو تناول وجباتها المسائية على العشب المعتنى به في المتنزه.
تجد في الوقت الحالي جميع الطاولات شاغرة في حديقة الأعظمية، رغم أن مئات العائلات كانت تجلس هناك سنويا طوال أكثر من ثلاثة عقود لتناول طعام الإفطار في رمضان. ولا تجد طفلا واحدا يلعب في مدينة الألعاب، وتجد دولاب الهواء خاليا من البشر، بينما تدور السيارات المتصادمة في مضمارها لكن من دون ركابها من الأطفال. اصطحب مصطفى القيسي، وهو سائق تاكسي سني، أسرته إلى الحديقة رغم شعورهم بالخوف لمجرد اعتيادهم على الذهاب إلى الحديقة ولا يتحملون فكرة التوقف عن تلك العادة. قال القيسي: «الفارق بين اليوم وعام 2006 هو أننا في السابق كنا مستهدفين من الميليشيات أما الآن فنحن مستهدفون من ميليشيات تدعمها الحكومة». وأضاف: «أخشى طوال الوقت أن أصبح مستهدفا بسبب هويتي» قاصدا أن نقطة تفتيش تابعة للميليشيات سوف تلاحظ أن اسم عائلته سني فتخطفه أو حتى تقتله. وإذا واجه مشكلة في سيارته أو حدثت مشادة بينه وبين أحد الركاب، لن يجرؤ على الذهاب إلى قسم الشرطة للشكوى، لأنه يحمل اسما سنيا ويخشى أن تعتقله الشرطة. وعندما رأى أجنبيا في الحديقة، أول ما طرأ على ذهنه أن يكون تابعا لوكالة لاجئين. فسأله: «هل أنت من منظمة الهجرة الدولية؟ هل من الممكن أن تساعدنا على الخروج من العراق؟».
يوجد على الجانب الآخر من النهر عالم مختلف. في الكاظمية، حيث جميع السكان من الشيعة، يبدو رمضان وكأنه حفل مستمر في الشارع لمدة شهر. وحتى أثناء ساعات الصيام في حرارة النهار، التي تصل درجاتها أحيانا إلى 115 درجة فهرنهايت، يجتهد الناس في العمل استعدادا للإفطار، إذ يقومون بطهي الأرز في أوان كبيرة في مطابخ عامة، ويقطعون اللحم إلى قطع صغيرة ثم يخلطونه مع الأرز، ويقطعون الطماطم والخيار لإعداد السلطة ويقطعون شرائح دائرية من البطيخ. وفي المساء، يغلق المدخل الرئيسي الواقع على مشارف الكاظمية لأسباب تتعلق بالسلامة، لأن الحي تعرض للاعتداءات مرات كثيرة.
يمر الطريق المؤدي إلى الحي ببساتين النخيل، وتمر عبره قناة ري يسبح فيها الصبية ويهللون وهم يقفزون في المياه ويمرحون معا. وعندما يصل الزائرون إلى الممشى الطويل الذي يؤدي إلى المرقد، تتسارع الخطى بحماس للمرور عبر صف من المفتشين الذين يتحققون من عدم وجود قنابل وأسلحة، ثم يتجولون في المساحة الطويلة الممتدة أمامهم. يؤدي هذا الطريق الرئيس المتلألئ البراق إلى مزار الإمام الكاظم، الذي تضاء بواباته بمصابيح مبهجة تحمل اللونين الأخضر والأبيض.
يقول شاهد حامد حربي الخفاجي (70 سنة): «الأمور جيدة جدا هذا العام»، راسما على وجهه ابتسامة عريضة تكشف عن فم بلا أسنان وهو يجلس على حافة إحدى السجاجيد الطويلة الكثيرة التي وضعت من أجل وجبة الإفطار. وأضاف: «هناك ناس كثيرون للغاية، والمكان جميل جدا هنا. نطلب فقط من الأميركيين أن يأتوا ويقتلوا داعش، وأن يخلصونا منهم».
وتساعد الميليشيات الشيعية في الوقت الحالي على حماية الطريق الممتد من قرية الخفاجي في محافظة ديالى وحتى الطريق السريع، وقد جاءت عائلته إلى المزار للاحتفال بشهر رمضان. وقال الخفاجي مشيرا إلى بناته الخمس وأبنائهن: «نشعر بأمان تام بحضورنا إلى هنا».
على بعد عدة ياردات، تقدم مؤسسة الصدر، التي أسستها عائلة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وجبات الإفطار التي جلس يتناولها 150 رجلا. وفي الجوار، أحضرت العائلات وجباتها البسيطة المكونة من الزبادي المصنوع في المنزل والذي وضعوه في أكواب لتناوله مع التمر. وأخذت مجموعة من الأطفال تركض ذهابا وإيابا طالبين من أمهاتهم شراء البالونات والحلوى التي يعرضها الباعة المتجولون، بينما ارتدت هؤلاء الأمهات العباءات السوداء، وأعطين هواتفهن الجوالة إلى أبنائهن الأكبر سنا، ثم ذهبن لبضع دقائق إلى ضريح الإمام الكاظم. ويرى النشمي، متأملا كل تلك الصور، أن هناك انقساما عميقا متزايدا لا يمكن إيقافه بسهولة، ناهيك عن تغييره. وقال: «سيزداد الوضع سوءا: سيغادر السنة بغداد ويغادر الشيعة الشمال، وقد غادر المسيحيون تقريبا، وسنجد بلدا مقسما بالفعل. لا يمكن أن نجد حلا الآن، وأنا حزين للغاية». واستطرد قائلا: «لقد خسر العالم العراق، ولكن يجب أن نجاهد، أنت وأنا وجميع الأصدقاء، يجب أن نفعل شيئا، شيئا غامضا وبعيدا. يجب أن نُدرّس التاريخ في المدارس الابتدائية ونعلم أطفالنا حضارة العراق العظيمة».
* خدمة: «نيويورك تايمز»



محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.