«الشرق الأوسط» في مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» (4): أفلام عن المرأة وحقوقها في زمننا

سعودي ومصري ومغربي

أحد مشاهد فيلم «لعزيزة» (المغرب)
أحد مشاهد فيلم «لعزيزة» (المغرب)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» (4): أفلام عن المرأة وحقوقها في زمننا

أحد مشاهد فيلم «لعزيزة» (المغرب)
أحد مشاهد فيلم «لعزيزة» (المغرب)

ليس من الصعب إيجاد نظم جديدة مع انتقال مهرجان القاهرة السينمائي إلى إدارة جديدة، لكن من الصعب تطبيق تلك النظم. السبب في أن المهرجانات الغربية تقدّس الوقت عموماً ولا يمكن لعرض ما أن يتأخر أكثر من خمس دقائق إذا ما فعل، يعود إلى أن النظام ومراعاة الوقت هما في أسس التربية والسلوك الاجتماعي.
في الحادي والعشرين من الشهر اختفى فيلم سويدي منتظر بعنوان «حدود» (Border) من عروض المهرجان كلياً من دون سبب معروف. ففي وقت العرض، أو قبله بدقائق، قُدم اعتذار شفهي للحاضرين يعلن أن الفيلم لن يعرض فخرج هؤلاء وفي أيديهم تذاكرهم وساعتان مهدرتان كانوا يستطيعون قضاءها في مشاهدة فيلم آخر لو أرادوا.
كذلك حدث مساء أول من أمس حيث تأخر عرض فيلم آخر لنحو ثلاثة أرباع الساعة. هذه المرّة كان هناك تبرير قدّمه نائب المدير الفني، الناقد أحمد شوقي، مفاده، على ذمة من حضر، أن ضيوف الفيلم وصلوا متأخرين.
- فيلم سعودي خالص
إذا ما كانت الحالة الأولى عارضة، ومن غير المنتظر أن تقع مجدداً، فإن الحالة الثانية يجب ألا تُقبل. الحق هنا على الضيوف الذين يدركون أنهم مطلوبون في وقت محدد للصعود إلى المنصة وتقديم الفيلم، ورغم ذلك يأخذون وقتهم، وفي الطريق وقت غيرهم، غير عابئين بالوقت الذي لا بد من احترامه.
بعضهم يتعمد ذلك ليزيد من جرعة الاعتزاز الكاذب بالنفس، لكن مهما كان التبرير فإن النتيجة وخيمة على المهرجان والجمهور على حد سواء. الطريقة الوحيدة الناجعة (طالما أن هذا حدث سابقاً وسيتكرر لاحقاً) هي إعلام فريق الفيلم أن أقصى تأخير ممكن هو خمس دقائق بعدها ستبدأ عروض الفيلم بهم أو من دونهم.
مرتان أو ثلاثة مرات من هذا التطبيق وسنرى الممثلين والممثلات والمخرج والمنتج حاضرين في المواعيد المحددة لهم لرغبتهم في الظهور وتقديم الفيلم. هذا مع العلم أن عدم ظهور معظمهم هو أفضل من ظهوره.
ليس هناك أفضل من أن يبدأ الفيلم عروضه في الوقت المحدد ومن دون تقديم نجومه وصانعيه إلا من باب التأكيد على أن هناك لقاءً صحافياً في الصالة ذاتها لمن يرغب.
في أفضل الأحوال يمكن للمخرج وحده أن يصعد ويقدّم الفيلم ويعلن، باختصار، ما يريد. وهذا ما فعله المخرج السعودي محمود صباغ عندما قدّم فيلمه الجديد «عمرة والعرس الثاني» في عرضه العالمي الثاني مباشرة بعد تقديمه في مهرجان لندن السينمائي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
قام محمود صبّاغ بتقديم الفيلم بإيجاز وشكر حضور الدبلوماسيين السعوديين، في مقدمتهم سفير المملكة في القاهرة، من دون أن يشغل كل ذلك إلا قدراً محدوداً جداً من وقت المشاهدين. لكن ما استوقف الناقد هو عبارة المخرج التي أكد فيها على أن المخرج يصر على «الفيلم السعودي الخالص». وأضاف أن كلمة «الخالص» كلمة خطرة لأنها صعبة التطبيق.
ليس فقط أن الفيلم بكامل تمويله سعودي، وهو أمر مهم جداً، بل كذلك فإن حكايته هي من جذور المجتمع السعودي، على الرغم من أننا، خلال عرض الفيلم، نلاحظ بعد التغريب صوب وجه لم نتعرّف عليه في السينما السعودية السابقة.
«عمرة والعرس الثاني» دراما عن المرأة التي أنجبت إناثاً فقط، وبذلك اعتبر الزوج (وأمه) نفسه طليق اليد لاختيار عروس ثانية تنجب له ذكراً. في المفهوم بأسره خطأ بياني واضح، والمخرج يورده من خلال موقفه المتعاطف مع تبعات ذلك القرار على عمرة (كما تقوم بالدور جيداً شيماء الطيّب) أن تسعى لتغيير موقف زوجها إن استطاعت. لا تستطيع أن تجذبه غرامياً ولا أن تتحدث وإياه لعله يفكر ثانية فيما سيقدم عليه، وكل ما تستطيعه هو التوجه إلى من يكتب لها استخارات غير مجدية.
على عكس فيلمه الأول «بركة يقابل بركة»، يختار محمود صباغ معالجة الفكرة على نحو جاد. المأزق الاجتماعي المتبلور إلى معاناة تعايشها المرأة في مجتمع ما زال يستند إلى تقاليده أساساً، ليس معروضاً لغاية التفكه بل لتأطير المشكلة من دون خطب أو دعوات مباشرة. هذا القرار الشجاع كان يحتاج إلى بطانة فنية ذات قدر أعلى من التأثير. في الكثير من المعالجة يكمن حس العمل التلفزيوني (كما يتبدّى، مثلاً، في أداء شخصية أم الزوج). ليس لأن الفيلم شبيه بدراما يمكن التقاطها على شاشات التلفزة، بل لأنها تناسب الجمهور العائلي وتختار - كما كان حال الفيلم السابق للمخرج - وسيلة تواصل مباشرة مع القاعدة العريضة في الوقت الذي كانت فيه هناك فسحة لإضفاء مسحات جمالية وفنية ولو محدودة.
قضية المرأة في الأفلام السعودية قضية أساسية تتماشى والخطط التي بدأت لتفعيل دورها في المجتمع على نحو متكامل وشامل. يعرف المخرج صبّاغ أن الطريق طويل، لكنه في فيلميه حتى الآن أمّه باستقلالية تفكير وبمنهج مدروس الهدف وراءه ليس نقد الوضع القائم (أو غيابه) بل تجاوز مسألة النقد إلى العرض وترك الحكاية وشخصياتها تعكس كل ما يستطيع الفيلم عكسه من وقائع. في نهاية «عمرة والعرس الثاني» يواجه المشاهد السعودي وضعاً لا يمكن التغاضي عنه، فالفيلم لم يكن كوميدياً ليضحك فيه ولا تراجيديا ليبكي فيه أو يتأثر، بل حديث عريض عن الأم وأمها وبناتها وزوجها والجار والزوج وأمه، كل على النحو الذي يتمحور حول تلك المرأة (عمرة) التي لا يمكن إلا التعاطف معها والشعور بأزمتها العاطفية والإنسانية.
وعلى عكس ما تردد في السنوات الأخيرة، فإن السينما في السعودية لم تبدأ مع هيفاء المنصور عندما قامت، قبل سنوات قليلة، بتحقيق فيلمها الأول «وجدة». على أهمية ذلك الفيلم كونه إسهاماً كبيراً في دفع تلك السينما إلى الأمام، كان عبد الله المحيسن أول من سعى لإنجاز أفلام تحمل الراية السعودية. ما لم يستطع فعله هو تصوير أفلامه تلك (خلال الثمانينات والتسعينات) في المملكة فأنجزها في سواها. لكنها ما زالت تنتمي إلى الوطن السعودي لأسباب تمويلية (أنتج أفلامه بنفسه) وبسبب هوية مخرجها.
بعده وردت أفلام سعودية قصيرة (غالباً) وطويلة (في بعض المرّات)، لكن كل شيء يتغير الآن صوب الرغبة في تشييد الصرح، سواء عبر مؤسسة حكومية (Saudi Film Council) أو عبر إنتاجات مستقلة كتلك التي يعمد إليها محمود صباغ بنجاح حتى الآن.
- زهرة وعزيزة
قضايا المرأة تختلف من بلد لآخر. فما تعانيه بطلة فيلم «لعزيزة» المغربي يختلف عما تعانيه بطلة «عمرة والعرس الثاني»، وما في «صوفيا» (المغرب أيضاً) مختلف عن «زهرة الصبار» (مصري)، ليس فقط لاختلاف الحكايات الطبيعي، بل لاختلاف أوجه المشكلات التي تتعرض لها المرأة في مجتمعاتنا.
«زهرة الصبّار» المعروض بين أعمال هذا المهرجان ينتمي إلى تلك الباقة الحديثة من الأفلام التي تصوّر حال المرأة المصرية اليوم. اجتماعياً لديها حقوق عادلة، ولكن عليها تبعات ومسؤوليات ترزح تحتها. هذا كان حال فيلم محمد حمّاد «أخضر يابس»، فبطلة «زهرة الصبار» لهالة القوصي تعايش الوضع الذي يعيش فيه الناس لحل مشكلاتهم الآنية وحدها. هناك حكاية الشقيقة الكبرى التي تذبل من دون عريس أو مستقبل واعد، وهنا، في «زهرة الصبّار» مشكلة من شقين: الأول لفتاة شابة لا تملك سبيلاً لتحقيق طموحاتها، وامرأة كبيرة في السن خسرت في زمنها تلك الأحلام وتلجأ اليوم إلى ذكرياتها.
ينطلق الفيلم من تقديم عايدة وهي تمثل إعلاناً إذاعياً. تعود منه إلى البيت ويدلف بنا الفيلم منذ تلك اللحظة إلى المشكلات المحيطة. جارتها العجوز (منحة البطراوي) التي لم تدفع إيجار سكنها منذ عدة أشهر. معهما الشاب أحمد (مروان العزب) الذي يتبرع، كإنسان شهم، بمساعدتهما ما ينتج عنه إيواؤهما لدى ذلك الشاب الذي نال ظنون جيرانه على ذلك. بين محاولة عايدة التقدم في مجال التمثيل، ومحاولتها الإبقاء على عملها غير الثابت، تمررها المخرجة على شخصيتين رجاليتين ارتبطت معهما بعلاقة سابقة. الأول كاتب شاب يتحاشى الارتباط، والثاني (زكي عبد الوهاب) كاتب مخضرم هي التي تحاشت ذات يوم الارتباط به باحثة عن تحقيق أحلامها، التي أدت بها أيضاً إلى هجرة أمها. الآن، ها هي، ومعها صديقتها الأكبر سناً، تقصد منزل أمها الريفي، وتجد المخرجة هناك فسحة من الوقت لتوسيع رقعة اهتماماتها بإضافة وضع الأم وعلاقتها المتوترة بابنتها، لتخلص المخرجة إلى مشهد تلتقط فيه كاميرا علوية للنساء الثلاث مستلقيات على الحشيش الأخضر في مشهد رومانسي آخر من مشاهدها.
في «زهرة الصبار» نجد تلك العيون المستطلعة والعقول المرتابة والأنفس المتسائلة. عايدة (سلمى سامي) تقصد منزل صديق لها. قبل وصولها للعمارة التي يسكن فيها يستوقفها رجل يسألها عن سبب خروجها ليلاً ومن تكون. في مشهد آخر تمشي في طريقها فتجد امرأة لا تعرفها ميتة في مقعدها. رجلان يتقدمان يسألانها عن علاقتها بالميتة. في ثالث، جيران أحد الساكنين الذي استقبل عايدة والمرأة العجوز التي خسرت كذلك شقتها وشاباً من الحارة، في ليلة سابقة، لكي يأووا لديه لليلة، يهيجون مرتابين في تصرفات الساكن يريدون معرفة ما الذي كان هؤلاء يفعلونه في منزله.
كل هذا يضع على الفيلم أمارات دائمة مثل الوجه المطلي بعلامات الحزن والحسرة. ولذلك فإن المشاهد الخيالية التي تستعين بها المخرجة أحياناً، مثل مشهد الاستحمام في بحيرة ماء صافية، تتجلى كتطلعات إنسانية - رومانسية للحرية بمفهومها الأعمق مما لو لجأت إلى الرد على كل حالة بموقف ما.
«زهرة الصبّار» مُحاك جيداً كفكرة جديدة التناول لا من حيث مفارقاتها فحسب، بل من خلال أماكن حدوثها غير المستهلكة على العين. أحياناً ما تتحرك الكاميرا على نحو لا طائل فعلي (أو فني) منه مثل المشهد التي تلتقي فيه عايدة بصديقة محجبة تزوّجت للمال وصار لديها سيارة وسائق. الكاميرا تنحرف يميناً لتلقط الصديقة ويساراً لتلتقط عايدة أكثر من مرّة. مع «فلاش باك» كان يمكن إلغاؤه لأن الرسالة التي يتضمنها (الصديقة كانت منفتحة وذات علاقات متحررة) كان يمكن تمريرها بطريقة أخرى.
لفيلم «لعزيزة» («العزيزة») لمحسن البصري هم مختلف، ولو أن المشكلة ما زالت نسائية. هنا يهاجر الزوج بيت الزوجية بينما كانت الأم حاملاً. ثم تنجب ابناً والابن يكبر ويدخل المدرسة. كل شيء يبدو شبه مستقر إلى أن يظهر الأب مجدداً مطالباً باستعادة ابنه. الدوامة كبيرة والنهاية تمنح الأم القدرة على الاختيار الصعب. المخرج المغربي في فيلمه الثاني يوفر معالجة هادئة لموضوع ساخن وينجح في توفير كل عناصر موضوعه بالتأني ذاته.
ما يُثير الانتباه أن أساليب اختيار المخرجين تختلف حسب اختلاف الجغرافيا. «لعزيزة» لديه أسلوبه المتشرب بتأثيرات السينما المغاربية - الفرنسية. «زهرة الصبّار» مصري الحكاية وعناصر السرد الدرامي المختلفة و«عمرة بن عمرة» يستند إلى بطانته السعودية كاملة. هذا الاختلاف ثقافي بالدرجة الأولى ولو أن الأعمال الثلاثة تطرح قضايا تمس المرأة أساساً. لجانبها، هناك أفلام تمس الرجل أيضاً، الذي مر «عيده» المبتكر قبل يومين من بداية المهرجان. البعض صار يطالب له بالحقوق والمساواة، لكن الثابت أن عليه حقوقاً لم يسددها بعد بدوره.


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».