«الشرق الأوسط» في مهرجان القاهرة السينمائي (3): هل تستطيع السينما العربية الخروج من عنق الزجاجة؟

يزخر مهرجان القاهرة السينمائي هذه السنة بالآمال والطموحات الكبيرة. رئيسه الجديد، محمد حفظي، من القلة التي تدرك لا ماذا تريد تحقيقه فقط، بل كيف تستطيع تحقيقه كذلك، لا تتكلم عن التميّز، بل تمارسه، وعمله الدؤوب الذي باشره منذ أن منحته وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم الضوء الأخضر لإنجاز دورة استثنائية، أثمر بالفعل عن أهم دورات المهرجان قاطبة وبرهن على أنه إذا ما وُجد الرئيس المناسب في المكان المناسب فإن تبعات ذلك لا بد أن تدخل خانة الإيجابيات بثقة.
الإخلاص في العمل ليس وحده مفتاح النجاح. كل من ترأس المهرجان سابقاً أخلص وسعى وبذل، لكنّ البعض خلط ما بين ما هو خاص وما هو عام أو لم يمتلك مفاتيح أخرى، مثل أهمية العلاقات مع أفراد ومؤسسات السينما العالمية، لتأمين النجاح المنشود.
محمد حفظي ليس وحده في هذا الجهد المبذول لتقديم نسخة متقدمة ومشرّفة باسم مصر والسينما التي تمثلها، بل هناك فريق جيد من بين أبرز من فيه يوسف شريف رزق الله، المدير الفني للمهرجان وأحد الذين شكّلوا على مدار سنوات عديدة السبب الحقيقي لاستمراره رغم المصاعب. كذلك هناك تلك المجموعة من النقاد الذين يعملون في إدارته مثل أحمد شوقي وطارق الشناوي ومجدي الطيب.

- آفاق
على أنه مع ارتقاء الدورة الأربعين إلى مرتبةٍ أعلى ترتفع المسؤوليات الكبيرة المرتبطة بها. ما زلنا في البداية، والتنظيم الإداري واضح، والجميع يعمل كعقارب الساعة على إتمام أيام المهرجان على خير وجه. لكن هناك أسئلة مثيرة للاهتمام تُطرح على هامش الدورة بل في صلبها أيضاً حول ما الذي يستطيع المهرجان فعله بالنسبة إلى السينما العربية؟ ما دوره المستجدّ حيالها؟ وما دورها حيال المهرجان العريق وقيمة مصر السينمائية الزاخرة بالإنجازات على مختلف المستويات، جماهيرياً وفنياً وثقافياً؟
بعد توقف مهرجان أبوظبي السينمائي قبل أربع سنوات استدارت السينما العربية إلى مهرجان دبي كملاذ أخير. ولعب المهرجان الإماراتي دوره (قبل توقف أبوظبي وبعده)، دور البيت الفعلي للسينما العربية، فجذب إليه أفضل ما تم تحقيقه من إنجازات في هذا المجال في السنوات العشر الأخيرة على الأقل.
على شاشته اكتشفنا جديد السينما العربية الآتية من كل حدب وصوب. من مصر والسعودية والإمارات ولبنان والأردن وسوريا والعراق وفلسطين وتونس والمغرب والجزائر، إلى جانب أخرى. بلغ اهتمام السينما العربية بمهرجان دبي حداً دفع بمهرجانات عربية أخرى (وبينها القاهرة) إلى الشكوى من سيادة مهرجان دبي وسحبه بساط اهتمام السينمائيين العرب من مهرجان القاهرة الذي كان قد نجح في استقطاب السينما العربية جنباً إلى جنب مهرجان «أيام قرطاج السينمائية» في تونس.
الآن، بعد انطفاء شعلة مهرجان دبي (وسط حالة من الذهول ما زالت تسود عرباً وأجانب) يعود الوضع إلى ما كان عليه: السينما العربية لديها الآن بيت كبير واحد هو مهرجان القاهرة، وبيت صادح آخر هو مهرجان قرطاج الذي يعرض لها وللسينما الأفريقية.
بوصول مهرجان «الجونة» إلى خريطة الطرق السينمائية العربية بات التنافس بين هذه المهرجانات ومحاولة جذب الأعمال السينمائية العربية واضحاً. لكن المهرجان الوحيد بينها الذي يستطيع تأكيد استمرارية دوره حيال السينما العربية هو مهرجان القاهرة. ليس بالصدفة بل نظراً إلى موقع العاصمة المصرية بالنسبة إلى السينما العربية كما موقع الدورات السابقة من المهرجان ذاته.
ليس فقط أن المسابقة الرسمية تحتوي على فيلم مصري هو «ليل-خارجي» لأحمد عبد الله السيد، وليس لأن فيلماً مصرياً آخر في العروض الرسمية غير المتسابقة هو «جريمة الإيموبيليا» لخالد الحجر، بل لأن هناك مسابقة مهمة للسينما العربية ذاتها (تحت عنوان «آفاق السينما العربية») تحشد هذا العام ثمانية أفلام مهمة.

- تحديات
افتتاح هذه المسابقة تم أول من أمس (الأربعاء)، بالفيلم السعودي «عمرة والعرس الثاني» للمخرج محمود الصائغ، الذي يصر على صنع أفلامه داخل المملكة العربية السعودية لا خارجها، ويصف ذلك بكلمات «سينما سعودية خالصة». ينتمي الفيلم إلى الدراما الاجتماعية التي تقصد معاينة أوضاع المرأة في السعودية والتحديات التي تواجهها وسط القيود غير المنظورة للتقاليد الاجتماعية السائدة.
الأفلام السبعة الأخرى تتناول قضايا اجتماعية أخرى. يُخال للمرء وهو ينتظر عروض «غود مورنينغ»، و«غذاء العيد»، و«ورد مسموم»، و«الكيلو 64»، و«الجاهلية»، و«لعزيزة»، و«فتوى»، أن هذه القضايا التي تعجّ بها مجتمعاتنا نوع من الفرائض التي على السينما العربية مقارعتها دوماً. يغيب المشهد المختلف خوفاً من أن يتغرب أو يُتهم باللامبالاة خصوصاً أن النقد العربي حصر نفسه أكثر مما يجب في مسألة ما يطرحه الفيلم من مشكلات اجتماعية معتبراً أن دور السينما لا يتعدى ذلك الخط المرسوم بالطباشير.
لكن المسألة الأهم هنا أن مهرجان القاهرة وجوائزه السخيّة قد لا تكون كافية لإشعال اللهب تحت رماد السينما العربية. ما ساعد مهرجان دبي (وقبله أبوظبي والدوحة) هي صناديق الدعم التي ساعدت المنتجين والمخرجين العرب على تحقيق أفلامهم (أكثر من 2000 فيلم في غضون خمس سنوات أو نحوها). هذه الصناديق اختفت (أو تكاد)، وردّ الفعل لا يمكن له تجاوز هذه الخسارة، ما سيجعل من الصعوبة بمكان قيام تلك الجبهة المتماسكة من صانعي السينما العربية ودخول جدد طامحين إلى مرتعها.
ليس هيناً اليوم، ولم يكن هيناً في السنوات المديدة السابقة، اعتماد الفيلم على سوقه المحلية لاسترداد ميزانيته أو لتسجيل أرباحه. ولا اعتماده على سوق عربية زاخرة بالفرص التجارية إذا ما تم توحيدها. كذلك فإن مسألة دخول المحطات التلفزيونية معترك التمويل أو حتى شراء الأفلام التي تصنعها المواهب العربية، ما زالت معدومة.
لهذه الأسباب فإن ارتداد صناديق الدعم وانحسار التمويل المباشر لمؤسسات سينمائية عربية حديثة سيترك أثره الواضح على الكم والكيف في السينما العربية. دور مهرجان القاهرة، بالتالي، مهم وإن كان هناك القليل مما يستطيع (هو أو أي مهرجان آخر) فعله لدوران عجلة الإنتاج على النحو الذي شهدته في السنوات العشر الماضية.

- عروض جديدة
> لم يثر «The Girl in the Spider‪’‬s Net» ذلك الاهتمام الكبير الذي كان في بال شركة «صوني». الفيلم الرابع من حكاية المرأة المقاتلة تم إطلاقه في مطلع الأسبوع الماضي فأنجز الرقم السادس بإيراد لم يرتفع كثيراً على 10 ملايين دولار.
> فيلمان آخران جديدان انطلقا في الأسبوع ذاته أعلاهما حظاً كان «دكتور سيوس: ذا غرينش» الذي أنجز في أميركا الشمالية نحو 88 مليون دولار وتبوّأ المركز الأول. «Overlord» الذي تحدث عن فرقة جنود أميركية تتوغل وراء حدود القتال الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية لتفاجأ بأنها محاصرة بمخلوقات مرعبة، حقق نحو 14 مليون دولار وحط ثالثاً.
> يبقى «Venom» الأعلى إيراداً هذا الشهر، إذ تجاوزت إيراداته 208 ملايين دولار. ثاني النجاحات متمثل بفيلم «A Star is Born» الذي جمع 186 مليوناً حتى الآن.