سنوات السينما: (1981) Mephisto

كلاوس ماريا برانداور في «مفيستو»‬
كلاوس ماريا برانداور في «مفيستو»‬
TT

سنوات السينما: (1981) Mephisto

كلاوس ماريا برانداور في «مفيستو»‬
كلاوس ماريا برانداور في «مفيستو»‬

- ما بين الفن والسلطة
«مفيستو» للمجري استفان شابو (إنتاج مجري- ألماني- نمساوي مشترك) يتمحور حول الصراع ما بين موقف الفنان وموقف السلطة وإلى‫ أي مدى يستطيع الأول الاستمرار في تأدية رغباته، وتسلق مكانته من دون التعرض إلى ضغوط السلطة الهادفة احتواءه. إلى أي مدى يقدر ذلك الفنان على مقاومة الضغوط التي تُلقى عليه، والتي سريعاً ما تتحول إلى تهديدات تتناول كل مستقبله.‬
‫هنا، ينتهي البطل إلى موظف للسلطة يضع في تصرفها كل طموحاته وكل مواهبه، وذلك حسب ما وردت به رواية كلوس مان التي قام المخرج شابو باقتباسها. كلوس مان روائي ألماني عاش من 1906 إلى 1949 (توفي منتحراً)، يُجمع نقاد الرواية على أن أفضل أعماله هي تلك التي كتبها في منفاه (مدينة «كان» التي شهدت العرض الأول لهذا الفيلم)، والتي ضمّت «السيمفونية العطوفة» (1935)، و«مفيستو» (1936)، و«البركان» (1939)، وهو الزمن الذي كانت فيه النازية تعيش أوجّ مراحل نموها، وتبدأ فيه ببث التهديد على سلامة الأقليات والدول المجاورة على حد سواء. وقد تميزت هذه الروايات، كمجمل أعمال المؤلف، بمعارضة شديدة للفاشية، كما في انعكاس يأس مؤلفها الشديد من الظروف الخاصة والعامة التي كان يحياها.‬
لا يخفي الفيلم أياً من هذا وهو يسرد حال الفنان‫ هندريك هوفغن (يؤديه الممثل المتواري كلاوس ماريا برانداور)، الذي ظن أن في مقدوره إيقاف زحف السلطة فوق أعماله. بمجرد أن يكرر عبارته «أنا ممثل فقط…»، محاولاً الفصل بين كيف يرى نفسه وكيف يريدونه أن يكون. لكن الفاصل كان يضيق كلما اضطر هوفغن إلى الخضوع، حتى بات الفاصل بينه وبين مصيره مجرد وجهَي نزاع في شخص واحد يسرع لاحتلال مواقع الرفض الأخيرة فيه.‬
في تأكيداته السابقة لوصوله إلى وضع يجد فيه أن عليه الإذعان للسلطة النازية، ذلك الوهم الجميل بقدرة المرء على إبعاد نفسه وفنه عن الموقف السياسي، ‫نتعرف على هندريك كممثل طموح له مواقف ليبرالية واضحة. لديه علاقة عاطفية مع جولييت، مدرّسة الباليه التي تعلّمه الرقص، وهي فتاة سوداء يصورها المؤلف عشيقة أولاً ومعلمة رقص ثانياً، لكن المخرج يقلب الصورة حفاظاً على وحدتها ويعطيها رسماً أكثر احتراماً لموضعها. وأقرب زملاء هندريك إليه هما ميكلاس وألريخ، وهما يساريان. في حين أن باربره، وهي الزوجة التي يسعى إليها، فتاة متحررة وذات نظرة تقدمية لمجمل الطروحات الثقافية والسياسية في ذلك الحين.‬
شابو لا يُدين السلطة لأنه من غير المتوقع أن تتصرّف على عكس موقعها السياسي، لكنه ينتقد الفنان والمثقف المتمثلين في شخصية هنريك. ‫ففي سعيه للزواج من باربره، نكتشف فيه نمطاً من التفكير الوصولي في بدايته الأولى، فهو على حبه لها، لا يستطيع إلا أن يدرك أنها، بعلاقة والدها مع رجالات الفن، ستتيح له فرصة دخول مسرح الدولة في برلين وتلقف ثمار نجاحه.‬ ‫هنا يشهد بداية فشله في ضبط مسار حياته كما كان يرغب. يشهد تراجعه أمام متطلبات السلطة التي حاول مصالحتها. تطلب منه طلاق زوجته التي كانت قد فرّت مع والدها اليهودي إلى فرنسا، وإنهاء علاقته بالفتاة السوداء، لأنها ليست من عنصره ومستواه، وكذلك بميكلاس وألريخ، زميليه اللذين حاول أن ينقذ مصير أحدهما (ألريخ) دون فائدة.‬
‫«مفيستو»، دون شك، فيلم مهم جداً على صعيديه السياسي والفني، وإذا كان شابو لا يؤمّن كل ما يحتاج إليه الفيلم من نجاح، إلا أن هذه المسألة منفصلة تماماً عن قيمة الفيلم ككل، وكل ما يمكن أن تعكسه هنا هو بقاء الظن بأن مضمون الفيلم السياسي قد ساعد المخرج إلى حد كبير في تأليف ومعالجة شكله. برانداور مبهر الأداء، لا يدخل في نمط ما، لكنه يؤدي شخصيته ومراحلها وتقلباتها في إتقان فريد.‬

‫- قيمة تاريخية: ممتاز
- قيمة فنية: ممتاز


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
TT

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)

خطرت فكرة اعتزال السينما في بال نجم بوليوود، عامر خان، في خضمّ فترة التأمل التي أمضاها خلال جائحة كوفيد-19، لكنّ الممثل والمنتج الهندي بدّل رأيه مذّاك ويعتزم مواصلة مسيرته المهنية الغنية التي بدأت في سبعينات القرن العشرين.

وقال خان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، خلال مقابلة أجرتها معه في لندن، إنه مرّ قبل بضع سنوات بمرحلة إعادة نظر ذاتية.

وأضاف: «كان ذلك خلال أزمة كوفيد، وكنت أفكر في كثير من الأمور، وأدركت أنني قضيت حياتي بأكملها في عالم السينما السحري هذا منذ أن أصبحت بالغاً».

وتولى عامر خان بطولة عدد كبير من الأفلام التي حققت نجاحاً تجارياً واسعاً في بلده، ومنها «3 بلهاء» و«دانغال»، و«نجوم على الأرض»، كما اشتهر عامر خان بإنتاج وبطولة فيلم «لاغان Lagaan» الذي كان بين الأعمال المرشحة لجائزة الأوسكار للأفلام الأجنبية عام 2002.

وتابع خان الذي بدأت مسيرته التمثيلية منذ الطفولة في السبعينات، وأصبح لاسمه ارتباط وثيق ببوليوود: «لقد أدركت أنني لم أعطِ حياتي الشخصية الأهمية التي كنت أرغب فيها».

وزاد: «واجهتُ صعوبة في التغلب على الشعور بأنني أهدرت الكثير من الوقت، وكنت أشعر بالكثير من الذنب... كان رد فعلي الأول القول إنني اكتفيت من السينما».

لكنّ عائلته، وخصوصاً ابنه وابنته، أقنعته بالعدول عن الاعتزال. وقال: «في رأسي كنت أقول سأتوقف. ثم لم أفعل ذلك».

والآن، مع اقتراب عيد ميلاده الستين في مارس (آذار)، يريد عامر خان، الذي يعيش في مومباي، «مواصلة التمثيل والإنتاج لبعض الوقت».

«أحب أن أفاجئ جمهوري»

ويعتزم النجم الهندي أيضاً جعل شركته للإنتاج «عامر خان بروداكشنز» منصة «لتشجيع المواهب الجديدة التي تكون أحاسيسها قريبة» من أحساسيسه و«تريد أن تروي القصص» التي تهمه.

ومن ذلك مثلاً فيلم «لاباتا ليديز» Laapataa Ladies الكوميدي عن شابتين من منطقة ريفية في الهند، يطرح موضوع الزواج ووضع المرأة في بلده، وقد شارك في إنتاجه مع زوجته السابقة كيران راو، وحضر أخيراً إلى لندن للترويج له.

ويتناول عدد من أفلام عامر خان قضايا اجتماعية، مثل حقوق المرأة في المناطق الريفية، أو الصناعة الرياضية، أو الضغط المفرط في التعليم العالي أو حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

لكن خان يرفض أن يحبس نفسه في نوع واحد فقط من الأفلام أو الأدوار، وقال في هذا الصدد: «أحب التنويع والتطرق إلى قصص مختلفة. أحب أن أفاجئ نفسي وجمهوري».

ولم يتردد النجم البوليوودي في انتقاد نفسه أيضاً، مشيراً إلى أنه «غير راضٍ» عن أدائه في فيلم «لا سينغ شادا» Laal Singh Chaddha الهندي المقتبس من فيلم «فورست غامب» تم إنتاجه عام 2022، لكنه لم يحظَ بالاستحسان المألوف الذي تُقابَل به أعماله.

وأما في «أن يكون هذا الفيلم أفضل»، في إشارة إلى عمله الجديد «سيتار زامين بار» Sitaare Zameen Par الذي يُطرَح قريباً.

ورغم فوزه بالعشرات من الجوائز السينمائية في الهند بالإضافة إلى ثالث أعلى وسام مدني في بلده، فإن عامر خان يحرص على تقويم كل فيلم من أفلامه.

وشدّد على أن «إخراج فيلم أمر بالغ الصعوبة». وقال: «عندما أنظر إلى الفيلم الذي أخرجناه، ثم إلى السيناريو الذي كتبناه، أتساءل هل حقق الفيلم الأهداف التي حددناها».

وأضاف: «إذا وصلنا إلى ما أردناه، وصنعنا الفيلم الذي أردناه، فيشكّل ذلك ارتياحاً كبيراً».