أكّدت مصادر رسمية إسبانية، أن بريطانيا وإسبانيا توصّلتا إلى ما وصفته بأنه «اتفاق مبدئي» حول جبل طارق؛ لكنها أضافت أن مدريد لم تسحب تهديدها برفض الاتفاق العام حول «بريكست» ما لم يُعدَّل نصّه النهائي «ليشير بوضوح إلى أن تطبيق العلاقات في جبل طارق بين بريطانيا ودول الاتحاد، يجب أن يخضع لمفاوضات ثنائية بين إسبانيا والمملكة المتحدة».
وقالت المصادر إن رئيس الحكومة بيدرو سانتشيز، قد أبلغ رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بهذا الموقف، في مكالمة هاتفية بينهما، بعد أن كان الطرفان قد أنهيا بنجاح المرحلة الأولى من المفاوضات حول مستقبل العلاقة بين مدريد وجبل طارق، بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وأوضح مصدر مسؤول في رئاسة الحكومة الإسبانية، أن المحادثة بين ماي وسانتشيز جرت بطلب من الأخير، كي يشرح لرئيسة الوزراء البريطانية الأسباب التي تقف وراء الاعتراضات الإسبانية على نص الاتفاق بصيغته الحالية.
ويأتي هذا التهديد الإسباني في أحرج مراحل التفاوض على الاتفاق؛ حيث ترفض مدريد التوقيع على نص يعتبر جبل طارق جزءاً لا يتجزّأ من المملكة المتحدة. وفي مؤتمر صحافي مع نظيره البرتغالي قال سانتشيز: «إذا استمرّت هذه المشكلة قائمة، فستصوّت إسبانيا ضد اتفاق (بريكست)؛ لأن المسألة جوهرية بالنسبة إلينا». وأضاف أن إسبانيا موقفها بنّاء، بدليل أنها توصلت إلى اتفاق أوّلي حول أربع مذكرات تفاهم وبروتوكول بشأن العلاقة مع جبل طارق. وتتناول المذكرات الموضوعات الحسّاسة بين إسبانيا وجبل طارق، مثل أسعار التبغ المتدنية التي تشجّع على التهريب إلى الأراضي الإسبانية، وأوضاع العمّال الإسبان الذين يعبرون كل يوم الحدود إلى جبل طارق، ويقدّر عددهم بنحو عشرة آلاف. أما الموضوع الشائك في العلاقات بين الطرفين فهو النظام الضريبي المطبق في جبل طارق، الذي يدفع بمئات الشركات الإسبانية للاستقرار في المستعمرة، والاستفادة من الضرائب المخفّضة التي تُحرَم منها الخزينة الإسبانية.
وتعتبر إسبانيا جبل طارق ملاذاً ضريبيّاً، وهي تهدف من وراء مذكرات التفاهم مع بريطانيا - رغم أن صلاحيتها تقتصر على الفترة الانتقالية في اتفاق «بريكست» - إلى تمهيد الطريق نحو علاقة أفضل في المستقبل، إذا كانت حكومة جبل طارق راغبة في الحفاظ على روابط وثيقة بالاتحاد الأوروبي، كما يستدلّ من نتائج الاستفتاء حول «بريكست» حيث صوّت سكان المستعمرة بنسبة 96 في المائة لصالح البقاء داخل الاتحاد الأوروبي. وتشكّل هذه المفاوضات الثنائية بين لندن ومدريد مساراً موازياً للاتفاق العام حول «بريكست»؛ حيث تصرّ إسبانيا على رفضها ما يتضمنه من تدابير حول جبل طارق.
وكان رئيس الحكومة الإسبانية قد قال قبيل مغادرته في زيارة رسمية إلى كوبا: «هذا النصّ لا يمثّلنا ولا يعكس مواقفنا»، مما يوحي بأنه على استعداد لإفشال القمة الأوروبية المقبلة حول «بريكست»، إذا لم يتضمّن نص الاتفاق والإعلان السياسي المرفق به، توضيحاً بأن جبل طارق ليست جزءاً من المملكة المتحدة.
وبعد الاطلاع على نص الإعلان السياسي الذي يقع في 26 صفحة، والذي وزّعته رئاسة الاتحاد على حكومات الدول الأعضاء، ظهر أمس الخميس، تبيّن أنه لا يتضمّن أي إشارة إلى جبل طارق كما كانت تطالب إسبانيا. وقالت مصادر المفوضية في بروكسل إن الخلاف بين لندن ومدريد حول جبل طارق، على غرار الموضوعات الشائكة الأخرى التي ظهرت خلال المفاوضات بين لندن ودول أخرى، سيعالج في إعلانات ملحقة بالنص الأساسي للاتفاق.
وقد أثار هذا الموقف الإسباني تخوّفاً في الأوساط الأوروبية، التي ترى فيه عقدة صعبة في ملفّ «بريكست»، بينما اعتبر رئيس الوزراء البرتغالي أنه لا بد من بذل الجهود اللازمة لتلبية المطلب الذي تعتبره إسبانيا جوهرياً، كما حصل بالنسبة لموضوع الحدود بين آيرلندا الشمالية وآيرلندا.
ويجدر التذكير بأنه عندما انضمّت بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1973، حصلت بنتيجة المفاوضات (التي لم تشارك فيها إسبانيا التي انضمّت إلى الاتحاد عام 1986) على وضع خاص لجبل طارق كمنطقة تشرف لندن على إدارة علاقاتها الخارجية؛ لكنها خارج الاتحاد الجمركي الأوروبي، ولا تخضع لمعظم الاتفاقات والمعاهدات المالية. وقد تسبب هذا الوضع الخاص في صدامات مستمرة بين لندن ومدريد خلال فترة التعايش داخل الاتحاد الأوروبي.
وبينما تنشط الدوائر الأوروبية لتذليل العقبة الإسبانية قبل انعقاد القمة يوم الأحد المقبل، جاءت تصريحات وزير الخارجية الإسباني جوزيب بورّيل، الذي قال إنه ليس هناك ما يمنع اعتراف إسبانيا باستقلال اسكوتلندا إذا قررت ذلك في استفتاء شعبي، ليثير عاصفة من الاحتجاجات في صفوف أنصار «بريكست»، ويضفي مزيداً من التوتر على العلاقات بين مدريد ولندن.
«اتفاق مبدئي» بين لندن ومدريد حول جبل طارق
«اتفاق مبدئي» بين لندن ومدريد حول جبل طارق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة