«العقدة السنية» تضع العلاقة بين «حزب الله» و«المستقبل» في اختبار جديد

وضع إكليل من الزهور على قبر رئيس  الاستقلال اللبناني بشارة الخوري (دالاتي ونهرا)
وضع إكليل من الزهور على قبر رئيس الاستقلال اللبناني بشارة الخوري (دالاتي ونهرا)
TT

«العقدة السنية» تضع العلاقة بين «حزب الله» و«المستقبل» في اختبار جديد

وضع إكليل من الزهور على قبر رئيس  الاستقلال اللبناني بشارة الخوري (دالاتي ونهرا)
وضع إكليل من الزهور على قبر رئيس الاستقلال اللبناني بشارة الخوري (دالاتي ونهرا)

تهدد الأزمة الحكومية الحالية التي تُختصر بإصرار «حزب الله» على توزير أحد حلفائه السنة ورفض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري هذا الأمر جملة وتفصيلاً، سياسة «ربط النزاع» التي ينتهجها «حزب الله» وتيار «المستقبل» منذ سنوات، والتي حرصا على التمسك بها تجنبا لجر البلاد إلى فتنة سنية - شيعية أو إلى الأتون السوري المشتعل منذ العام 2011.
واتهم الحريري في مؤتمر صحافي عقده الأسبوع الماضي «حزب الله»، صراحة، بتعطيل عملية تشكيل الحكومة محملا إياه مسؤولية أي انعكاسات سلبية على الوضع اللبناني. ورأى خبراء أن ما يشهده لبنان ليس أزمة تأليف حكومة بل مسعى من قبل «حزب الله» لتغيير النظام، وهو ما عبّر عنه صراحة مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر، فيما استبعدت الدكتورة أمل غريب المحاضرة في العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، أن تكون هناك أي إمكانية للعودة إلى الوراء في العلاقة بين الطرفين، سواء لمرحلة الصدام المباشر كما حصل في العام 2008 أو لمحاولة «حزب الله» وحلفائه تشكيل حكومة لا يتمثل فيها تيار «المستقبل» كما حصل في العام 2011.
ومرت العلاقة بين «المستقبل» و«حزب الله» منذ العام 2005 بمراحل من العداوة والصدام وصولا لاعتماد سياسة «ربط النزاع». فوصل الخلاف بينهما إلى مستويات غير مسبوقة سواء في العام 2006 بعد استقالة الوزراء الشيعة التابعين لـ«حزب الله» و«حركة أمل» من حكومة فؤاد السنيورة، أو بعد اتهام المحكمة الدولية الحزب باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري. إلا أن الصدام الأبرز الذي تم تسجيله كان في مايو (أيار) 2008 حين احتج «حزب الله» على قرار حكومة السنيورة بإزالة شبكة اتصالاته وإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير المقرب من الحزب، فنزل عناصره وعناصر حركة «أمل» إلى الشوارع وأحرقوا تلفزيون «المستقبل» التابع للحريري، وسقط عشرات القتلى في مختلف المناطق اللبنانية.
وبعد اتفاق الدوحة في العام 2008 عاد الطرفان للتعايش في السلطة إلى أن انفجر الوضع السياسي من جديد في العام 2011 بعد استقالة وزراء «حزب الله» والتيار «الوطني الحر» أثناء زيارة الحريري إلى البيت الأبيض. وبعد اندلاع الأزمة في سوريا تفاقم الوضع وصولا إلى العام 2014 حين أعلن الحريري من لاهاي، حيث كانت تجري المحاكمات في اغتيال والده، قبوله تشكيل حكومة مع «حزب الله» تحت عنوان «ربط النزاع». وبدأت في العام 2015 اجتماعات ثنائية بين الطرفين برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري أسهمت إلى حد بعيد بإرساء التهدئة والاستقرار في البلد.
ويعتبر مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر، أن «حزب الله»، يحاول اليوم إدخال تعديلات بشكل غير مباشر إلى اتفاق الطائف، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه أدخل مفهوم الثلث المعطل إلى الحكومات في مرحلة سابقة، ثم عمد إلى تكريس وزارة المالية لـ«الثنائي الشيعي» رابطا إياه بالتوقيع الثالث للطائفة الشيعية، وصولا إلى رفعه ورقة الميثاقية للإطاحة بأي حكومة لا يتمثل فيها «الثنائي»، ومؤخرا حاول فرض معايير للتشكيل لم يلحظها الدستور أو اتفاق الطائف. وأضاف نادر: «ما نحن بصدده هو دفع (حزب الله) باتجاه إعادة النظر بالعقد الاجتماعي القائم وتوزيع جديد للصلاحيات، وكل هذا يحصل على حساب المكون السني في السلطة».
بالمقابل، ترى الدكتورة أمل غريب المحاضرة في العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، أن «المثالثة» في الحكم بدأت تطبق منذ العام 2005 وإن كان اتفاق الطائف يتحدث عن المناصفة، لافتة إلى أنه «وبعد خروج السوريين من لبنان، كان لا بد لـ(حزب الله) والطائفة الشيعية أن تبحث عن الشراكة الحقيقية من خلال الدفع باتجاه تطبيق المثالثة». واستبعدت غريب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون الأزمة الحكومية التي نحن بصددها قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وبالتحديد إلى المرحلة التي سبقت «ربط النزاع» بين «حزب الله» و«المستقبل». وأضافت: «ما يسعى إليه (حزب الله) ليس إبعاد الحريري عن السلطة إنما كسر هيمنته على الطائفة السنية، وهو ما من شأنه أن يُبعد شبح الصراع السني - الشيعي، لا أن يقرّبه منا، باعتبار أن الحزب وبإصراره على تمثيل حلفائه السنة، يسعى للتأكيد أن هناك سنة يدعمونه وفي خطه وهو ليس بمواجهة معهم لا في المنطقة أو في لبنان».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.