مانيلا تبتعد عن واشنطن وتقترب من بكين

في مقابل ابتعاد بعض الدول عن واشنطن، قدمت الصين عشرات مليارات الدولارات بشكل قروض منذ 2013 في إطار سعيها لتوسيع نفوذها السياسي في العالم، في مواجهة الهيمنة الأميركية التي عكست نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصاً في آسيا. وفي الفلبين كسبت الصين شريكاً غير متوقع في 2016 مع انتخاب رودريغو دوتيرتي رئيساً، الذي هز روابط عمرها قرن بين الفلبين والولايات المتحدة، وسعى للتجارة والاستثمار مع المنافس الأميركي، وأدى وصوله للسلطة إلى تدهور العلاقات مع واشنطن، وقام بتوجيه السياسة الخارجية لبلاده بشكل واضح نحو روسيا والصين، رغم تراجع التوتر منذ تولي دونالد ترمب الحكم في البيت الأبيض، وتوقف الانتقادات الأميركية لحرب دوتيرتي على المخدرات في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وأعلن الرئيس دوتيرتي «انفصاله» عن الولايات المتحدة، معتبراً أن الأرخبيل، المستعمرة الأميركية حتى 1946، استفادت قليلاً من هذا التحالف.
وصول شي جينبيغ للفلبين في زيارة رسمية هي الأولى لرئيس صيني منذ 13 عاماً، هو انعكاس آخر للتنافس القائم بين بكين وواشنطن على النفوذ في منطقة المحيط الهادي. وكانت مانيلا أعربت عن أملها في أن تسفر الزيارة التي تستمر يومين، عن التوقيع على اتفاقيات استثمار في مشروعات بنى تحتية كبيرة وعدت بكين دوتيرتي بها لدى زيارته الصين قبل عامين.
ولكن حتى قبل وصول شي بعد ظهر الثلاثاء، توجه مئات المتظاهرين إلى السفارة الصينية احتجاجاً على تعزيز العلاقات مع بكين. وهتف المتظاهرون «الفلبين ليست للبيع».
وأعرب أغلبية الفلبينيين عن عدم موافقتهم عن سياسة حكومتهم في عدم اتخاذ إجراء بشأن توغلات الصين في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، وقالوا إنهم يعتقدون أنه من المهم استعادة السيطرة على الجزر المحتلة، حسبما أظهر استطلاع للرأي، اليوم الثلاثاء.
وكان قد أدى الخلاف حول بحر الصين الجنوبي الغني بالموارد، الذي تمر من خلاله تجارة بقيمة مليارات الدولارات، إلى تجميد العلاقات بين مانيلا وبكين، التي ما لبث أن تحسنت في عهد دوتيرتي. وخالف دوتيرتي سياسة سلفه بنينو أكينو باختياره تجاهل حكم أصدرته محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، وأعلنت فيه لا شرعية مطالب بكين على كامل بحر الصين الجنوبي تقريباً. وكشف الاستطلاع، الذي تم إجراؤه في عموم البلاد، أن 84 في المائة ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنه ليس من الصواب أن تترك الحكومة الفلبينية الصين وحدها، بنيتها التحتية ووجودها العسكري، في الأراضي التي نطالب بها. وأظهرت نتائج الاستطلاع أن 16 في المائة فقط أيدوا سياسة «عدم فعل شيء» لحل النزاع الإقليمي مع الصين.
ووجد الاستطلاع أيضاً أن 87 في المائة ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أنه من المهم أن تستعيد الفلبين السيطرة على الجزر التي احتلتها الصين. وصدرت نتائج الاستطلاع قبل ساعات من وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى مانيلا. ومن المتوقع أن يناقش شي ودوتيرتي الجهود الرامية إلى تعزيز العلاقات الثنائية على الرغم من النزاع الإقليمي حول بحر الصين الجنوبي. وقال سلفادور بانيلو المتحدث باسم دوتيرتي في بيان: «زيارة الرئيس الصيني للفلبين تمثل فرصة لتعزيز وتقوية علاقاتنا الثنائية مع الدولة الأجنبية». وأضاف، في تصريحات نقلتها الوكالة الألمانية للأنباء، أن الفلبين تشيد بجهود الصين لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة من خلال السعي إلى إجراء حوارات ومشاورات في التعامل مع النزاع في بحر الصين الجنوبي. وتابع: «بسبب سياسة الرئيس دوتيرتي الخارجية الحذرة والعملية والمستقلة، فإننا نتوقع المزيد من الفرص لإقامة تعاون وصداقة أفضل مع الصين».
ويسعى دوتيرتي إلى تطوير العلاقات مع بكين والحصول في هذه الأثناء على المساعدة لبلاده التي يبلغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة. ووعدت الصين بضخ مليارات الدولارات من الاستثمارات والقروض في مشروعات بنى تحتية كبيرة، لكن هذه المبالغ لم تصل حتى الآن إلى مانيلا. ويقول معارضو دوتيرتي إنه قد خُدع. ويندد آخرون بـ«فخ الديون»، طارحين مثالاً على ذلك السياسة الصينية للقروض للبلدان النامية. ويؤكد المحلل الفلبيني ريتشارد هيداريان أن الوعود الصينية أقنعت مانيلا بـ«اعتماد سياسة التمهل» حول مسألة بحر الصين، لكن بكين لم تلتزم بما يتعلق بها في هذه الصفقة.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، قال: «نعرف أن حسابات جيوسياسية قد حصلت». وأضاف: «ما هي المنفعة التي يحصلون عليها من الاستعجال إذا ما أعطاهم دوتيرتي كل ما يطلبونه؟». وأوضح وزير الميزانية بنجامين ديوكنو، أن التأخر ناجم فعلاً بصورة جزئية عن الجهل الصيني بإجراءات تقديم العطاءات، لكنه يأمل أن تتسارع الأمور. وقال غريغوري ويات، المحلل لدى مؤسسة «فيليبينز كونسالتنسي»، إن المشروعات الكبيرة تصطدم أيضاً بمشكلات تنظيمية وخلافات سياسية. وأضاف أن «الاستثمارات الأجنبية قد وصلت»، خصوصاً على الصعيد العقاري والمؤسسات الموجودة، «لكن ليس قروض البنى التحتية».