تونس: وزراء سابقون يقاضون الغنوشي إثر اتهامهم بالفساد

TT

تونس: وزراء سابقون يقاضون الغنوشي إثر اتهامهم بالفساد

أعلن أكثر من وزير تونسي سابق التقدم بشكوى قضائية ضد راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، على خلفية اتهامه المغادرين لحكومة يوسف الشاهد، إثر التحوير الوزاري الأخير بـ«الفاسدين». وتوالت خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، ردود الفعل الرافضة لتوصيف الغنوشي لمغادري حكومة يوسف الشاهد بالفاسدين، وذلك على هامش إشرافه على الجلسة العامة السنوية الرابعة لكتلة حزبه في البرلمان.
وتواجه الحركة كذلك اتهامات بتشكيل أمن سري مواز للأمن التونسي الرسمي، من خلال «غرفة سوداء» مزعومة تحتوي على وثائق أخفتها قيادات الحركة عن القضاء التونسي، علاوة على ضلوعها سنة 2013 في عمليتي اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهي اتهامات نفتها حركة النهضة.
وعبّر كل من وزير العدل السابق غازي الجريبي، ومبروك كرشيد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية السابق، وماجدولين الشارني وزيرة الشباب والرياضة السابقة، عن عزمهم مقاضاة الغنوشي على خلفية تصريحاته التي جاء فيها أن حزبه «أعطى (فيتو) بإقالة الوزراء الفاسدين، وأن التحوير الأخير أزاح وزراء فاسدين».
وطالب هؤلاء الوزراء رئيس حركة النهضة بمدّ القضاء بالأدلة والحجج على وجود وزراء فاسدين، وفي حال عجزه عن ذلك، فإنه يعتبر متستراً على الفساد، أو مدّعياً بالباطل ومتهماً بالثلب.
واعتبر الجريبي أنه غير معني بكلام الغنوشي بخصوص تهم الفساد المزعوم؛ لكنه اعتبر هذا التصريح خطيراً، ويتضمن «مغالطة للرأي العام»، على حد تعبيره. فيما اعتبرت الشارني أن يوسف الشاهد رئيس الحكومة لم يقيم أداء الوزراء ولم يتهمهم بالفساد، بل علّل تغييرهم خلال التحوير الوزاري بالإكراهات السياسية، وليس بالفساد كما جاء على لسان الغنوشي.
وكان فوزي عبد الرحمن، وزير التشغيل والتكوين المهني المغادر للحكومة، قد عبّر عن انزعاجه من تصريحات الغنوشي، ودعاه إلى ذكر أسماء الوزراء الفاسدين وعدم الخلط بينهم. كما اعتبر أن منطق الدولة يقتضي شكر أعضاء الحكومة المغادرين مهما كانت حصيلة أدائهم، على حد قوله.
يذكر أن يوسف الشاهد قد أطاح في التحوير الوزاري الأخير نحو نصف حكومة الوحدة الوطنية، التي شكلها خلال شهر أغسطس (آب) 2016، وغيّر نحو 20 حقيبة وزارية، وتمت المصادقة على أعضاء الحكومة الجدد من قبل البرلمان التونسي.
وفي ردها على هذه الانتقادات، سارعت حركة النهضة إلى التأكيد على أن رئيسها لم يقصد الإساءة المباشرة أو غير المباشرة للوزراء المغادرين، ولم يوجه اتهاماً إلى أحد بالفساد، وإنما تحدث عن المعيار المعتمد في تقييم الترشيحات والأداء، بالتشاور مع رئيس الحكومة الذي اختار فريقه بملء إرادته، وبما يجعله المسؤول الأول والأخير عن نتائجه.
وعبرت الحركة عن أسفها لتسرع البعض في تحميل الكلام أكثر مما يحتمل: «خاصة أنه لم يقصد الإساءة المباشرة أو غير المباشرة للوزراء المغادرين، ومنهم عماد الحمامي القيادي البارز في الحركة»، مؤكدة احترامها لأعضاء الحكومة المغادرين.
وكان حزب «آفاق تونس» قد اعتبر أن التصريحات الصادرة عن راشد الغنوشي «غير مسؤولة، وتكرّس عدم الثقة في مؤسسات الدولة»، كما أنها تؤكد على «عقلية الهيمنة والتحكم في ممارسة السلطة، من قبل ممثّل الإسلام السياسي في الحكومة». وعبّرت الهيئة السياسية للحزب عن استغرابها مما تضمنه حديث الغنوشي عن رفعه «فيتو» في وجه وزراء فاسدين، دون تحديد أسماء وتقديم معطيات جدية حول ملفات الفساد إن كانت موجودة.
من ناحية أخرى، أكد نور الدين الطبوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل (رئيس نقابة العمال) في تصريح إذاعي، أن الاجتماع الذي جمعه صباح أمس برئيس الحكومة التونسية حول زيادة أجور أعوان الوظيفة العمومية (الوزارات والفروع التابعة لها) قد باء بالفشل، وأن الحكومة لم تقدم أي مقترح في هذا الإطار. وكشف الطبوبي عن مواصلة نقابة العمال الاستعداد لإضراب عام في الوظيفة العمومية، يوم غد 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، وأنها ستعقد نهاية الأسبوع الحالي اجتماعاً نقابياً لاتخاذ خطوات تصعيدية أخرى، قد تصل حد الإضراب العام والشامل في كافة الأنشطة الاقتصادية والإدارية.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».