«متحف التحرير» سيظل وجهة لمحبي الآثار

في محاولة لتخفيف الشكوك حول مستقبل المتحف المصري بالتحرير، عندما يتم افتتاح المتحف المصري الكبير بالجيزة، نظمت وزارة الآثار المصرية، مساء أول من أمس (الاثنين)، حفلاً بمناسبة مرور 116 عاماً على افتتاح متحف التحرير، حضره 18 وزيراً، إضافة إلى عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين، وسفراء وممثلي البعثات الأجنبية، معلنين عن خطة لتطوير المتحف التاريخي ليظل واحداً من أهم المتاحف المصرية والعالمية.
ويعد المتحف المصري بالتحرير من أوائل المتاحف بالعالم، ويعود تاريخ إنشاؤه إلى عام 1897 عندما وضع المعماري الفرنسي مارسيل دورنون تصميم المتحف على ضفاف النيل، وتم افتتاحه في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1902.
ومع مرور الزمن أصبح المتحف متكدساً بالآثار إلى درجة أن البعض وصفه بالمخزن، حيث يضم 160 ألف قطعة أثرية، وهو ما كان سبباً في إنشاء متحفين جديدين: المتحف المصري الكبير، ومتحف الحضارة.
تقول إلهام صلاح، رئيس قطاع المتاحف بوزارة الآثار، إن «الشعور بالانزعاج على مستقبل المتحف المصري بالتحرير بدأ عام 1999 عندما تم وضع حجر أساس متحف الحضارة، وبعد ذلك عند إجراء المسابقة العالمية لتصميم المتحف الكبير عام 2002».
وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «العالم بدأ يتساءل عما سيحدث للمتحف المصري، هل سيتم إهماله أو إغلاقه، لكن ما لا يعرفه الناس أنه في تلك الفترة بدأت مجموعة من خبراء المتاحف الإيطاليين، مع فريق من العلماء المصريين وضع رؤية للمتاحف الثلاثة، وتم الاتفاق على فكرة وهوية كل متحف بحيث تكون المتاحف الثلاثة على نفس الدرجة من الأهمية، ثلاث أيقونات مصرية».
وحول المخاوف من خروج عدد كبير من القطع الأثرية من متحف التحرير، قالت صلاح إن «التعليق الشهير المنتشر عن المتحف أنه مخزن، مما يعني وجود عدد كبير من القطع الأثرية المتكدسة به، والتحدي هو كيفية إعادة عرض القطع الأثرية وفق سيناريو عرض يمنحها البريق والإبهار»، مشيرة إلى أنه «تم تشكيل لجنة من علماء الآثار والمتاحف، ومديري 5 من متاحف العالم الكبرى، يعملون حالياً على وضع تصور لشكل متحف التحرير».
وأضافت: «تم اختيار أهم 5 آلاف قطعة أثرية للحفاظ على هوية المتحف، ويجري حالياً وضع تصور لسيناريو العرض، باستخدام التكنولوجيا، لمنحه صبغة عالمية، دون المساس بهويته وتاريخه»، مشيرة إلى أنه «سيتم الحفاظ على فكرة عقارب الساعة التي كانت أساساً لسيناريو العرض القديم، والحفاظ على بعض الفتارين القديمة، لكن سيضاف بعض التكنولوجيا مثل حائط المعرفة».
وكان متحف التحرير يضم مجموعة آثار الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون»، غير أنه تم نقل جزء كبير منها إلى المتحف المصري الكبير، الذي يجري إنشاؤه حالياً بميدان الرماية بالجيزة، مما يعني فقدان متحف التحرير أهم مقتنياته.
ورغبةً في تعويض متحف التحرير عن فقدان أهم معروضاته، أجرت وزارة الآثار المصرية تعديلات على سيناريو عرض مجموعة آثار يويا وتويا، وعرضتهما في نفس المكان الذي كانت تعرض فيه بعض مقتنيات الفرعون الذهبي، وأضافت إليها بردية يويا، وهي جزء من كتاب الموتى، كانت موجودة بالمخازن منذ اكتشافها عام 1905، ليتم عرضها للمرة الأولى للجمهور في الاحتفال بعيد ميلاد المتحف المصري.
وتعد أطول بردية، حيث يبلغ طولها 20 متراً، وتضم مجموعة يويا وتويا 214 قطعة أثرية، وتم عمل تطبيق باستخدام تكنولوجيا الواقع المعزز «augmented reality»، لشرح محتويات مقبرة يويا وتويا وبردية يويا بلغة سهلة، وبطريقة «3D»، ومن المقرر أن يضم سيناريو العرض الجديد للمتحف المصري مجموعة آثار تانيس، والآثار المستردة من الخارج.
وتقول صلاح إن «آثار يويا وتويا كانت معروضة من قبل، لكن اليوم مع سيناريو العرض الجديد شكلها مختلف»، مشيرةً إلى أنها «تشعر بالخجل عندما يتم إخراج قطعة من المخازن وعرضها بالمتحف، وتقف مذهولة أمامها لأنها لم ترها رغم أنها تعمل في المتحف منذ 19 عاماً»، لافتةً إلى أن «آثار تانيس الموجودة بمتحف التحرير لم تحظَ بما تستحق».
وأوضحت صباح العبد الرازق، مدير عام المتحف، أن «مقبرة يويا وتويا تم الكشف عنها قبل اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون بـ17 عاماً، وهي المقبرة رقم 46. ويويا وتويا هما والدا الملكة تي زوجة الملك أمنحتب الثالث، وجد وجدة الملك إخناتون، وحظي كل منهما بمكانة رفيعة لدرجة نحت مقبرتهما في وادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر، هذا المكان الذي كان مخصصاً فقط لمقابر الملوك».
وتعد بردية «يويا» أطول بردية عُثر عليها في مصر، وأوضح مؤمن عثمان، مدير إدارة الترميم بمتحف التحرير، أن البردية عُثر عليها متكاملة في شكل لفافة ممتدة، وفي حالة جيدة من الحفظ، ولم يكن في الإمكان عرضها بصورتها الكاملة نظراً إلى طولها الذي يقرب من 20 متراً، لذلك تم تقسيمها عند اكتشافها إلى 35 جزءاً، مشيراً إلى أنه «تم تجميع البردية بعد توثيقها لعرضها في المتحف».
وقال إن «البردية تتضمن 40 تعويذة من (كتاب الموتى)، أو كتاب (الخروج بالنهار)، وهو مجموعة مختارة من التعاويذ والتلاوات والاعترافات والإرشادات، ومجموعة أخرى من المتون الجنائزية». وتعمل وزارة الآثار على تطوير متحف التحرير بالتعاون مع متاحف (تورين وبرلين واللوفر ولايدن والمتحف البريطاني)، وفقاً لمعايير منظمة «يونيسكو»، وتم وضع خطة عمل تستمر 7 سنوات.
وأوضح الدكتور حسن سليم، رئيس لجنة سيناريو العرض المتحفي، لـ«الشرق الأوسط» أن «سيناريو العرض في المتحف مقسم على 5 مراحل، تستمر لمدة 7 سنوات، المرحلة الأولى تتم بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وأهم 5 متاحف في العالم، وتستمر لمدة عامين، ويتم خلالها عمل الخطة الرئيسية ومدخل المتحف، حيث سيتم عرض القطع الأثرية وفقاً لترتيب زمني تبدأ بعصور ما قبل التاريخ وعصر الأسرتين الأولى والثانية».
وقال: «سنختار أهم القطع الأثرية الممثِّلة لكل فترة، مثل أول رأس لمعبود، وهو رأس بني سلامة، وأول رسم في الحضارة المصرية وهي مقبرة الزعيم، المقبرة 100، وسنضع تمثالين مبهرين لأول مرة يظهران هما تمثال كبير للملك نع مر وزوجته، وهكذا ترتيب زمني تاريخي». وأضاف أن «متحف التحرير سيكون متحفاً للفن، لذلك تم اختيار المعروضات لتكون أهم وأجمل قطع أثرية تمثل الفن المصري القديم».