ارتفاع سعر الدولار يقلق سكان دمشق و«كابوس» تأمين الغذاء لا يفارقهم

TT

ارتفاع سعر الدولار يقلق سكان دمشق و«كابوس» تأمين الغذاء لا يفارقهم

عاد شبح ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي ليعصف بأهالي دمشق، بعد استقرار نسبي لمستوى صرف الدولار أمام الليرة السورية، وبات تأمين الغذاء «كابوسا» لا يفارق الأسر بسبب موجة غلاء واسعة طالت معظم الأسعار وعدم مبالاة الحكومة.
وتدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى مستويات كبيرة خلال سنوات الحرب، من دون أن يطرأ تحسن على المرتبات. وبقي الراتب الشهري لموظف الدرجة الأولى نحو 40 ألف ليرة، أي ما يعادل 80 دولاراً، في حين يقدر اقتصاديون، أنّ حاجة الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد تصل إلى 800 دولار شهريا.
وترافق تدهور سعر الصرف مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والخضار ووصل إلى عشرات الأضعاف، الأمر الذي انعكس سلباً على الحالة المعيشية للمواطنين.
وبعد أن كان سعر صرف الليرة أمام الدولار قبل الحرب في 2011 نحو 50 ليرة، شهد خلال سنوات الحرب تدهورا تدريجيا، ووصل إلى أكثر من 600 ليرة في مايو (أيار) 2016. ليعود وينخفض في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 إلى حدود 434 ليرة، ويتذبذب في بدايات 2018 ما بين 470 و450 إلى أن استقر عند 440 ليرة للدولار مع نهاية يوليو (تموز).
لكن سعر صرف الدولار عاد وارتفع من جديد منذ بداية الأسبوع الماضي في السوق السوداء ليصل إلى أكثر من 500 ليرة، بينما بقي على حاله بـ438 في «مصرف سوريا المركزي» ذلك بالترافق مع ارتفاع جديد للأسعار، وسط صمت من مسؤولي الحكومة.
وعزا خبراء اقتصاديون لـ«الشرق الأوسط» التدهور الجديد في سعر الصرف إلى عدة أسباب، منها قرار «مصرف سوريا المركزي» في سبتمبر (أيلول) الماضي الذي يطالب التجار الذين حصلوا على عملات أجنبية من المصرف في 2012 بسعر منخفض عن السوق السوداء، بتقديم وثائق إجازات استيراد تثبت كيفية استخدامهم لتلك المبالغ.
ويقول أحد الخبراء: «مدة تنفيذ القرار تنتهي آخر الشهر الجاري، وهؤلاء (من حصلوا على عملات أجنبية من المركزي) استخدموا تلك الأموال في مضاربات السوق السوداء الداخلية، والآن وخوفا من الملاحقة توجه الكثير منهم إلى السوق السوداء لتجميع تلك المبالغ من أجل إعادتها (إلى المركزي)».
ويوضح الخبراء، أن ارتفاع سعر الدولار الأميركي في السوق العالمي مؤخرا ساهم أيضا في التدهور الجديد في قيمة الليرة، إضافة إلى عدم ثقة الناس بالسياسات الاقتصادية للنظام لتحسين مستوى معيشتهم. ويقول أحدهم «الحكومة اعتمدت سعر 435 ليرة للدولار لميزانية العام 2019. وهذا مؤشر على أنه ليس لديها نوايا لتحسين قيمة الليرة، ما أدى إلى تصاعد القلق لدى الناس وشعورهم بأن سعر الصرف سيذهب إلى مزيد من التدهور، وبالتالي توجه من لديهم بعض المدخرات بالليرة لاستبدالها بالدولار».
ورأى عدد من الخبراء، أن النظام هو من افتعل الارتفاع الجديد في سعر الدولار، لأنه «ربما هو من يشتري الدولار من السوق بهدف تأمين العملة الصعبة لموازنة العام المقبل»، في إشارة إلى تقارير تحدثت عن بقاء نحو مليار دولار من مخزون القطع الأجنبي لديه هبوطاً من 17 مليار دولار قبل الحرب، إضافة إلى استمرار عملية المضاربة على العملات في السوق السوداء، وعدم تدخل النظام لكبحها، لأن معظم المضاربين هم تجار محسوبون عليه.
كما في سيناريوهات تدهور سعر صرف الليرة السابقة، تفاقمت صعوبة الحياة المعيشية لشريحة كبيرة من المواطنين، مع الارتفاع الكبير للأسعار الذي طال معظم المواد، في ظل غياب الرقابة التموينية واستشراء الفساد، حيث وصل سعر كيلو البطاطا إلى 400 ليرة بعد أن كان بـ250. والسكر إلى 250 بعد أن كان بـ200 ليرة.
وكان عدد من الأسر يتدبر أموره المعيشية في سنوات الحرب الأولى، من خلال المرتبات إضافة إلى صرف تدريجي من مدخرات مالية ومجوهرات كانت بحوزتها قبل الحرب، لكن أغلب العائلات نفدت مدخراتها مع طول سنوات الحرب، بحسب سيدة في العقد الرابع من العمر ولديها أربعة أبناء، تحدثت لـ«الشرق الأوسط». وتقول السيدة التي تقيم في أحد أحياء العاصمة: «تكاليف المعيشة باتت غير مقدور عليها. أنا موظفة وزوجي موظف ونحصل على 80 ألفا شهريا، وبيتنا ملك، ومع ذلك المرتبان لا يكفيان لعشرة أيام».
وفي مؤشر إلى ضعف القوة الشرائية للمواطنين، يلاحظ في الأسواق ورغم ازدحامها تراجع الإقبال وبشكل كبير على عمليات الشراء، وتناقص الكميات من قبل الذين يقبلون على الشراء.
وبينما يؤكد صاحب محل للمواد الغذائية يقع في سوق للخضار، أن مبيعاته منذ أسبوع تراجعت إلى «أكثر من النصف»، يوضح رجل في الخمسينات لـ«الشرق الأوسط» أثناء تجوله في السوق، أنه يأتي يوميا إلى السوق لعله ينجح في توفير «طبخة رخيصة»، لكنه يعود في أغلب الأحيان بـ«خمس بيضات (سعر البيضة 50 ليرة) ونصف كيلو مسبحة (حمص مطحون)». ويضيف: «كل شيء موجود. لكنه غال جدا. الطبخة بدها 4 – 5 آلاف».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».