الجسيمات البلاستيكية الصغيرة... مخاطر على الإنسان

أحجامها المتناهية في الصغر تسهل تغلغلها في الغذاء

البحار ملوثة بالنفايات البلاستيكية
البحار ملوثة بالنفايات البلاستيكية
TT

الجسيمات البلاستيكية الصغيرة... مخاطر على الإنسان

البحار ملوثة بالنفايات البلاستيكية
البحار ملوثة بالنفايات البلاستيكية

أكد باحثون علميون في النمسا الشهر الماضي عثورهم لأول مرة على جسيمات بلاستيكية متناهية الصغر بقطر 50 إلى 500 ميكرون في أجسام أفراد من قارات مختلفة، بعد تناولهم أغذية وسوائل مغلفة ومعبأة بالبلاستيك.
وتهدد الجسيمات البلاستيكية الميكروية Microplastics الإنسان والطبيعة، وهي دقائق صغيرة جدا من البلاستيك تأتي من مصادر مختلفة وبأحجام متباينة ومكونات كيميائية مختلفة أيضا يتراوح حجمها بين 0.1 – 5000 ميكرون (الميكرون يساوي واحد من المليون من المتر).

جسيمات البلاستيك

• جسيمات أولية وثانوية. وقد تم تشخيص نوعين منها الجسيمات الأولية والجسيمات الثانوية. الجسيمات البلاستيكية الأولية تصنع تجاريا من حبيبات وكريات من مختلف البوليميرات الصناعية مثل البولي إيثلين والبولي بروبلين وغيرهما. أما الجسيمات البلاستيكية الثانوية فتتكون من التقادم الكيميائي والفيزيائي وعمليات تحلل المواد مثل الأكياس والقناني البلاستيكية، وهي من أهم مصادر التلوث البلاستيكي في الطبيعة.
تنشأ الجسيمات البلاستيكية الثانوية الأكثر انتشارا، من تكسر الأنقاض البلاستيكية الطافية في المحيطات من خلال التعرض الطويل للأشعة فوق البنفسجية وكذلك التآكل الفيزيائي. وقد يكون منشؤها من مصادر مائية أو أرضية، فالتي مصدرها من المياه تشتمل على أدوات الصيد ومياه الصرف من البواخر، أما التي مصدرها أرضي فقد يكون من الأكياس البلاستيكية أو مواد التغليف أو مخلفات صناعة البلاستيك. وتترسب الأجزاء الصغيرة الحجم في قاع البحر ثم إلى أعماق المحيط وقد عثر على الجسيمات البلاستيكية الثانوية في العوالق المائية وفي الحيوانات الفقرية واللافقاريات.
• الجسيمات البلاستيكية والطبيعة. الجسيمات البلاستيكية الأولية تستخدم كحبيبات أو كرات صغيرة من المادة الصمغية resin pellets عند تصنيع المنتجات البلاستيكية وتستخدم كذلك في الرمل الصناعي في المتفجرات ومعاجين التنظيف وبعض مستحضرات التجميل.
هناك مصدر آخر للتلوث البلاستيكي هو السلوك غير المبالي للكثير من البشر. فالإهمال في التخلص من العبوات والأكياس والقناني والعلب البلاستيكية جميعها تنتهي كنفايات في الطبيعة. ولأن البلاستيك لا يتحلل سريعا فإنه يبقى في الطبيعة لفترة غير محدودة ومن خلال التقادم والانحلال يمكن للجسيمات البلاستيكية الثانوية أن تنبعث من الملابس الصناعية مثل الصوف الصناعي الذي يصنع من ألياف البولي ايستر والبولي اكريلك وخلال لبس أو غسل تلك الألياف الصناعية تنبعث الجزيئات الصغيرة في الهواء وفي مياه الصرف.

البلاستيك في الغذاء

• تغلغل الجسيمات البلاستيكية في الغذاء. استنادا إلى المعهد الفيدرالي لتقدير الأخطار Federal Institute for Risk Assessment (BFR) لا توجد معلومات معتمدة حول التركيب الكيميائي وحجم ومحتوى الجسيمات البلاستيكية الصغيرة الموجودة في الغذاء. ولقلة المعلومات فإن تقدير الخطر الصحي لتناول الغذاء الملوث بالجسيمات البلاستيكية الصغيرة محدود جدا. وقد أعدت الهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء (EFSA) تصورا علميا شاملا حول وجود تلك الجسيمات في الغذاء خاصة الأغذية البحرية. وتكمن المخاوف هنا في احتمال ابتلاع الجسيمات البلاستيكية بأحجام معينة مع الغذاء لكن لا توجد معلومات وافية لحد الآن عن مصير الجسيمات وإمكانية انحلالها في القناة الهضمية.
استنادا إلى الهيئة الأوروبية فإن الدراسات المتوفرة أظهرت أن الامتصاص المعوي قليل جدا في أمعاء الفئران وأن الجسيمات البلاستيكية التي يقل حجمها عن 150 ميكرونا يمكنها عبور الحاجز المعوي والتي يقل حجمها عن 1.5 ميكرون تصل إلى الأعضاء الداخلية العميقة لكن هذه الدراسة لم تشمل الإنسان.
• الجسيمات البلاستيكية في الأسماك والأغذية البحرية. لا توجد دراسات توضح مصير الجسيمات البلاستيكية خلال عملية تصنيع الأغذية البحرية وغالبا ما يأكل البشر لحوم الأسماك من دون أمعائها حيث إن معظم الجسيمات البلاستيكية سوف توجد في القناة الهضمية إلا أن ذلك لا ينطبق على المحار shellfish والأنواع الصغيرة من الأسماك مثل السردين. بعض الحيوانات مثل الدواجن والخنازير يتم إطعامها من مخلفات الأسماك وبذلك فإن الجسيمات البلاستيكية ينتهي بها المطاف في الأغذية غير البحرية.
المأكولات البحرية ذات الصدفتين مثل بلح البحرmussels تؤكل دون إزالة القناة الهضمية وبذلك فهي تمثل سيناريو لتعرض الجسيمات البلاستيكية لكل أنواع الأسماك والأغذية البحرية الأخرى.

مستحضرات التجميل

• الجسيمات البلاستيكية في مستحضرات التجميل. هناك مخاطر صحية من امتصاص الجسيمات البلاستيكية الصغيرة في الجلد أو الفم عن طريق التقشير أو المواد الهلامية (جل) المستخدمة في الاستحمام لكن حجم الجزيئات الذي يزيد عن 1 ميكرون لا يتوقع امتصاصه من قبل الجلد السليم. وحتى لو تم ابتلاع تلك المستحضرات عن طريق الخطأ فلا يتم امتصاص سوى الجسيمات الصغيرة جدا لو ابتلعت فغالبيتها تطرح مع البراز.
• الجسيمات البلاستيكية كأدوات ناقلة لمواد أخرى غير مرغوبة. حديثا أشار الخبراء إلى أن بعض المواد تتراكم على الجسيمات البلاستيكية حيث ترتبط تلك المواد اعتمادا على خواصها السطحية الكيميائية والفيزيائية بحيث يمكن أن تتفاعل معها. ترتبط الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات بالجسيمات البلاستيكية. كما تم توضيح إمكانية تكون الأغشية الرقيقة من البكتيريا على الجسيمات الطافية على الماء ولم يتم التحقق حتى الآن من دور الجسيمات البلاستيكية كأداة نقل للبكتيريا والفيروسات التي تشكل خطرا صحيا على المنتجات الغذائية أو صحة البشر.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة
TT

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

إن مسألة ما إذا كان الانحباس الحراري العالمي يتسارع، هي مسألة مثيرة للجدال بشدة بين علماء المناخ، ففي حين زعم ​​البعض أن معدل الانحباس الحراري الحالي -الذي بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق في العام الماضي- يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة انبعاثات الوقود الأحفوري وبالتالي يتماشى مع نماذج المناخ الحالية؛ يُحذر آخرون من أن الأرض أضحت أكثر حساسية لتأثيرات الوقود الأحفوري مما كان يُعتقد سابقاً، وأن البشرية تتجه نحو نقاط تَحوّل لا يمكن العودة منها.

وتيرة ارتفاع الحرارة أقل داخل مومباي والقاهرة

في دراسة حديثة، زادت مجموعة من الباحثين من جامعة ملبورن تعقيد هذا النقاش من خلال تحليل معدلات الانحباس الحراري في جميع أنحاء العالم والأسباب المحتملة للاختلافات الإقليمية.

النتيجة الرئيسية التي توصلوا إليها: تزداد حرارة الكرة الأرضية بمعدل أسرع، لكن هذا التسارع يحدث بشكل غير متساوٍ. ولكن من المثير للدهشة أن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مع التركيزات الكبيرة من الفقر -المدن الكبرى مثل القاهرة ومومباي-ـ ترتفع درجة حرارتها ببطء أكثر من المراكز الحضرية في أوروبا وأميركا الشمالية.

دقائق الهباء الجوي تعكس أشعة الشمس

لماذا؟ وجد الباحثون أن الكمية الكبيرة من دقائق الهباء الجوي في الهواء في المدن شديدة التلوث تعكس ضوء الشمس إلى الفضاء، وعلى الأقل في الأمد القريب، يمكن أن يكون لها تأثير تبريدي صافٍ على السكان.

وأشادت إديث دي جوزمان، المتخصصة في سياسة التكيف في مركز لوسكين للابتكار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، بالباحثين، على عملهم.

وأكد مؤلفو الورقة البحثية أن النتيجة لا ينبغي أن تؤخذ على أنها علامة جيدة. فمن ناحية، من المرجح أن تكون مؤقتة فقط. وثانياً، تأتي الحماية، كما هي، فقط من الملوثات الضارة. ووافقت دي جوزمان على هذا الاستنتاج، قائلةً إن الاحترار المتسارع يعني أن «السكان الذين هم بالفعل عُرضة بشكل صارخ لمجموعة متنوعة من الظلم البيئي والمناخي سوف يكونون أكثر عرضة للخطر».

التخلص من التلوث الجوي يزيد الحرارة

ومع تطور البلدان اقتصادياً، تميل حكوماتها إلى تبني سياسات لتنقية البيئة من التلوث، ولكن مع صفاء الهواء، سوف تتعرض الفئات السكانية الضعيفة لخطر التعرض للحرارة الشديدة. وقد قدم كريستوفر شوالم، مدير برنامج المخاطر في مركز «وودويل لأبحاث المناخ»، مثال الصين، حيث بدأت الحكومة في تجهيز محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بتقنيات الحد من الانبعاثات مثل أجهزة التنظيف، لمنع السخام من التسرب من المنشأة. وقال إن مثل هذه التدابير جيدة لجودة الهواء، لكنها ستسمح بتسرب مزيد من الحرارة من الشمس.

الفقر يزيد تأثيرات ارتفاع الحرارة

وسوف يكون الأكثر تضرراً هم أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى مكيفات الهواء والمناطق المظللة. وأضاف شوالم: «كلما كنت أكثر فقراً، ارتفعت درجة الحرارة، حيث تكون الحرارة استعارة لجميع أشكال اضطراب المناخ».

وأوضح شوالم أن المجتمع العلمي لديه نحو ثلاثين نموذجاً مناخياً متطوراً للغاية يُنظر إليه بشكل جماعي على أنه «لجنة من الخبراء» حول مسار الانحباس الحراري العالمي. يعتقد أن دراسة الاحترار المتسارع مفيدة لأنها يمكن أن تساعد البلدان على التخطيط لتدابير التكيف مع المناخ وفهم مدى واقعية أهداف سياسة المناخ الحالية -أو عدمها.

تغيرات مناخية مؤثرة

في العام الماضي، لم يحقق العالم أهداف الانبعاثات من اتفاقية باريس لعام 2015، وهو في طريقه لفعل نفس الشيء هذا العام. أصبح العلماء أكثر صراحةً بشأن ما تسمى وفاة التزام اتفاقية باريس بالحفاظ على العالم دون زيادة في درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت)، في محاولات لإجبار صناع السياسات على التعامل مع حتمية موجات الحر المتفاقمة والأحداث الجوية المتطرفة القادمة.

يقدم مؤلفو ورقة ملبورن رؤى مطلوبة بشدة حول شكل المستقبل وكيف يجب على الدول الاستعداد: «يجب أن تشجع نتائجهم «استراتيجيات التكيف مع المناخ المستهدفة» الموجهة إلى أفقر المجتمعات الحضرية في جميع أنحاء العالم.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».