لا أمان لفلسطيني في غزة و«شقا العمر» قد يضيع بلحظة

عائلة غزاوية نجت من الغارات الإسرائيلية مرتين

فلسطينيون يقفون فوق ركام مبنى في مدينة خان يونس قصفته الطائرات الإسرائيلية (رويترز)
فلسطينيون يقفون فوق ركام مبنى في مدينة خان يونس قصفته الطائرات الإسرائيلية (رويترز)
TT

لا أمان لفلسطيني في غزة و«شقا العمر» قد يضيع بلحظة

فلسطينيون يقفون فوق ركام مبنى في مدينة خان يونس قصفته الطائرات الإسرائيلية (رويترز)
فلسطينيون يقفون فوق ركام مبنى في مدينة خان يونس قصفته الطائرات الإسرائيلية (رويترز)

استيقظ أفراد عائلة مازن تربان الأسبوع الماضي، مثل ألوف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، على ضربات جوية إسرائيلية، وعلى أصوات انطلاق صواريخ من القطاع باتجاه البلدات الإسرائيلية المحاذية للحدود مع غزة، في أخطر عمليات تبادل لإطلاق النار منذ العدوان الإسرائيلي على القطاع في سنة 2014.
وكان مازن تربان (52 عاماً) قد انتقل مع أفراد عائلته من ضاحية الشجاعية، شرق غزة، إلى حي الرمال غرب المدينة، ظناً منه أنه أكثر مناطقها أماناً.
ونقلت «رويترز» عن مازن، وهو أب لسبعة، قوله: «جرى قصف البناية الملاصقة لبنايتنا، بعدة صواريخ من طائرات (إف 16) وتدمير المنزل، البناية بالكامل تم تدميرها. رجعت أنظف بيتي وأشيل ما تبقى من الركام والردم اللي في البيت».
وأضاف: «والكل بيعرف شو صار بحي الشجاعية بعام 2014، الحرب اللي استمرت لمدة 52 يوماً، وتركنا منازلنا وهربنا وقعدنا في مدارس اللجوء وأماكن اللجوء، رجعنا لقينا بيوتنا مدمرة، فاضطررت إني أشتري في أأمن (الأكثر أمناً) منطقة في قطاع غزة. أأمن منطقة في قطاع غزة هي منطقة الرمال والجندي المجهول، فاشتريت في منطقة الجندي المجهول عشان أحمي أبنائي وأولادي من اللي بيصير من الحروب ومن الدمار ومن القتل، من الموت اللي بنواجهه، وفوجئت أنه لا أمان لأي فلسطيني في قطاع غزة».
وتعرضت شقة عائلة تربان، المؤثثة بشكل جيد، الأسبوع الماضي، لأضرار بالغة جراء تدمير المبنى المجاور للمبنى الذي يقع فيه بيت العائلة.
ومثل ألوف العائلات التي نزحت من بيوتها خلال حرب 2014، عندما تعرض حي الشجاعية القديم لأضرار جسيمة بسبب الحرب، اضطرت عائلة تربان للنزوح.
وقوضت اشتباكات الأسبوع الماضي، قُتل فيه ثمانية فلسطينيين، جهود الأمم المتحدة ومصر وقطر للوساطة في وقف إطلاق نار طويل الأمد، وتجنب صراع كبير آخر في القطاع الفقير ذي الكثافة السكانية المرتفعة.
يتذكر الطفل ماجد تربان (12 عاماً) ما جرى، فيقول: «محمد أخوي كان حامل ستي (جدتي) وطالع فيها جراي (ركضاً)، قعدت أجري وراه ما شفت حدا قدامي، قعدت أجري وراه، وقعت ستي على عينها، تمزعت (تمزقت) عينها كلها. أنا وقفت مصدوم ما عرفت أسوّي حاجة. ظليتني ماشي وقعدت أجري، أجري، أجري، حسيت الشعور نفسه وأنا حاسه في الشجاعية، لما (عندما) شردنا (هربنا) من بيوتنا من الشجاعية، الشعور نفسه بالضبط، حسيت حالي قعدت أعيط وأجري وين أمي؟ وين أمي؟ قعدت أعيط يعني. كانوا يقصفون الصواريخ (من) الزنانة في الشارع».
وقالت رنا تربان: «شعور صعب بصراحة، يعني أنا طول الوقت وأنا ماشية بادور (أبحث) على ابني، وبادور على أولادي وعلى أمي وين راحوا ووين أجو؟ وزوجي في مكان وأولادي في مكان، وأنا قاعدة بامشي وباعيط وتايهة مش عارفة. حسيت إنه ممكن كل تعب العمر وشقا العمر ممكن إنه يروح بلحظة».
وتوقف إطلاق النار بين الفصائل المسلحة في قطاع غزة وإسرائيل مساء الثلاثاء 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بعد وساطة مصرية ليعم الهدوء النسبي حدود غزة، بعد أعنف تبادل للقصف منذ حرب 2014.
غير أن الخصمين، إسرائيل و«حماس»، أوضحا أن توقف القتال ما هو إلا استراحة محارب لكل منهما، وليس ترتيباً طويل الأجل.
هدأ القتال الساعة الخامسة مساء (1500 بتوقيت غرينتش). وقال مسؤول فلسطيني مطلع على المفاوضات، إن فصائل غزة أوقفت إطلاق النار في إطار اتفاق اقترحته مصر. وأكد مسؤولون إسرائيليون مشاركة القاهرة في الترتيب الذي تم التوصل إليه.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.