رئيس الوزراء العراقي يكرّر خطأ سلفه العبادي

عبد المهدي في مأزق بعد فشله في تشكيل حكومة قوية

عبد المهدي في زيارة سابقة إلى مقر البرلمان في بغداد (رويترز)
عبد المهدي في زيارة سابقة إلى مقر البرلمان في بغداد (رويترز)
TT

رئيس الوزراء العراقي يكرّر خطأ سلفه العبادي

عبد المهدي في زيارة سابقة إلى مقر البرلمان في بغداد (رويترز)
عبد المهدي في زيارة سابقة إلى مقر البرلمان في بغداد (رويترز)

ليسَتْ حكومة عادل عبد المهدي الأولى بين الحكومات العراقية في عهد ما بعد 2003، التي يتأخَّر تشكيلها، كلّياً أو جزئياً، أشهراً عدّة بسبب الخلافات والصراعات بين القوى السياسية على المناصب الوزارية. الحكومة السابقة التي ترأسها حيدر العبادي، مثلاً، لم تتشكّل إلا بعد نحو أربعة أشهر ونصف الشهر من إجراء الانتخابات البرلمانية التي أثمرتها في 2014. قبلها كانت حكومة نوري المالكي الثانية (2010 - 2014) قد امتدّ تشكيلها إلى ثمانية أشهر بعد الانتخابات.
عبد المهدي عُهِد إليه أمر تأليف الحكومة في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكنّه لم يستطع تقديم تشكيلته غير المكتملة إلا بعد أربعة وعشرين يوماً، فقد عرض على مجلس النواب العراقي حكومة من 14 وزيراً، مؤجِّلاً إلى وقت لاحق تقديم البقية من الوزراء، وعددهم ثمانية، بينهم وزيرا الداخلية والدفاع. الوقت اللاحق استمرّ إلى اليوم بسبب خلافات قوية على الوزيرين الأمنيين، خصوصاً بين الكتلتين الأكبر في البرلمان؛ كتلة الإصلاح والإعمار التي تضمّ نواب التيار الصدري وأحزاباً وجماعات مدنية صغيرة، وكتلة البناء المُشكّلة من نواب ائتلاف دولة القانون والواجهات السياسية للتنظيمات المسلحة التي تألفت منها قوات «الحشد الشعبي».
كان من المُفترض ألا يطول الأمد بعبد المهدي كل هذا الوقت ليقدّم حكومة متكاملة، فتكليفه جاء بتوافق بين الكتلتين الأكبر، وبتأييد صريح من سائر الكتل البرلمانية، ممّا ضمِن له أغلبية مريحة جداً في مجلس النواب عند عرض تشكيلته. أكثر من هذا، القوى الفائزة في الانتخابات تعهّدت جميعاً بأن تترك لعبد المهدي حرية اختيار أعضاء حكومته، وامتنعت عن ترشيح وزراء له، بخلاف ما كان يجري سابقاً عندما كانت كل القوى الفائزة في الانتخابات، الكبيرة منها والصغيرة، تتدافع للتمثيل في الحكومة بذرائع شتى، منها الاستحقاق الانتخابي، والتمثيل المكوّناتي (الطائفي والقومي والديني)، وكان ذلك مما يؤخّر تشكيل الحكومات.
أكبر مشكلة واجهها عبد المهدي أن القوى المتعهّدة بعدم التدخل في تشكيل حكومته، وبمنحه كامل الحرية على هذا الصعيد، خصوصاً الكبيرة منها، نقضت في الحال عهودها وتنصّلت من وعودها.
كتلتا الإصلاح والبناء كلتاهما سعت ليكون لها رأي في التعيينات الوزارية، خصوصاً وزيري الداخلية والدفاع، واعترضتا على مرشّحين بحجج مختلفة. الكتل الأخرى من جهتها ضغطت ليقبل عبد المهدي بمرشحين تختارهم من أنصارها، ومقرّبين منها لشغل المقاعد الثمانية التي بقيت شاغرة، والمشكلة هنا أنّ داخل كلِّ مكوّن طائفي أو قومي يوجد كثير من القوى التي تزعم لنفسها تمثيله أو أحقية تمثيله.
المشكلة الأخرى أن عبد المهدي بدا غير مُحسن تماماً في اختيار وزرائه، وفق ما وعد به هو، وما كان مطلباً عاماً، نخبوياً وشعبياً، متمثلاً في توزير أشخاص يتميّزون بالكفاءة والخبرة والنزاهة والوطنية، وعدم الحزبية أيضاً. ومما أوخِذَ عليه عبد المهدي أن أغلب مرشحيه لم تتوفر فيهم هذه المواصفات أو أنها توفرت ولكن بمستوى متدنٍ. كما جرى لومه عن تمريره في قائمة مرشحيه أشخاصاً تلاحقهم اتهامات بالفساد الإداري والمالي أو بالعمل سابقاً لصالح جماعات متّهمة بالإرهاب.
وقد صرح أحد النواب، هو علي البديري عن كتلة تيار الحكمة (عمار الحكيم) علناً منذ ثلاثة أيام بأن «حكومة عبد المهدي هي حكومة عوائل، فكل زعيم سياسي جاء بأحد أقاربه وأعطى له وزارة معينة، واختيار الأقارب كان بعيداً عن الاختصاص، فأصبحت حكومة عبد المهدي حكومة عوائل وليست حكومة كفاءات ومستقلين»، كما أشار إلى وجود «وزراء عليهم شبهات كثيرة من فساد، بل وحتى اتهامات إرهابية».
تحت وقع المعارضة السياسية والشعبية لهؤلاء المرشّحين اضطر عبد المهدي إلى سحب ترشيح البعض، وتفيد معلومات بأن ثلاثة من الوزراء الحاليين مهدّدون بسحب الثقة منهم، وأن معظم المرشحين الثمانية الذين لم يُعرضوا على البرلمان في المرة السابقة سيُستبدلون بمرشحين جدد مخافة رفضهم من البرلمان.
التشكيلة النهائية لوزارة عبد المهدي لم تزل عالقة عند دائرة الخلافات والصراعات بين القوى السياسية، خصوصاً كتلتي الإصلاح والبناء، ولا يُلام في هذا غير عبد المهدي نفسه الذي تسرّب دوائره الآن أنه هدّد القوى السياسية بالاستقالة، فهو يبدو قد وقع في الخطأ نفسه الذي ارتكبه سلفه العبادي في عام 2015. في صيف ذلك العام، اندلعت موجة احتجاجات صاخبة بسبب انهيار نظام الخدمات العامة واستشراء ظاهرة الفساد الإداري والمالي.
وكان في مقدم مطالب الحركة الاحتجاجية إصلاح العملية السياسية بإلغاء نظام المحاصصة، وتشريع قانون جديد للانتخابات، وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة وسنّ قوانين بناء الدولة المُعطّلة، واضطر العبادي، الذي لم يكن قد مضت عليه سنة واحدة في الحكم، للتقدّم إلى البرلمان بحزمة إصلاحات أيّدها المحتجون الذين هتفوا باسمه في ساحات الاحتجاج، وهي المرة الأولى التي يفعلون فيها مثل ذلك منذ سقوط نظام صدام، لكنّ العبادي لم يستثمر الحركة الاحتجاجية والتأييد الشعبي له لتحقيق الإصلاحات، وإرغام البرلمان على تشريع القوانين اللازمة لتنفيذ الحزمة الإصلاحية التي ما لبثت أن غدت مجرد حبر على ورق.
عبد المهدي أيضاً كان بإمكانه أن يستغلّ إعلان القوى السياسية جميعاً أنها لن تتدخّل في تشكيل الحكومة، فيختار مجموعة من أفضل الكفاءات الخبيرة والنزيهة وغير الحزبية ليشكّل بها حكومة قوية، ويتقدّم بها إلى البرلمان طالباً تمريرها بالكامل، وإلا فعلى البرلمان أن يختار شخصاً آخر لرئاسة الحكومة. لو فعل عبد المهدي هذا، فالأرجح أنه ما كان سيواجه الضغوط والتدخلات التي أغرى بها موقفه الذي بدا ضعيفاً، ما يحمله الآن على التهديد بالاستقالة.
هذا بالطبع افتراض، فربما لم يكن العبادي مؤمناً في الأساس بالإصلاح، واضطر اضطراراً للانحناء أمام عاصفة الاحتجاجات، وقد يكون عبد المهدي غير مؤمن بتشكيل حكومة لا دخل بها للأحزاب، خصوصاً أحزاب الإسلام السياسي، إما لأنه لا يرغب في تحجيم نفوذ هذه الأحزاب، أو لأنه لا يريد لحكومته أن تكون في حال تُشبه حال الكرام على موائد اللّئام.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».