الديمقراطيون على أبواب معركة قانونية للحصول على إقرارات ضرائب ترامب

أعضاء الكونغرس الجدد لدى استعدادهم لالتقاط صورة جماعية (رويترز)
أعضاء الكونغرس الجدد لدى استعدادهم لالتقاط صورة جماعية (رويترز)
TT

الديمقراطيون على أبواب معركة قانونية للحصول على إقرارات ضرائب ترامب

أعضاء الكونغرس الجدد لدى استعدادهم لالتقاط صورة جماعية (رويترز)
أعضاء الكونغرس الجدد لدى استعدادهم لالتقاط صورة جماعية (رويترز)

بات الحصول على الإقرارات الضريبية الخاصة بالرئيس دونالد ترمب على رأس أولويات الحزب الديمقراطي في أعقاب فوز أعضائه بأغلبية مقاعد مجلس النواب.
وبموجب القانون، يجوز لزعماء لجنة صياغة الضرائب في مجلسي النواب والشيوخ بالكونغرس الحصول على الإقرارات الضريبية وغير ذلك من المعلومات ذات الصلة من وكالة الإيرادات الداخلية. ومن شأن الأعضاء الديمقراطيين السيطرة على لجنة مجلس النواب خلال العام المقبل.
ومع ذلك، فليس هناك ضمان أن تستجيب إدارة الرئيس ترمب وتتيح الوصول إلى إقرارات الرئيس الضريبية، الأمر الذي يهيئ المجال لنشوب معركة قانونية بشأن ذلك الطلب من جانب الديمقراطيين والتي قد تستغرق أعواماً حتى الوصول إلى تسوية بشأنها.
ولقد كسر الرئيس ترمب القاعدة التقليدية المعمول بها في عام 2016، إثر رفضه الإفصاح عن إقرارات ضرائب الدخل الخاصة به. وقال إنه لن يعلن عن تلك الإقرارات نظراً إلى أنه يخضع للتدقيق المحاسبي، كما أنه زعم في أحد المؤتمرات الصحافية خلال الأسبوع الجاري أن تلك الإقرارات فائقة التعقيد ولن يتسنى لأغلب المواطنين العاديين فهم فحواها.
ولقد حاول الأعضاء الديمقراطيون، باعتبارهم يمثلون حزب الأقلية في الكونغرس، وفشلوا مراراً في الحصول على الإقرارات الضريبية الخاصة بالرئيس ترمب. أما الآن، وبعد أن حازوا بعض السيطرة في مجلس النواب باتوا يعتبرون تلك الإقرارات قاب قوسين أو أدنى مما سبق. وتتطلع الأعين صوب النائب ريتشارد نيل من ماساتشوستس، الذي صار الآن كبير الأعضاء الديمقراطيين في لجنة السبل والوسائل القوية في مجلس النواب، ومن المزمع توليه رئاستها بحلول يناير (كانون الثاني) من العام الجديد.
وقال النائب نيل رداً على سؤال موجّه إليه بشأن ما إذا كانت اللجنة الخاضعة لسيطرته سوف تطالب بتلك الإقرارات: «أجل، أعتقد أننا سنفعل». فإذا ما رفضت إدارة ترمب وصعّدت الأمر إلى المواجهة القانونية، يقول النائب نيل: «أفترض وقتها أن يُرفع الأمر إلى القضاء، مما سوف يستغرق حتماً فترة من الزمن».
ومن شأن المعركة القانونية أن تستمر لما بعد انتخابات عام 2020 الرئاسية، كما أشار آندي غريوال، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة آيوا.
وأكد البروفسور غريوال أن طلب الحصول على إقرارات ترمب الضريبية، إن كانت لأغراض سياسية بحتة، فربما تتجاوز حدود صلاحيات الكونغرس.
- ترمب خالف التقاليد الرئاسية
وبدءاً من حملة عام 2016 الرئاسية، كسر ترمب التقاليد السياسية المعهودة من خلال رفضه المتكرر الإفصاح عن إقرارات ضرائب الدخل الخاصة به. وتعد تلك الإقرارات سرية بالنسبة إلى جموع المواطنين، ولكنها ليست كذلك بالنسبة إلى الرؤساء. وقال السيد ترمب إنه لم يُفصح عنها نظراً إلى أنها قيد المراجعة والتدقيق من جانب وكالة الإيرادات الداخلية -حتى مع الخبراء ومسؤولي الدائرة الحكومية الذين يقولون إن إجراءات المراجعة والتدقيق لا تحول دون إفصاح دافعي الضرائب عن إقراراتهم.
ورداً على سؤال بشأن إقراراته الخاصة، أعاد الرئيس ترمب تأكيد هذه المبررات خلال المؤتمر الصحافي بعد الانتخابات النصفية، إذ قال: «إنها قيد التدقيق. وكانت كذلك لفترة طويلة. إنها فائقة التعقيد. ولن يفهمها الناس بسهولة».
وبالإشارة إلى انفراجة طفيفة، قال ترمب إنه إذا ما اكتملت المراجعة والتدقيق، «فسوف أعيد النظر في ذلك الأمر. يمكنني أن أقول ذلك، ولكن لا يُفصَح من أحد عن إقراراته وهي قيد المراجعة بحال».
وفي عام 2017، وقّع أكثر من مليون مواطن أميركي على التماس مرفوع إلى البيت الأبيض بشأن حض الرئيس ترمب على الإفصاح علناً عن إقراراته الضريبية.
- أسئلة عن ثروة الرئيس
وهناك تساؤلات تلوح في الأفق: هل كانت ثروة دونالد ترمب، رجل الأعمال وقطب العقارات العملاق، عندما وصل إلى أعتاب البيت الأبيض تقدر بـ10 مليارات دولار، كما كان يزعم؟ هل هناك حالة كامنة من تضارب المصالح تحوم في الأجواء؟ كيف جرى تقييم مجموعته العالمية من العقارات الفاخرة وغيرها من الأصول الأخرى نسبةً إلى الأغراض الضريبية؟ ما مصادر دخله الحقيقية، ولمَن تحديداً يعد ترمب ممتناً في تحقيق هذه النتائج؟ وهل يحقق ترمب أي مكاسب شخصية من وراء قانون الضرائب الجمهوري الشامل الذي سنه العام الفائت، والذي دافع عنه كثيراً، وإن كان الأمر كذلك، فما مكاسبه على وجه التحديد؟
ومن بين التفاصيل المطلوبة: العطاءات الخيرية للسيد ترمب، ونوع الخصومات التي يدّعيها، ومقدار ما جناه من أصوله، وما الاستراتيجيات التي استعان بها في تخفيض فاتورته الضريبية الخاصة. وأحجمت نانسي بيلوسي، زعيمة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النوب خلال مؤتمر صحافي انعقد مؤخراً، عن التطرق تحديداً إلى مسألة إقرارات دونالد ترمب الضريبية، وقالت فقط إن «الكونغرس يتحمل المسؤولية الدستورية عن الإشراف»، واستشهدت بأمثلة مثل السياسة البيئية للحكومة والتي قد يكون من صلاحيات الكونغرس التحقيق بشأنها.
ويكمن الاهتمام الفائق –أو كما يصفه الديمقراطيون بالحاجة الملحة للغاية– في إماطة اللثام عن إقرارات ترمب الضريبية في ما أثاره تقرير موسع لصحيفة «نيويورك تايمز» والذي يشير إلى احتمال مخادعة عائلة ترمب لوكالة الإيرادات الداخلية عبر عقود، والتقليل من القيمة الحقيقية للأصول المعلن عنها، واستخدام المناورات الضريبية المثيرة للشكوك، ثم الاحتيال المباشر في بعض الحالات. وطعن أحد محامي ترمب في استنتاجات صحيفة «التايمز» بشأن احتمالات الاحتيال أو التهرب الضريبي من جانبه، وقال إن بعض أجزاء التقرير «غير دقيقة بالمرة». وقالت الصحيفة رداً على ذلك إن تقريرها المنشور يستند إلى أكثر من مائة ألف صفحة من المستندات المالية، بما في ذلك الإقرارات الضريبية السرية الخاصة بوالد السيد ترمب وشركاته المتعددة.
ومن شأن ذلك أن يدفع الأعضاء الديمقراطيين في لجنة السبل والوسائل إلى المطالبة بإقرارات ترمب الضريبية منذ عدة سنوات مضت.
وبموجب القانون، فإنه يمكن لرئيس لجنة مجلس النواب، واللجنة المالية في مجلس الشيوخ، واللجنة المشتركة المعنية بالضرائب، رفع طلب مكتوب بشأن الحصول على أي إقرارات ضريبية إلى وزير الخزانة الذي تشرف وزارته على وكالة الإيرادات الداخلية في البلاد. وينص القانون على أنه يتعين على وزير الخزانة تقديم المعلومات المطلوبة إلى أعضاء اللجان المذكورة حتى يتسنى فحصها خلف الأبواب المغلقة. وكانت وكالة الإيرادات الداخلية، التي تحتفظ بإقرارات ترمب الضريبية لديها، ومنذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، تحت رئاسة المفوض الذي عمل محامي ضرائب خاص لما يزيد على أربعين عاماً، ممثلاً للأفراد والشركات في كل القضايا المعروضة على الوكالة. وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016، دافع ذلك المفوض، وهو تشارلز ريتيغ، عن رفض دونالد ترمب الإفصاح عن إقراراته الخاصة. وتعهد خلال جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ بتأييد استقلالية وكالة الإيرادات الداخلية وسياساتها عن البيت الأبيض.
وصرح رودي جولياني، محامي الرئيس ترمب، بأن الأعضاء الديمقراطيين قد يمرّون بأوقات عصيبة لإثبات أن مطالبهم مقصودة لخدمة أغراض الإشراف الشرعي والقانوني بالكونغرس لا لخدمة لأغراض سياسية أخرى.
وإذا ما رفضت الإدارة الأميركية تسليم الإقرارات، فقد تلجأ اللجنة التي يسيطر عليها الديمقراطيون إلى مذكرات الاستدعاء، وقد تنزع إلى اتهام المسؤولين بازدراء الكونغرس، أو مقاضاة الإدارة الأميركية لدى المحاكم المختصة. وليست هناك خريطة طريق معروفة أو سابقة تاريخية محددة يمكن الوقوف عليها بشأن هذا الموقف.
- دعوى قضائية متوقَّعة ضد مجلس النواب
ويتوقع بعض المراقبين أن ترفع وزارة العدل دعوى قضائية ضد مجلس النواب بغية الحيلولة دون الإفصاح عن الإقرارات الضريبية الرئاسية. وفي هذه الحالة، قد تحاول الإدارة الأميركية إثبات أن مطالب اللجنة الديمقراطية ذات دوافع سياسية وليست قانونية بالأساس، كما أشار السيد جولياني آنفاً. ويُعد البروفسور غريوال من بين الخبراء الذين يعتقدون أن الإدارة قد تسعى لرفع هذه القضية. غير أن جو ثورندايك، مدير مشروع التاريخ الضريبي لدى دار «تاكس أناليستس» للنشر، يشكك في نجاح هذه الحجة، ويقول: «ليس من غير المعقول أن يساور بعض أعضاء الكونغرس القلق بشأن الإقرارات الضريبية لرئيس البلاد».
أما جورج ين، أستاذ القانون والضرائب في جامعة فيرجينيا، والذي كان كبير موظفي اللجنة المشتركة للضرائب في الكونغرس، فيؤكد حق الكونغرس الصريح في الحصول على الإقرارات الضريبية للرئيس ونشرها على المجال العام من دون موافقة الرئيس الخاصة -شريطة أن الإفصاح المذكور يكون لخدمة الصالح العام.
ولكن ليس بهذه السرعة، كما يقول كين كايس، الرئيس الأسبق أيضاً لموظفي اللجنة المشتركة المذكورة، والذي أصبح ناشطاً من نشطاء ملف الضرائب، والذي أضاف: «أشعر بحالة من عدم الارتياح حيال ذلك الأمر».
ويخوّل قانون الضرائب الفيدرالي للمشرعين الذين يحصلون على الإقرارات الضريبية نشر تقرير مفصل بشأنها ورفعه إلى كامل أعضاء مجلس النواب بالكونغرس، الأمر الذي من شأنه أن يخرج بتلك المعلومات إلى المجال العام. ولكن قد يواجه المشرعون وأعضاء اللجان العقوبات الجنائية، بما في ذلك أحكام بالسجن، بسبب إفشاء الوثائق الضريبية غير المخوّل الإفصاح عنها بموجب القانون.
- خدمة «أسوشيتد برس»


مقالات ذات صلة

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

الأسواق الأميركية تشهد تراجعاً بسبب بيانات اقتصادية محبطة

انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية، يوم الخميس، في ظل بيانات محبطة قد تشير إلى تباطؤ بالنمو الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يشتري الناس الهدايا في منطقة تايمز سكوير في نيويورك (رويترز)

تضخم الجملة يقاوم الانخفاض في الولايات المتحدة

ارتفعت تكاليف الجملة في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال الشهر الماضي، ما يشير إلى أن ضغوط الأسعار لا تزال قائمة في الاقتصاد حتى مع تراجع التضخم من أعلى مستوياته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة مكتوب عليها «نوظف الآن» في مغسل سيارات بأحد شوارع ميامي بفلوريدا (رويترز)

زيادة غير متوقعة في طلبات إعانات البطالة الأميركية

ارتفع عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع، الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد يقوم عامل بإجراء فحص الجودة لمنتج وحدة الطاقة الشمسية في مصنع «لونجي للتكنولوجيا الخضراء» في الصين (رويترز)

واشنطن تُصعِّد تجارياً... رسوم جديدة على واردات الطاقة الصينية

تخطط إدارة بايدن لزيادة الرسوم الجمركية على رقائق الطاقة الشمسية، البولي سيليكون وبعض منتجات التنغستن القادمة من الصين.

«الشرق الأوسط» (بكين)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».