غزة: الطريق إلى اللامكان

تاريخ من المواجهة واتفاقات التهدئة ومخاوف الحرب المدمرة لا تروّع أحداً

غزة: الطريق إلى اللامكان
TT

غزة: الطريق إلى اللامكان

غزة: الطريق إلى اللامكان

لا تعرف إسرائيل ماذا ستفعل مع حماس في قطاع غزة غداً. فالحركة التي تحكم سيطرتها على القطاع من 2007 ليست دولة يمكن هزيمتها في حرب كلاسيكية. إذ لا مقرات لرئيس ولا وزارة للدفاع... لا مطارات، لا ثكنات للجيش. ثم إنه ليس لها عملة يمكن أن تهوي في أي حرب. إنها مثل شبح يوجد في كل مكان،... في كل شخص في كل بيت وشارع وزقاق وتحت الأرض، ولا تبدو هزيمتها أو التخلص منها فكرة ممكنة.
هذه المعضلة هي التي جعلت واحداً من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، بعد عدة حروب كبيرة ومواجهات أصغر، وكرٍّ وفرّ وكمّ كبير من الاغتيالات، محتاراً في كيفية هزيمة فصيل مسلح بدأ بمجموعات عسكرية صغيرة، وظل ينمو حتى بنى قوات شبه منظمة وليست نظامية.
تريد إسرائيل كبح جماح حماس، إلا أنها في المقابل، تريد «لحكمها» أن يبقى في غزة، وذلك لأنه يعني استمرار الانقسام. لكن إسرائيل أيضا تعاني من أن بقاء حماس هناك يعني تطوراً مستمراً للقدرات العسكرية.
إنها معضلة. لكن قبل حماس وبعد حماس، كانت غزة وستبقى عقدة مستعصية على الحل.

بعد 13 سنة من انسحاب إسرائيل أحاديا من قطاع غزة، ما زال القطاع الصغير والمحاصر عقدة تستعصي على الحل. لقد جربت إسرائيل كل شيء في غزة. أبقتها قديماً مع الحكم المصري، ثم احتلتها، ثم سلمتها إلى السلطة الفلسطينية، ثم انسحبت، ثم شنت عدة حروب طاحنة ومدمرة. كل هذا من دون أن يتضح أن إسرائيل نجحت مرة واحدة في التخلص من صداع القطاع الصغير والمكتظ بالسكان.
على مدار سنوات طويلة من جولات المواجهة في القطاع، ظلت غزة التي يحلو للإعلام الإسرائيلي تسميتها بـ«طنجرة الضغط» تغلي على نار هادئة، فلا هي انطفأت ولا هي انفجرت، بل ظلت مثل قنبلة تحتمل الانفجار.
تعود مشكلة إسرائيل مع غزة حتى ما قبل احتلالها عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري. إذ تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948. ثم شن أول هجوم إسرائيلي عليها في 14 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1948، أي بعد ثلاثة أيام من إعلان الاستقلال في إسرائيل. وعاد بعد 7 سنوات، أثناء حملة سيناء، لاحتلال القطاع الذي لم يدم طويلا، قبل أن يعود وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان لاحتلال القطاع عام 1967.
في العام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا «ساحة حرب» صغيرة مزعجة للدولة النووية إلى الحد الذي تمنى معه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين لو تغرق غزة في البحر.

- في أيدي عرفات
هربت إسرائيل من غزة عام 1993. وسلمتها للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وحتى العام 2005 شنت إسرائيل 4 حروب، حتى قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون في 2005، الانسحاب من غزة ضمن خطة عُرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب»، وبموجبها أخلت إسرائيل 21 مستوطنة في القطاع، ومعها معسكرات الجيش الإسرائيلي.
أجبر شارون 8.600 إسرائيلي على ترك المستوطنات متعهداً بأن خطته هذه «ستحقق أقصى مستوى من الأمن». لكن بعد ذلك، اضطرت إسرائيل لشن حروب كبيرة وصغيرة، ومواجهات لا تحصى، أثبتت آخر جولاتها - التي بقيت يومين فقط - أن الإسرائيليين لم ينعموا أبدا بالأمن، وإنما لفرط الرعب راحوا يتظاهرون ضد حكوماتهم لأنها تفشل في جلب حياة عادية لهم.
إنها مظاهرات جعلت السياسيين الإسرائيليين في انقسام، يتبادلون اتهامات قديمة حول الفشل في التعامل مع غزة. وبينما ما زال النقاش محتدماً داخل إسرائيل حول كيفية التعامل مع القطاع، يعيش سكانه البالغ عددهم 1.8 مليون مأساة متواصلة، بفعل حصار مستمر منذ 11 سنة، جعل «طنجرة الضغط» تغلي بتسارع كبير نحو مواجهة غير مسبوقة.

- هدوء أم حرب؟
لن يستطيع شخص واحد في حماس أو إسرائيل الإجابة عن هذا السؤال، غير أن الأكيد بالنسبة لهما أنهما سيكونان يوما ما أمام حرب ضروس.
لكن متى؟
ربما قربت المواجهة الأخيرة التي انتهت قبل أيام من هذه الحرب المنتظرة، إذا أرسل الطرفان ما يكفي من رسائل حول جاهزيتهما لهزيمة الآخر.
وخلال يومين فقط دمر الجيش الإسرائيلي، وفق الناطق باسمه يوناثان كورنيكوس، أكثر من 150 هدفاً عسكرياً، تشمل «أهدافاً استراتيجية مهمة... وذات قيمة بالنسبة لحماس ولها تأثير نفسي». وشملت الأهداف التي قصفتها إسرائيل مباني كبيرة، بينها مبنى قناة «الأقصى» التابعة لحماس، ومقر جهاز الأمن الداخلي، ومجمّع وزارات، بالإضافة إلى بناية قالت إسرائيل بأنها تابعة لاستخبارات الحركة.
قابل ذلك إطلاق الفصائل الفلسطينية نحو 400 صاروخ وقذيفة باتجاه مستوطنات وبلدات إسرائيلية قريبة من الحدود، مجبرة عشرات آلاف الإسرائيليين في الجنوب بالبقاء بالقرب من الملاجئ. وشكل هذا العدد بالنسبة للطرفين أكثر من ضعفي أي عدد لغارات وصواريخ شنت أو أطلقت خلال هذه الفترة (يومين) في أي حرب سابقة.
لقد استعرضت إسرائيل قدرتها على قصف مبانٍ مهمة، في حين استعرضت حماس قدرتها على إسقاط صواريخ على المستوطنات، وزادت على ذلك بفيديو يظهر قدرة مقاتليها على اصطياد حافلة إسرائيلية بصاروخ «كورنيت».
لم يتردد مراقبون في الطرفين بالقول إنها كانت بروفة المواجهة الصعبة. وقال يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، بأن «الحركة وفصائل المقاومة لن تسمح للاحتلال بتكرار الاعتداء على قطاع غزة»، في إشارة إلى أن زمن الاعتداءات بلا مقابل انتهى. وهذا التهديد قابله وزير الإسكان الإسرائيلي يوآف غالانت بالتأكيد على «أن إسرائيل لن تسمح لحماس مجدداً بتحديد قواعد اللعبة»، في إشارة إلى أن إسرائيل لن تسمح لحماس بإطلاق صواريخ ثم العودة إلى تهدئة.
وهكذا، في حين يهدد الطرفان بحرب لا يريدانها، يظل السؤال القائم هو... إلى متى سيتجنبان ذلك؟
يقول أليكس فيشمان، المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، بأن «إسرائيل وحماس تجدان أنفسهما، في رحلة جوية خطيرة إلى اللامكان»، مضيفا «كلا الجانبين عالق في وضع يتعين عليهما فيه إعطاء تفسير لجمهورهما وإعادة بناء الردع». وهذا الردع، الذي سعت إليه كل من إسرائيل وحماس، وصفه بن كسبيت، المحلل السياسي في صحيفة «معاريف»، بأنه «فخ». وقال إن إسرائيل وحماس علقتا في «فخ ردع متبادل... ومن كثرة حالات أن الجميع في هذه القصة يردعون الجميع، لم يعد أحد يرتدع من أي شيء!».

- حيرة وفشل وخوف
على الأقل، يبدو أن التهديدات الإسرائيلية الكثيرة والحروب المتتالية وعدد الهدن التي عقدت في وقت قصير تشير إلى حيرة إسرائيلية كبيرة في التعامل مع القطاع، وربما إلى عجز. ويترجم ذلك ما قاله الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف، ذات مرة، بقوله إن «القصة بين إسرائيل وغزة طويلة ومستمرة منذ عام 1948. كانت وما زالت وستبقى علاقة عنف وضغط وإحباط ويأس واتفاقيات وفرص ضائعة». ويرى الكاتب أن سلسلة الحروب الطويلة التي شنتها إسرائيل على غزة في السنوات الأخيرة تثبت ما ذهب إليه بن غوريون نفسه عام 1948، بما معناه «لو غزونا غزة ألف مرة، فإنها لن تخضع».
وحقاً، ليس أكثر دلالة على هذا الواقع سوى أن جولة حرب من يومين كانت كفيلة بإسقاط وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ووضع حكومة إسرائيل في مهب الريح.
في الحقيقة لم تكن جولة اليومين هي السبب بل المعضلة الأساس وهي كيف نتعامل مع غزة؟

- غزة التي أطاحت ليبرمان
بعد ساعات قليلة فقط على موافقة الحكومة الإسرائيلية على تهدئة أخرى في غزة، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان استقالته من الحكومة، قائلا إنه استقال بسبب «الاستسلام أمام الإرهاب». وأردف «نحن نشتري الهدوء على المدى القصير، لكن ثمنه الأمن القومي على المدى البعيد». وجاءت الاستقالة بعد يوم من دخول هدنة بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ إثر جولة قتال عنيفة تخللها إطلاق مئات الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة وتنفيذ إسرائيل عشرات الغارات على أهداف في القطاع.
انسحاب حزب ليبرمان من الائتلاف الحاكم ترك القاعدة البرلمانية للحكومة هشة (61 مقعداً من مجموع 120 مقعداً في البرلمان)، ولذلك فإن انسحاب أي شخص فيها يهدد بسقوطها. ومن ناحية ثانية، أشعلت الاستقالة خلافات طاحنة في إسرائيل وردود فعل متباينة. وخرج الوزير نفتالي بنيت، رئيس حزب المستوطنين، بهجوم كاسح على ليبرمان، واصفاً إياه بأنه «وزير الدفاع الأفشل في تاريخ إسرائيل». وللعلم، يسعى بنيت إلى تولي حقيبة ليبرمان «من أجل الإطاحة بغزة» كما يقول. لكن المشكلة في غزة ليست مشكلة وزراء وأشخاص.
لقد خرج آلاف المستوطنين في مظاهرات ضد نتنياهو هاتفين «ارحل يا بيبي» محتجين على الفشل في معالجة صواريخ غزة. وأظهرت استطلاعات الرأي الإسرائيلية غداة الجولة التصعيدية الأخيرة في القطاع، أن معظم الجمهور الإسرائيلي غير راضٍ عن أداء رئيس الوزراء، إذ قال 74 في المائة من المستفتين إنهم غير راضين عن أداء نتنياهو الأمني، مقابل 17 في المائة أعربوا عن رضاهم.
وفي استطلاع آخر للرأي، قال 64 في المائة من الإسرائيليين إنهم يعتقدون أنه كان يتوجب مواصلة العملية العسكرية ضد قطاع غزة، وقال 49 في المائة بأنهم يعتبرون أن «حماس انتصرت»، مقابل 14 في المائة يعتقدون أن إسرائيل هي المنتصرة. في حين قال 15 في المائة إن أيا من الأطراف لم يخرج منتصرًا من هذه الجولة القتالية القصيرة. واتضح من الاستطلاع، الذي أجرته هيئة البث الإسرائيلية الجديدة «كان»، أن 21 في المائة من الإسرائيليين يؤيدون وقف إطلاق النار مع القطاع مقابل 64 في المائة يرون أنه كان يتوجب مواصلة العملية العسكرية، وربما توسيع الضربات والغارات.
والى جانب ذلك، وجه مسؤولو دفاع في إسرائيل انتقادات حادة لتعامل الحكومة مع التصعيد في غزة، وقالوا إن الاعتبارات الأمنية في إسرائيل أصبحت «مسيّسة بصورة متزايدة». وأشار مسؤولون لم تُذكر أسماؤهم أن حكومة نتنياهو فشلت في إبلاغ مجلس وزرائها الأمني بالسياسة الرسمية حول العمل العسكري في غزة. واعتبر مسؤول لهيئة البث الإسرائيلية «أن قيمة عقد جلسة للكابينت [الأمني] هي صفر». وكان «الكابينت الأمني» قد وافق على اتفاق غير رسمي لوقف إطلاق النار مع حركة حماس في قرار عارضه عدد من وزرائه. وذكرت «القناة 10» أن ليبرمان، ووزيرة العدل أييليت شاكيد، ووزير حماية البيئة زئيف إلكين، ووزير التربية والتعليم نفتالي بنيت، طرحوا رداً بديلاً، لكن الوزراء الآخرين رفضوه. وكان الرد هو توجيه ضربة قاسية لحماس.
ولكن هذا التهديد قديم عمره سنوات طويلة، ورفضه وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي تساحي هنغبي، معتبراً أن توجيه «ضربة قاسية يعني شللا في تل أبيب مع مئات الصواريخ في كل يوم. سيشل مطار بن غوريون لأسابيع، فلا حرب من دون ثمن، وفي نهاية هذه الحرب وبعد المئات من الجنائز للشبان الصغار سنعود إلى النقطة الراهنة نفسها».

- خيارات الإنقاذ «مصالحة»
قد لا يكون أمام إسرائيل وحماس سوى خيار واحد الآن هو عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. وهذا خيار قد يؤجل الحرب إلى أجل غير مسمى، غير أنه صعب ومعقّد إلى حد كبير، لأنه مرهون بمصالحة ما زالت تراوح مكانها. لكن، ربما من محاسن الجولة الأخيرة للحرب، أنها فتحت أبواباً جديدة لهذه المصالحة. ولم يتردد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القول، قبل يومين فقط، بأن «الطريق مفتوح الآن من أجل إزالة أسباب الانقسام وتحقيق المصالحة»، مطالباً حماس «بتنفيذ أمين ودقيق لاتفاق القاهرة» الذي وقع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
عباس أكد، لدى ترؤسه اجتماعات للقيادة الفلسطينية واللجنة العليا المكلفة بتنفيذ متابعة قرارات المجلس المركزي، أن «الطريق سالكة اليوم لتحقيق إزالة أسباب الانقسام عبر التنفيذ الدقيق والأمين للاتفاق الذي وقع في 12-10-2017 بشكل شمولي، وبما يضمن تحقيق الوحدة الوطنية والسياسية والجغرافية، واستنادا إلى العودة إلى إرادة الشعب وصناديق الاقتراع». وأضاف «وحدتنا الوطنية هي الأساس، والتعالي عن الخاص لصالح العام، والانعتاق من التعصب التنظيمي ووضع استقلال فلسطين والقدس فوق أي اعتبار، يجب أن تكون نقطة الارتكاز لجميع أبناء شعبنا».
وأمس ترأس عباس اجتماعاً طارئاً للقيادة خصص لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وأيد وقف جولة المواجهة هناك مؤكدا أن هدفه دائماً كان «تجنيب الشعب المزيد من المجازر وجرائم الحرب التي ترتكبها سلطة الاحتلال الإسرائيلي».
وأدان عباس «العدوان الإجرامي على قطاع غزه، محملا الحكومة الإسرائيلية (سلطة الاحتلال) المسؤولية الكاملة عن نتائج وتداعيات هذا العدوان». وجاء الاجتماع في رام الله بعد يومين على تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي رعته مصر وشاركت فيه دول أخرى. ولقد أعاد الاتفاق الحالي الوضع إلى ما كان عليه سابقا بما يضمن تحقيق الهدوء، مقابل إدخال أموال ووقود إلى القطاع، والسماح بتخفيف الحصار وإقامة مشاريع إنسانية.
وكان عباس هدد باتخاذ إجراءات قريبة فيما يخص العلاقة مع هذه الأطراف بما في ذلك حماس، لكن جولة القتال الأخيرة في غزة قد تجعل قراراته أبعد فيما يخص حماس. ويريد الرئيس الفلسطيني الآن العودة لحكم غزة، ثم توقيع اتفاق مع إسرائيل بشأن القطاع.
ومن جانبه، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، إن القيادة تركز على وجوب تثبيت التهدئة، «لكن الطريق إلى التهدئة يجب أن تتم عبر منظمة التحرير والفصائل الوطنية والإسلامية على غرار ما حصل في التهدئة التي وقعت عام 2014. لأن إسرائيل تحاول أن تستفرد بهذا الفصيل أو ذاك وتحويلنا بدلا من سلطة واحدة إلى مجموعة سلطات وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلاً». وتابع «الطريق إلى التهدئة هي بالوحدة الوطنية وإزالة أسباب الانقسام».
صحيح أن الطرفين يريدان مصالحة، لكن عقبات كثيرة تقف أمام ذلك. فحركة فتح تصرّ على تسلم كامل لقطاع غزة يشمل الأمن والمعابر والجباية المالية والقضاء وسلطة الأراضي، ووضع اتفاق حول سلاح الفصائل، رافضة ربط المصالحة بالقرارات التي اتخذها الرئيس محمود عباس ضد قطاع غزة. ولقد رفضت دفع رواتب موظفي حماس العسكريين، وأي نقاش حول ملف منظمة التحرير قبل إنهاء الانقسام. وردّت حماس، في المقابل، برفض تسليم غزة من دون رفع العقوبات، واشترطت تشكيل «حكومة وحدة وطنية» جديدة، ودفع رواتب موظفيها بالكامل، رافضة أي نقاش متعلق بالسلاح، ومصرة على فتح ملف منظمة التحرير وإجراء انتخابات للمنظمة.
في ظل هذا الواقع، لا توجد حرب في غزة ولا هدنة... ولا توجد هناك مصالحة كذلك. إنما «طنجرة ضغط» ما زالت تغلي.

- غزة الأكثر كثافة في العالم: 1.76 مليون نسمة في 360 كيلومترا مربعا
في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد عن 360 كيلومترا مربعا، بطول 41 كلم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كلم، يعيش في قطاع غزة أكثر من 1.76 مليون نسمة، وهو ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم. وهو يسمى بقطاع غزة نسبة لأكبر مدنه... غزة.
تبلغ نسبة الكثافة فيه وفقاً لأرقام حديثة 26 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 55 ألف ساكن تقريبا بالكيلومتر المربع.
ويشكل القطاع مع الضفة الغربية، وهي الجزء الفلسطيني من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو (حزيران) 1967، الأراضي التي تسعى السلطة الفلسطينية لإنشاء دولة ضمن حدودها.
وحالياً، يوجد في القطاع 44 تجمعاً سكانياً، أهمها: غزة ورفح وخان يونس وبني سهيلا وخزاعة وعبسان الكبيرة وعبسان الجديدة ودير البلح وبيت لاهيا وبيت حانون وجباليا. ويقول البنك الدولي إن القطاع يمثل الآن أسوأ اقتصادات العالم أداء، وفيه أعلى معدل بطالة في العالم إذ يبلغ أكثر من 50 في المائة، ويمثل من هم في سن 20 - 24 سنة نسبة 68 في المائة بين العاطلين.

- حكاية غزة مع مسلسل العمليات العسكرية
كانت إسرائيل تعتقد أن تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية عام 1994 سيحوّلها إلى شرطي على الحدود، وكان هذا بمثابة وهم جديد. إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليم السلطة لها بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.
وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005. انسحبت إسرائيل فعلا من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب». وفي 25 سبتمبر (أيلول) 2005 شنت إسرائيل عملية «أول الغيث» وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين.
بعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006. شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد»، ثم في فبراير (شباط) 2008، عادت من جديد لتنفذ عملية «الشتاء الساخن». وفي نهاية العام، وتحديداً في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، شنت إسرائيل إحدى كبرى عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية، وعُرفت باسم «الرصاص المصبوب».
وبعد أربع سنوات، عام 2012. شنت إسرائيل عملية «عمود السحاب». وفي 2014 شنت حربا دموية باسم «الجرف الصامد» ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من ألف قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً. وقبل أيام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 خاضت جولة قاسية مع حماس. ولا أحد يعرف متى ستكون المواجهة التالية.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».