مصالحة جعجع وفرنجية تطوي 40 عاماً من الصراع التاريخي

وثيقة تؤكد على أفق جديدة في العلاقات

اللقاء بين جعجع وفرنجية برعاية البطريرك طوى صفحة من الحرب الأهلية اللبنانية (موقع المردة)
اللقاء بين جعجع وفرنجية برعاية البطريرك طوى صفحة من الحرب الأهلية اللبنانية (موقع المردة)
TT

مصالحة جعجع وفرنجية تطوي 40 عاماً من الصراع التاريخي

اللقاء بين جعجع وفرنجية برعاية البطريرك طوى صفحة من الحرب الأهلية اللبنانية (موقع المردة)
اللقاء بين جعجع وفرنجية برعاية البطريرك طوى صفحة من الحرب الأهلية اللبنانية (موقع المردة)

طوى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية صفحة من العداء التاريخي بين الفريقين عمرها 40 عاماً، مؤسسَين لتوازنات جديدة في الشارع المسيحي اللبناني.
وختم اللقاء الذي تم برعاية البطريرك بشارة الراعي تحت سقف البطريركية المارونية، مرحلة العداء بين الفريقين، على خلفية اتهامات نفاها جعجع مراراً بالتورط في اغتيال النائب طوني فرنجية، والد النائب السابق سليمان فرنجية.
ووصل جعجع بداية إلى بكركي برفقة النواب ستريدا جعجع، وجوزيف إسحاق، وأنطوان حبشي، وشوقي الدكاش والنائبين السابقين فادي كرم وأنطوان زهرا، ومدير مكتبه طوني الشدياق، قبل أن يصل فرنجية برفقة الوزير يوسف فنيانوس والنواب طوني فرنجية، اسطفان الدويهي، فايز غصن، وفريد هيكل الخازن، والنائب السابق يوسف سعادة، والوزير السابق روني عريجي، لتتم المصافحة بحضور الجميع ويلقي الراعي كلمة في المناسبة.
وقال البطريرك مرحّباً بالطرفين: «ما أجمل وما أطيب أن يجلس الإخوة معاً... الفرح يملأ قلوبنا وقلوب كل اللبنانيين في الداخل والخارج وكل من يحب السلام، والمصالحة والتلاقي في سبيل الوطن والشعب والدولة والمؤسسات»، مشدداً على «ان المصالحة منطلق للوحدة الوطنية الشاملة التي يحتاجها لبنان».
ووصف جعجع المصالحة بـ«اليوم الأبيض» مضيفاً: «يوم مصالحة ويوم تاريخي و(السياسة منخلّيا لبعدين)، و(نقطة عالسطر)»، في حين قال فرنجية «فتحنا صفحة جديدة واللقاء وجداني وليس على حساب أحد»، مضيفاً: «كانت جلسة وجدانية وودية برعاية سيدنا البطريرك وتكلمنا بالحاضر والماضي». ورداً على سؤال حول الانتخابية المقبلة قال: «بعد 4 سنين الله بعلم ماذا سيحصل».
وبعد انتهاء الخلوة، تلا المطران جوزيف نفّاع بيان المصالحة التي ارتكزت على الإطار العام للعلاقة بين الطرفين بعيداً عن التفاصيل، ولا سيما السياسية منها. وقال: «بعد المصالحة التي أنجزت عبر وثيقة الوفاق الوطني في الطائف ومصالحة الجبل والمصالحة بين (القوات) و(التيار الوطني الحر)، تأتي وثيقة بكركي بين (القوات اللبنانية) وتيار (المردة) استكمالاً طبيعياً لهذا المسار التصالحي العام».
واعتبر البيان، أن اللقاء جاء «ترسيخاً لخيار المصالحة الثابت والجامع، ولن يتخطى المسيحيون الواقع السلبي إلا إذا نجحوا في طي صفحة الماضي الأليم، والالتزام بالقواعد الديمقراطية في علاقاتهم السياسية»، مشيراً إلى «أن العلاقة بين الطرفين في السنوات الأخيرة مرت بمحطات سياسية وانتخابية عدّة، والالتقاء والحوار ليس مستحيلاً بمعزل عن السياسة وتشعباتها».
ولفت النفاع إلى أن تيار «المردة» وحزب «القوات» أعلنا عن إرادتهما المشتركة في طي صفحة الماضي الأليم والتوجه إلى أفق جديد في العلاقات على المستوى الإنساني والاجتماعي والسياسي والوطني، مع تأكيد على ضرورة حلّ الخلافات بالحوار الهادف والعمل معاً على تكريس هذه العناوين عبر بنود هذه الوثيقة».
وأضاف: «ما ينشده الطرفان من هذه الوثيقة ينبع من قلق على المصير وهي بعيدة عن البازارات السياسية ولا تسعى إلى إحداث أي تبديل في مشهد التحالفات السياسية القائمة في لبنان والشمال، وهذه الوثيقة لم تأتِ من فراغ والتلاقي بين المسيحيين والابتعاد عن منطق الإلغاء يشكلان عامل قوة للبنان والتنوع والعيش المشترك فيه، وزمن العداوات بين (القوات) و(المردة) قد ولى وجاء زمن التفاهم».
وأضاف: «ينطلق اللقاء من قاعدة تمسك كل طرف بقناعاته وثوابته السياسية ولا تحمل التزامات محددة، بل هي قرار لتخطي مرحلة أليمة ووضع أسس حوار مستمر. واحترام حرية العمل السياسي والحزبي في القرى والبلدات والمناطق ذات العمق الأكثري لكلا الطرفين، والتنسيق فيما يتعلق بالنشاطات والخطوات التي قد تؤدي إلى أي سوء تفاهم بينهما».
وختم: «هذه الوثيقة شئناها تتويجاً للقاءات مصالحات وحوارات عقلانية لتحاوز مراحل مدمرة من الخلاف، كما نريدها استشرافاً لغد أفضل يحمل تصميما لديناً كلّ من موقعه السياسي لبدء مرحلة تعاون صادق».
وبعد المصالحة، أكد عضو كتلة تيار «المردة» النائب طوني فرنجية، أن «هذه الطريقة الوحيدة التي نستطيع فيها طي الجراح، ولقاؤنا فعلي وحقيقي والنظرة نحو المستقبل، وهذه المصالحة تعني جميع اللبنانيين»، معتبراً أن عدم وجود انتخابات نيابية أو رئاسية في هذه المرحلة أمر جيد كي لا يفسر اللقاء بشكل خاطئ».
وأضاف: «الدور الوجداني لعبه جميع الأهالي وعلى رأسهم رئيس تيار (المردة)، وهذا اللقاء وجداني وإن لم نتخطَ جراح الماضي لا نستطيع النظر إلى المستقبل».
ولاقت المصالحة بين الطرفين ردود فعل إيجابية ومرحّبة من مختلف الأطراف اللبنانية. فقد وصفها رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بـ«الصفحة البيضاء التي تطوي صفحات من الألم والعداء والقلق»، مضيفاً «نبارك لسليمان بك فرنجية وللدكتور سمير جعجع هذا الحدث الكبير الذي تكلل برعاية البطريرك الراعي».
وكتب وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، الذي يعتبر البعض أن علاقته السيئة بالطرفين ساهمت باجتماعهما، على «تويتر»، قائلاً: «مباركة المصالحة بين تيار (المردة) و(القوات اللبنانية) برعاية بكركي وكل مصالحة لبنانية أخرى، فكيف إذا أتت لتختم جرحاً امتدّ أربعين عاماً، ولتستكمل مساراً تصالحيّاً بدأ مع عودة العماد عام 2005».
بدوره، رحّب كل من رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل بالمصالحة. وأمل الرئيس السابق «أن يشكّل هذا الحدث الوجداني والوطني نمطاً جديداً في مسار حياتنا الوطنية ويؤسّس لنهج جديد من العمل السياسي». وهنّأ سامي الجميل في بيان له الطرفين «لطي صفحة موجعة من تاريخ المسيحيين ولبنان والبطريرك الراعي على رعاية هذه المصالحة».
بدوره، أعلن رئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوض تأييده وترحيبه «بخطوة المصالحة التي تمت بعد مرحلة من التطبيع بين حزب (القوات اللبنانية) وتيار (المردة)، لنطوي معها آخر صفحة من صفحات التصادم في الحرب اللبنانية».
وقد سبق هذه المصالحة لقاء عقده فرنجية مع أهالي الضحايا الذين سقطوا في «مجزرة إهدن» (شمال لبنان) التي وقعت في 13 يونيو (حزيران) من عام 1978، نتيجة هجوم شنته وحدة مقاتلة من «القوات اللبنانية» (التي كانت الجناح العسكري لحزب الكتائب)، واستهدفت عائلة فرنجية. وقضى في تلك المجزرة 31 شخصاً من أبناء منطقة زغرتا وأنصار تيار «المردة»، أبرزهم الوزير طوني فرنجية (نجل الرئيس الراحل سليمان فرنجية ووريثه السياسي) ووالد رئيس تيّار «المردة» الحالي سليمان فرنجية وزوجته وطفلتهما، وذلك بسبب خلافات عميقة بين حزب «الكتائب اللبنانية» برئاسة بيار الجميل وقوات الحزب بقيادة نجله الرئيس الراحل بشير الجميل من جهة، وتيّار «المردة» برئاسة الرئيس سليمان فرنجية ونجله طوني من جهة أخرى.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».