استياء يمني من الضغوط الغربية لوقف تحرير الجبهات

TT

استياء يمني من الضغوط الغربية لوقف تحرير الجبهات

يقرأ الناشط السياسي في حزب «المؤتمر الشعبي العام» اليمني محمد العبسي، الأخبار الأخيرة كغيره من اليمنيين الحالمين باختفاء كابوس الانقلاب من بلادهم. ولا يخفي العبسي استياءه من الضغوط البريطانية تحديداً لوقف العمليات العسكرية في الحديدة، في الوقت الذي أثارت فيه المساعي الغربية الأخيرة المتمثلة في الضغوط البريطانية والأميركية والفرنسية لوقف العمليات العسكرية ضد الميليشيات الحوثية الانقلابية سجالاً واسعاً في الشارع اليمني.
التحركات ذاتها أثارت أيضاً تساؤلات عدة في أوساط الناشطين اليمنيين والسياسيين المناهضين للانقلاب؛ لجهة التوقيت الذي اختارته الدوائر الغربية في حين توشك قوات الجيش اليمني المسنودة من التحالف الداعم لها على حسم معركة تحرير الحديدة واستعادة مينائها الاستراتيجي.
يقول العبسي: «إن بريطانيا تدخلت مرتين منذ انطلاق معركة تحرير الساحل الغربي قبل ستة أشهر لوقف العمليات العسكرية؛ وهو أمر استفادت منه الجماعة الحوثية لترتيب صفوفها وحفر الخنادق وبناء المتارس في الأحياء السكنية». ويتساءل: «هل تريد بريطانيا أن تفرض أجندة خاصة بها دون أن تراعي حجم الخسائر التي تكبدها اليمنيون حتى الآن من أجل دحر الميليشيات الحوثية واستعادة دولتهم من قبضة الجماعة الموالية لإيران»، مشيراً إلى أن دفاعات الحوثيين في المعركة القائمة حالياً، انهارت بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعاً».
وفي الوقت الذي استندت فيه الدعوات الغربية في مجمل الخطاب الذي صدر عن التصريحات الواردة من لندن وباريس وواشنطن، إلى المخاوف الإنسانية بشأن الضحايا المدنيين المحتمل سقوطهم جراء استمرار المعارك، فضلاً عن القلق من تدمير البنية التحتية لميناء الحديدة وما يعنيه توقف العمل فيه من آثار إنسانية تتعلق بتدفق السلع والمواد الغذائية، يعتقد الكثير من الناشطين والسياسيين اليمنيين أن «وراء الأكمة ما وراءها».
في هذا السياق، أفصح سياسيون وناشطون يمنيون لـ«الشرق الأوسط» عن مخاوف متصاعدة لديهم جراء اعتقادهم أن وقف عمليات تحرير المناطق الخاضعة للميليشيات الحوثية في هذا التوقيت يعني إطالة لأمد الحرب وإعطاء الجماعة الموالية لإيران فرصة لالتقاط أنفاسها، وإعادة ترتيب صفوفها المتهاوية على أكثر من جبهة، وبخاصة أنه لا توجد ضمانات حقيقية تلزم الجماعة بسلوك مسار السلام والتخلي عن أجندة طهران، والانصياع لقرارات الشرعية الدولية التي رفضت الجماعة تنفيذها منذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216.
المحلل السياسي عبد العزيز المجيدي، لا يستغرب من جهته التحرك الغربي في هذا التوقيت بالذات لجهة اعتقاده أن الدول الغربية - على حد قوله - تسعى لإبقاء الحوثي طرفاً رئيسياً في مشهد الصراع والتسوية في اليمن.
ويتذكر المجيدي أن هذه الدول كان بوسعها استخدام كل ثقلها لمنع الانقلاب واتخاذ قرارات حازمة بهذا الخصوص، لكنها، عندما كان الانقلابيون يستعدون لاقتحام العاصمة لم نسمع صوتاً عالياً للتحذير من الانقلاب، بل شاهدنا السفارات تركض صوب المطارات تاركة اليمنيين لمصيرهم.
وفي حين يشير المجيدي إلى تصريحات للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في هذا الشأن كان أكد فيها أن بلاده تدعم صعود الحوثيين لمواجهة ما سماه «الإرهاب بالإرهاب»، أفصح كذلك عن مخاوفه إزاء ما يعتقد أنه «طبخة» يجري الإعداد لها من خلال هذه التحركات الغربية المتزامنة اليوم، بينما تتهاوى ميليشيات التمرد؛ إذ يبدو أن الهدف - بحسب رأيه - من كل ذلك «هو إطالة أمد الصراع وليس المزاعم الإنسانية التي تتدثر بها دعوات إيقاف الحرب، ومن ثم إدخال البلاد في دورات صراع لن تنتهي بينما تشحذ سكاكين التقسيم وتمكين مخططات تطييف المجتمع اليمني».
في السياق ذاته، يعترف الناشط السياسي والإعلامي اليمني عبد الله دوبلة بأن الضغط «قد يجدي لتأجيل الحسم مع الحوثي، لكن هذا الضغط لن يوقف الحرب؛ فالأسباب الجوهرية للحرب تتمثل في بقاء الحوثي قوة عسكرية، وما دام الحوثي يمتلك السلاح ويختطف اليمنيين في مناطق سيطرته لن تتوقف الحرب».
ويعتقد دوبلة، أن «الأوْلى بالدول الغربية الضغط على الحوثي للالتزام بالمرجعيات الواضحة في قرارات مجلس الأمن، وفي مقدمها تسليم السلاح والانسحاب من المدن وإطلاق المختطفين»، مبدياً خشيته من أن تكون تحركات لندن الحالية لدى الرياض وأبوظبي نوعاً من محاولة إنقاذ الميليشيات الحوثية.
ويقترب الصحافي والناشط الحقوقي اليمني محمد الأحمدي مما طرحه دوبلة في هذا الشأن؛ إذ يقول: «يبدو أن عدداً من الدول الكبرى الفاعلة في الملف اليمني تمارس نوعاً من الازدواجية واللامبالاة تجاه معاناة اليمنيين بذرائع عدة، للإبقاء على وضع اللاحرب واللاسلم».
ويضيف الأحمدي: «مع اشتداد الضغط العسكري على ميليشيات الحوثي الانقلابية في أكثر من جبهة تتعالى أصوات الكثير من الفاعلين الدوليين مطالبة بوقف التصعيد، وتستدعي المأساة الإنسانية فقط للتوظيف السياسي ومحاولات إنقاذ الانقلابيين وإطالة أمد الصراع، دون أي اعتبار لمأساة اليمنيين الناجمة عن الانقلاب وتداعياته الكارثية على المستويات كافة، بينما يصمت هؤلاء كأنهم أموات على مدى أربع سنوات من عمر الانقلاب وجرائمه الصارخة لحقوق الإنسان».
وحول ما إذا كانت هذه الضغوط الغربية لوقف العمليات العسكرية تنم عن أهداف خفية لبعض الدول، يقول الباحث السياسي والكاتب الدكتور فارس البيل: «هناك رؤية مسبقة للمجتمع الدولي بفرض تسوية تفضي إلى خلق واقع يحافظ على بقاء ميليشيا الحوثي في اليمن والمنطقة كبعد طائفي وما يشبه الأقلية المعطلة، كي يحدث توازن للقوى ولصنع أوراق سياسية تسمح بوجود نفوذ ضمن دائرة الصراع الدولي».
ويتحدث الدكتور البيل في سياق توضيحه: إن المرامي الغربية تهدف إلى «ما يشبه التوازن الطائفي أو تبادل القوى، بحيث لا يبقى لون واحد هو المسيطر على المنطقة؛ إذ إن وجود اللون الواحد سيجعل المنطقة عصية على التدخلات أو التجاذب»، وهذا - على حد تعبيره «يفسر الرغبة القوية في عرقلة مشروع إنهاء القوة الحوثية - الإيرانية في اليمن»، خدمة ما يرى أنها «مصالح غربية».
ويرجّح البيل أن هناك سعياً للقوى الكبرى «لإنقاذ الحوثي والضغط على التحالف والشرعية للوصول إلى تسوية تنقل الحوثي كقوة متماسكة في المستقبل السياسي اليمني، وتكون قادرة على التعطيل وفرض وجودها في الدولة اليمنية ومنها إلى المنطقة». مضيفاً: إن هذه القوى «قد عبرت عن رغبتها هذه بالمبادرات المتتالية والتحركات الدائمة لفرض أجندات تسوية تتضمن هذه الغاية بمبررات إنسانية وملفات أخرى».
من ناحيته، يتفق وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية عبد الباسط القاعدي، مع جوهر ما طرحه الدكتور فارس البيل؛ إذ يرى في هذه الضغوط الغربية في هذا التوقيت «محاولة إنقاذ للحوثيين» فكلما تلقى الانقلاب الحوثي - كما يقول - «ضربة قاصمة وأوشك على فقدان توازنه هبّت هذه القوى لإنقاذه».
وحول تفسيره لهذا التوجه الغربي، يقول القاعدي: «هذا يأتي في سياق الاحتفاظ بالحوثي كأقلية قلقة تهدد أمن واستقرار اليمن والمنطقة ضمن الاستراتيجية الغربية لتشجيع الأقليات ومحاولة إضفاء طابع طائفي على الصراع في اليمن والمنطقة عموماً».
ولا يتردد من جهته الناشط والكاتب اليمني سمير الصلاحي، في تفسير الضغوط الغربية الأخيرة والتشكيك فيها، مشياً على منوال سابقيه من الناشطين والسياسيين، معتقداً أن هناك سعياً لدى بعض القوى الغربية للإبقاء على الحوثي عسكرياً والحفاظ عليه كمكون سياسي لاستخدامه مستقبلاً، مثلما حافظت بعض القوى الدولية على خميني إيران لتبقى طهران بعبعاً في المنطقة».
وفي حين يطغى على الصلاحي قدر كبير من التوجس، من أن تكون الدوائر الغربية ماضية في مشروعها للمحافظة على وصفها بـ«النتوءات والمخالب الانقلابية» الإيرانية في الشرق الأوسط»، يمضي الباحث والكاتب السياسي اليمني ثابت الأحمدي في السياق ذاته من حالة التوجس والريبة من المساعي الغربية لوقف التصعيد العسكري في الحديدة والدعوة إلى استئناف المشاورات السياسية.
ويعتقد الباحث والكاتب الأحمدي «أن الموقف الأميركي – البريطاني - الفرنسي الأخير يمثل مخرج طوارئ عاجلاً للحوثيين بعد أن ضاق الخناق عليهم في الأيام الأخيرة وكادوا يشارفون على النهاية»، مشيراً إلى أنه موقف متوقع بالنسبة له، بناءً على مواقف غربية سابقة خلال السنوات الماضية.
وعلى رغم أن الموقف الدولي بشأن اليمن - كما يقول - بات مكشوفاً وواضحاً، يأمل الأحمدي ألا يتحول من قبل الغرب إلى مجرد «ابتزاز مادي وسياسي للشرعية والتحالف على حساب دماء وآلام اليمنيين».


مقالات ذات صلة

93 يمنياً في الحديدة ضحايا ألغام الحوثيين خلال عام

العالم العربي عضو في فريق يمني لمكافحة الألغام خلال حملة توعوية بمحافظة الحديدة (أ.ف.ب)

93 يمنياً في الحديدة ضحايا ألغام الحوثيين خلال عام

كشفت بعثة الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق ستوكهولم الخاص بالحديدة ومنظمتان حقوقيتان في مأرب عن سقوط أكثر من 150 ضحية للألغام خلال العامين الماضيين.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)

مصر: «حماس» ستطلق سراح 33 محتجزاً مقابل 1890 فلسطينياً في المرحلة الأولى للاتفاق

طفل يحمل العلم الفلسطيني فوق كومة من الأنقاض في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل يحمل العلم الفلسطيني فوق كومة من الأنقاض في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

مصر: «حماس» ستطلق سراح 33 محتجزاً مقابل 1890 فلسطينياً في المرحلة الأولى للاتفاق

طفل يحمل العلم الفلسطيني فوق كومة من الأنقاض في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
طفل يحمل العلم الفلسطيني فوق كومة من الأنقاض في وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الخارجية المصرية، السبت، أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ستشهد إطلاق حركة «حماس» سراح 33 محتجزاً إسرائيلياً مقابل 1890 فلسطينياً.

وعبرت الوزارة، في بيان، عن أملها في أن يكون الاتفاق البداية لمسار يتطلب تكاتف الجهود الإقليمية والدولية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.

ودعت مصر المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، لدعم وتثبيت الاتفاق والوقف الدائم لإطلاق النار، كما حثت المجتمع الدولي على تقديم كافة المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني، ووضع خطة عاجلة لإعادة إعمار غزة.

وشدد البيان على «أهمية الإسراع بوضع خارطة طريق لإعادة بناء الثقة بين الجانبين، تمهيداً لعودتهما لطاولة المفاوضات، وتسوية القضية الفلسطينية، في إطار حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس».

وأشارت الخارجية المصرية إلى التزامها بالتنسيق مع الشركاء: قطر والولايات المتحدة، للعمل على التنفيذ الكامل لبنود اتفاق وقف إطلاق النار من خلال غرفة العمليات المشتركة، ومقرها مصر؛ لمتابعة تبادل المحتجزين والأسرى، ودخول المساعدات الإنسانية وحركة الأفراد بعد استئناف العمل في معبر رفح.

وكانت قطر التي أدت مع مصر والولايات المتحدة وساطة في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، أعلنت أن 33 رهينة محتجزين في غزة سيتم الإفراج عنهم في إطار المرحلة الأولى من الاتفاق.

وكانت وزارة العدل الإسرائيلية أعلنت أن 737 معتقلا فلسطينيا سيُطلق سراحهم، إنما ليس قبل الساعة 14,00 ت غ من يوم الأحد.

ووقف إطلاق النار المفترض أن يبدأ سريانه الأحد هو الثاني فقط خلال 15 شهرا من الحرب في قطاع غزة. وقُتل أكثر من 46899 فلسطينيا، معظمهم مدنيون من النساء والأطفال، في الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، وفق بيانات صادرة عن وزارة الصحة التي تديرها حماس وتعتبرها الأمم المتحدة موثوقا بها.

وأعربت الخارجية المصرية في البيان عن «شكرها لدولة قطر على تعاونها المثمر»، كما ثمّنت «الدور المحوري الذي لعبته الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإنهاء الأزمة إلى جانب الرئيس الأميركي جو بايدن».