شخصيات مغربية مسلمة ويهودية في لقاء بمراكش «من أجل مغربة متقاسمة»

جانب من افتتاح لقاء «اليهود المغاربة... من أجل مغربة متقاسمة» بمراكش
جانب من افتتاح لقاء «اليهود المغاربة... من أجل مغربة متقاسمة» بمراكش
TT

شخصيات مغربية مسلمة ويهودية في لقاء بمراكش «من أجل مغربة متقاسمة»

جانب من افتتاح لقاء «اليهود المغاربة... من أجل مغربة متقاسمة» بمراكش
جانب من افتتاح لقاء «اليهود المغاربة... من أجل مغربة متقاسمة» بمراكش

بهدف توسيع مدى عملية التفكير في وسائل الحفاظ على الهوية المغربية في الخارج، من خلال الإحاطة بتساؤلات «ماذا يعني أن يكون المرء مغربيًا في القـرن الواحـد والعشـرين، عندمـا يعيـش بعيـدًا عـن الأرض التي ولد بها وعـن أصوله؟» و«كيـف يمكن للجاليات المغربية في الخارج أن تقـوم بـدور صلة الوصل وقـوة اقتـراح لتمتيـن الروابـط بيـن البلـد الأصلي وأرض الاستقبال؟» و«كيـف نحافـظ علـى الاستثناء المغربي ونرتقي به إلى مستويات عليا؟». افتتحت، أمس في مراكش، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، جلسات لقاء في موضوع «اليهود المغاربة... من أجل مغربة متقاسمة»، بحضور ما يناهز 200 مشارك، مغاربة يهود ومسلمين، من المغرب ومن الخارج.
وقال محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال المغربي، في الجلسة الافتتاحية العامة، إنّ لقاء مراكش «يسلط الضوء على خصوصيات التنوع الخلاق للهوية الحضارية المغربية عبر التاريخ»، مشددًا على أنّ «طابع التنوع والانفتاح الذي ميّز المغرب عبر التاريخ هو الحقيقة العميقة التي دأبت على الانتفاضة الدائمة في وجه كل نزعات التنميط والانغلاق».
وزاد الأعرج قائلاً إنّه «إذا تعلق الأمر بمكون عريق من مكونات هويتنا الحضارية كما هو شأن الرافد العبري، فإنّنا نكون في رحاب الذات الحاضنة للجميع، بما يستدعيه ذلك من مشاعر الفخر والاعتزاز»، مؤكدًا أنّ «اللقاء هو سفر داخل الذات بامتياز، ولحظة من لحظات ربط الماضي بالحاضر وتقريب الأبناء والحفدة من إرث الآباء والأجداد، الذي كان إرث تعايش وتساكن وتآخٍ متواصل الإشعاع بالصور الزاهية للتنوع والاختلاف البناء».
وشدّد الأعرج على أنّ «مغرب اليوم الذي تتعاظم تحدياته ورهاناته في مجالات الاستقرار والتنمية الشّاملة يوما بعد يوم، يحتاج، كما كان دائمًا، إلى كل أبنائه وبناته»، وأن «إيجاد موطئ قدم في عالم تطبعه التحولات المتسارعة، في أمس الحاجة، فضلاً عن عمل الدولة ومؤسساتها، إلى عمل جمعيات المجتمع المدني والأفراد ورجال الفكر والثقافة والاقتصاد والأعمال على حد سواء»، مشيرًا إلى أنّ «الجماعات اليهودية داخل المغرب أو تلك الموجودة في مختلف الدّول ضمن الجالية المغربية بالخارج، تلعب دورها الوطني والحضاري في الذّود عن قضايا المغرب ودعم مسار استقراره ونمائه»، مبرزًا أنّها، اليوم، مدعوة إلى «تكثيف الجهود لدعم تواصل حلقات بناء مغرب متماسك، سائر في طريق النّمو والازدهار».
من جهته، قال عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج، إنّ لقاء مراكش، الذي «جمع ما كان متفرقًا»، يؤكد «ارتباط اليهود المغاربة داخل المغرب أو خارجه ببلدهم»، مذكرًا بدستور 2011. الذي جعل العبرية من روافد الهوية الوطنية المتعددة للمغرب. وشدّد بوصوف على حاجة المغاربة، مسلمين ويهودا، للحديث مع بعضهم بصراحة لتجاوز سوء الفهم، من أجل الوصول إلى وضع تصور لمخيال جديد للمستقبل، يضمن الاستمرار في التعايش والتقدير المتبادل وبناء مجتمع الحقوق والواجبات، على أسس مشتركة، وذلك حتى «نجعـل مـن المغرب حقـل طموحـات وليـس مجـرد متحـف لحفـظ ذاكـرة جماعية»، حسب قوله.
من جهته، استعرض سيرج بيرديغو، الأمين العام لــمجلس الجماعات اليهودية في المغرب، تاريخ اليهود بالمغرب، مؤكدًا الحاجة إلى تكثيف الجهود للحفاظ على التراث المادي واللامادي اليهودي، وتأكيد الروابط بين اليهود المغاربة وبلدهم المغرب.
وتحدث بيرديغو عن اليهود المغاربة الذين ظلوا في المغرب، مشيرًا إلى أنّ دراسات كثيرة تناولت رحيل اليهود من المغرب في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، فيما كانت قليلة تلك التي تم تكريسها لمن بقي منهم.
وشدد بيرديغو على أنّ علاقة اليهود المغاربة بالمغرب ليست قضية نوستالجيا؛ وأن من بقي في المغرب من اليهود اختار، على الرغم من مرحلة الشك التي عاشوها، مواجهة الوضع، مشيرًا إلى أن تغير السياق في منتصف السبعينات سمح لهم باستشراف مستقبل أفضل، تزامن مع ظهور نخب جديدة وانبعاث دينامية جديدة.
وأبرز بيرديغو، بعد أن ذكّر بقول مغربي مأثور، مضمونه أنّ «السوق من يهودي كالخبز من دون ملح»، أن خيار البقاء في المغرب لم يكن للحفاظ على مصالح ضيقة، بل لتكريس تاريخ، ولذلك، يضيف بيرديغو «اخترنا الاندماج المسؤول داخل مجتمع عشنا فيه منذ القدم، وأن نكون مواطنين مغاربة مخلصين».
ويتضمن برنامج لقاء مراكش، المنظم بشراكة بين مجلس الجالية المغربية بالخارج ومجلس الجماعات اليهودية في المغرب، بمساهمة كل من وزارة الثقافة والاتصال ومؤسسة التراث اليهودي المغربي والمتحف اليهودي المغربي وجمعية أصدقاء المتحف اليهودي المغربي والرابطة اليهودية العالمية، جلسات علمية تتناول «واقع وتحديات المغرب المعاصر» و«كتابة تاريخ يهود المغرب» و«إدراكات وتمثلات حول اليهودي في الإنتاج الأدبي والسينمائي والإعلامي بالمغرب» و«وصلة الشباب... جنباً إلى جنب، وجهاً لوجه، معاً وبشكل منفصل، كيف يبنى المستقبل؟» و«اليهود المغاربة... قوة اقتراح، قوة تعبئة» و«المغرب في العالم... تحديات وآفاق»، فضلا عن محاضرات وورشات للتفكير المشترك، بالإضافة إلى عرض أشرطة وثائقية، بينها «المغاربة اليهود، مصائر محبطة» و«يا حسرة… ذوك ليام (تلك الأيام)»، ومعارض فنية تشمل، على الخصوص، معرضًا من تنظيم وزارة الثقافة والاتصال، تحت عنوان «مسارات اليهود المغاربة بالأطلس والصحراء» لإلياس هروس، وآخر من تنظيم مجلس الجماعات اليهودية في المغرب ومؤسسة التراث الثّقافي اليهودي المغربي، تحت عنوان «إعادة تأهيل التراث الثقافي اليهودي المغربي... معابد ومقابر».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».