متطوع في صفوف «الحشد الشعبي» يلقي سلاحه ويعود لفرد بسطته في بغداد

فضّل الاعتماد على أجر تجارة بيع الخضروات المتواضع

عمار أحمد أب لخمسة أولاد ويسكن بالإيجار في إحدى عشوائيات بغداد
عمار أحمد أب لخمسة أولاد ويسكن بالإيجار في إحدى عشوائيات بغداد
TT

متطوع في صفوف «الحشد الشعبي» يلقي سلاحه ويعود لفرد بسطته في بغداد

عمار أحمد أب لخمسة أولاد ويسكن بالإيجار في إحدى عشوائيات بغداد
عمار أحمد أب لخمسة أولاد ويسكن بالإيجار في إحدى عشوائيات بغداد

برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة بيع الخضراوات في بغداد وبقية المحافظات على الأرصفة وفي بعض الشوارع العامة، نتيجة ضعف القانون ومحاولة الباعة التخلص من الإيجارات المرتفعة للمحلات التجارية.
البهجة والارتياح اللذان يتركهما في مزاج وعيون الزبائن، مشهد «بسطية» الزرع بألوانها الخضراء الرائعة ورؤوس الفجل الحمراء، كذلك الوجه المبتسم لعمّار أحمد (34 عاماً)، ربما تخفي وراءها همومه المعيشية الأخرى، فهو أب لخمسة أولاد ويسكن منزلاً مؤجراً في إحدى عشوائيات المدينة. ويعمل يعمل بأجر يومي في «بسطية» الزرع، لكن على المرء ألا يبدو مغفلاً ويتورط في سؤال أصحاب المهن عن قيمة ما يكسبونه من أجور في اليوم الواحد، لكنه حين يتجرأ على طرح مثل هذه الأسئلة «المغفلة»، فسيأتيه الجواب بكل تأكيد على النحو التالي: «مستورة والحمد لله!».
فعلى رصيف أحد الشوارع في حي شعبي ببغداد، يقوم عمار أحمد منذ الصباح الباكر بعرض «زرعه» على ما يشبه البسطة، أو «الجنبر» في اللغة المحلية الدارجة، أمام الزبائن وعشاق هذا النوع من النباتات. مفردة «الزرع» تطلق محلياً على أنواع الفاكهة والخضراوات التي يبيعها البقالون.
عمار أحمد التحق في الأعوام السابقة بفصائل «الحشد الشعبي» لقتال «داعش» في مناطق سامراء والعلم بمحافظة صلاح الدين، وحين وضعت الحرب أوزارها فضّل العودة والبقاء قريباً من أسرته والاعتماد على ما توفره له مهنة بيع «الزرع» من أجر متواضع لإعالة أسرته الكبيرة وتوفير احتياجاتها الملحة والأساسية.
وعاد عمار ليعرض على بسطته، بمساعدة أحد رفاقه، الفجل بنوعيه الأحمر والأبيض، وبقية الخضراوات الطازجة من الكرفس والبقدونس والنعناع والجرجير والكراث والريحان. وبجانب هذه الأنواع من الخضراوات التي تحافظ على وجود دائم على موائد العوائل العراقية وفي جميع أنحاد البلاد تقريباً، يعرض عمار أيضاً «شدّات» أو باقات (باكات) أوراق العنب والسلق التي تستخدم في لف محتويات أكلة «الدولمة» العراقية الشهيرة.
قد يبدو العمل الذي يمارسه عمار ورفيقه خالياً من المتاعب والأسرار والأضرار ربما، مثلما هي الحال مع بقية المهن الصعبة، لكن عمار يؤكد وجودها، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أستيقظ في ساعة مبكرة صباح كل يوم، ثم أعرض بضاعتي على باب الله في حدود الساعة السابعة، وعند منتصف النهار أذهب لجلب شحنة الزرع لليوم التالي بمنطقة بغداد الجديدة، والشحنة تأتي من محافظة النجف، فالزرع هناك أطيب طعماً من الموجود في بغداد». وعن المتاعب التي يواجهها عمار في مهنته، يقول: «أحب الشتاء كثيراً لأنه لا يؤذي زرعي، ولا يذبل فيه، بسبب برودة الجو. أما في الصيف، فنتعرض لخسائر كبيرة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتسببه في إتلاف الزرع وذبوله».
كذلك، يواجه عمار تحدى مطاردة البلدية له في بعض الأحيان؛ إذ «يأتي موظفوها ويطلبوا منا الرحيل وأحيانا يقومون بتخريب (بسطتنا). كما ترى؛ نحن نعمل على الرصيف وخارج الأسواق المخصصة لبيع الخضراوات بأنواعها». والمرجّح بالنسبة لعامل خضراوات ألا يزيد دخله اليومي على 25 دينارا (نحو 20 دولارا أميركيا).
يبيع عمار كل 8 باقات صغيرة من أنواع الخضراوات بألف دينار عراقي (أقل من دولار أميركي) أما باقة الفجل الأحمر أو الأبيض فيبيعها بـ500 دينار بشكل منفرد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».