شقاء الكاتب ومسرّات الكتابة

ألبرتو مانغويل في مكتبته
ألبرتو مانغويل في مكتبته
TT

شقاء الكاتب ومسرّات الكتابة

ألبرتو مانغويل في مكتبته
ألبرتو مانغويل في مكتبته

قلّ أن اقترن العذاب بالمتعة واللذة بالألم والقنوط بالرجاء، كما هو الحال مع الكتابة. كأن هذه الأخيرة هي المجال الحيوي النموذجي لالتقاء الأضداد وتعايش المفارقات وتشابكها. وقد تكون عذابات الكتابة ومكابداتها ناجمة في الأصل عن طبيعتها البدئية التي تحولها بالنسبة لمن تقع عليهم «قرعة» الإلهام إلى قَدَر محتوم، لا إلى خيار طوعي يستطيعون أن يتلافوه أو يتجنبوا نتائجه ومآلاته.
هكذا ينمو الكاتب في ظل ذلك الإلحاح المضني لغمغمات الداخل، وتلك الرياح السوداء التي تسدّ عليه المنافذ وتسوقه وراء صراخها الخلّبي ونداءاتها المغوية، دون أن يستطيع تلافياً لها أو فكاكاً منها. وعبثاً يحاول الكاتب أن يصمّ أذنيه أو ينأى بعيداً عن المهب المتعاظم لتلك الأصوات المبهمة التي تحتاج إليه لكي يهدئها أو يضعها في سياق لغوي.
على أن ما يقلق الكتّاب ليس متأتياً فقط من كونهم لا يجدون في الحياة ما يتقنونه سوى الكتابة، بل لأن الفسحات القليلة الفاصلة بين مخاض وآخر لا تكاد تكفي لالتقاط الأنفاس، أو للتلذذ بما ينعم به الآخرون من بساطة العيش وهناءته الوادعة. صحيح أن لحظات الانخطاف والكشف الإبداعي لا تقتطع من الحياة سوى شطرها الأقل، ولكن الصحيح أيضاً أن مثل هذه اللحظات لا تخضع لإرادة الكاتب وقراره الذاتي، بل هي تملك شرطها الخاص ومنطقها الداخلي العصي على أي ترويض.
وهكذا فإن على الشعراء والمبدعين أن يظلوا متأهبين دائماً لتلك الزيارة المباغتة التي قد يتأخر حدوثها إلى زمن طويل، وقد لا تحدث أبداً في بعض الحالات.

الكتابة والقلق

ليست الكتابة تبعاً لذلك رديفة للطمأنينة والرضا والمصالَحة مع العالم، بل هي الابنة الشرعية للقلق وتصدعات النفس والبحث المضني عن الحقيقة. ولعل أكثر ما يرهق الكتاب والفنانين هو كون القضايا التي تشتغل عليها أعمالهم تظل معلقة دائماً في فضاء النقصان واللاتحقّق واللايقين. ففي المجالات السياسية والاجتماعية والحياتية لم تأخذ قضايا الفقر والمرض والاستبداد وغياب العدالة وانتهاك حقوق الإنسان طريقها إلى الحل. وكذلك هو الأمر مع القضايا الوجودية الأكثر تعقيداً، حيث الأسئلة المتصلة بالحب والزمن والفقدان والشيخوخة والموت وتبدّل المصائر ومعنى الحياة، تظل معلقة أبداً في فضاء الشكوك والحيرة الملغزة. كما أن شقاء الكاتب يتصل اتصالاً وثيقاً بسعة مداركه وعمق معرفته بالأشياء، وبسبره الجحيمي لأغوار الحقيقة الإنسانية. وهو ما عبّر عنه المتنبي بقوله ذو العقل يشقى في النعيم بعقلِهِ
وأخو الجهالة بالشقاوة ينعمُ
وليس بعيداً عن هذا التوصيف يقع قول الفنان الإسباني الأشهر بابلو بيكاسو: «كلّ ما له قيمة، إبداعٌ ما أو فكرة جديدة، إنما يجلب معه منطقته المظلمة. إن لكل حركة نقوم بها حصتها من العدم. ولا أرى أبداً شيئاً عظيماً لا يكون له جانب مريع. إن عبقرية أينشتاين تفضي إلى هيروشيما!».
أما الجانب الآخر من الشقاء، فهو متصل بالطبيعة الملغزة للكتابة الإبداعية التي تظل مفاتيحها في عهدة الغيب أو المصادفات العمياء، حيث يمكن لشياطين اللغة أن تخذل أصحابها أو تهجرهم بالكامل، وحيث الصراع الطويل مع الكلمات لا يسفر أحياناً إلا عن غثاء تام، سبق للشاعر الأموي جرير أن عبَّر عنه بالقول إن الآلام الناجمة عن قلعه لأحد أضراسه هي على شدتها أهون عليه من كتابة بيت واحد من الشعر.
كما أن التفاوت الفاقع بين قصر الحياة ومحدوديتها من جهة، وبين لا محدودية اللغة وتراكيبها، تضع هذا الأخير أمام متاهة من الاحتمالات وضروب التعبير لا قِبَل لأحد سوى الموت بكتابة سطرها الختامي.
ولأن في كل نص إبداعيٍّ انزياحاً من نوع ما عن النصاب الأصلي لدلالات الألفاظ، فقد نُظر إلى الشعراء والفنانين كما لو أنهم، على المستوى اللغوي، كائنات منحرفة وخارجة عن المألوف وبعيدة عن المنطق. فيما ربط آخرون بين التجاوز اللغوي واللاسوية الأخلاقية، ولم يتردد فيلسوف استثنائي من وزن أفلاطون في طرد الشعراء من جمهوريته المثلى، بدعوى المروق ونشر الفوضى والتجديف على الآلهة.
ولطالما اعتبر الكثيرون أن الإبداع في مختلف وجوهه هو نوع من الأمراض الخطيرة أو اللعنة المزمنة التي لا قدرة لأحد على درء مخاطرها، أو هو ضرب خاص من ضروب الجنون والخبل واللاسوية. فلقد ذهب فرانس كافكا إلى القول: «إن الكتابة عطيّةٌ مدهشة، لكنها عطية واقعة في خدمة الشيطان والهبوط إلى القوى المظلمة والتحلل الروحاني من القيود الطبيعية». ولم يكن بالأمر المفاجئ أن يذهب صاحب «التحول» و«القضية» إلى ذلك الحد من النزوع السوداوي، وهو الذي وقف من خلال رواياته على البذرة الأم لاندحار القيم وفساد العلاقات بين البشر في ظل تدهور الحضارة الإنسانية واهترائها المتنامي.
نشوة الكاتب

ولعل سوء الفهم العميق بين الكاتب وعصره، أو بينه وبين نفسه، هو أحد المصادر الأهم لتعاسته وشقائه الدائمين، بما وضع الكثير من المبدعين على طريق الجنون، وأفضى بكثُر آخرين إلى الانتحار والهلاك المحقّق.
لكن للكتابة، من زاويتي الكاتب والقارئ على حد سواء، جوانبها الأخرى المتصلة بمتعة الاكتشاف، والانتصار على الصمت، والظفر باللقى الغائرة في الأعماق. ففي الجانب المتعلق بالمبدعين لا نشوة على الإطلاق يمكنها أن توازي نشوة الكاتب في اختباره للحظة الإلهام والتجلي، خصوصاً حين تُسلس له اللغة قيادها بعد فترة قاسية من التمنع والاستعصاء.
لا بل إن الكاتب فيما يكتب، يشعر بأنه يفاجئ نفسه قبل أي أحد آخر، وأنه محتشد بالحياة وممتلئ بذاته بما لا يدع لليأس فرصة للتسلل، وللموت ذريعة لاقتحام الخانات الفارغة من النفس. ثمة في لحظات كهذه ما يمنح المرء شعوراً بالقفز خارج حدود الجسد المحدود أو اللحظة العابرة، وما يمكّنه من معانقة الأبدي والمطلق وغير القابل للزوال. ولا يجافي الحقيقة بشيء، أولئك الذين يربطون بين آلام المخاض والولادة عند المرأة، والآلام الموازية التي يختبرها الكتاب والفنانون في لحظات الخلق الإبداعي. ولا أولئك الذين يربطون من ناحية أخرى بين النشوة العارمة المتأتية عن فعل الإنجاب ووهْب الحياة، والمتعة المتولدة عن إنجاز نص جديد، يشعر الكاتب قبل سواه بفرادته وتميزه.

بهجة القراءة

أما من جهة القارئ فإن نصاً أو عملاً فنياً من الطراز الرفيع يمكن أن يمنحه شعوراً بالبهجة والامتلاء الروحي يصعب الحصول عليه من أي مصدر آخر. إن المنبع الحقيقي لمثل هذا الشعور يتمثل في قدرة المؤلف على مباغتة القارئ وإدهاشه بما يصيبه من اللقى الجمالية والمعرفية، بصرف النظر عن الطابع المأساوي للموضوعات التي يقاربها. صحيح أن شيئاً من الحزن لا بد أن يعترينا لدى قراءتنا لقصيدة ابن الرومي في رثاء ولده الأوسط، على سبيل المثال لا الحصر، ولكن هذا الحزن يخلي مكانه في الوقت ذاته لشعور بالمتعة متولد عن جماليات التأليف وليونة الأسلوب، ودقة التتبع الحسي والنفسي لحالة الفقد.
ورغم المضامين المفجعة لقصيدة غارسيا لوركا في رثاء صديقه الشاب الذي قضى فوق حلبة الصراع مع ثور هائج، فإن غمغمات الدهشة التي نواكب بها استعارات الشاعر وصوره المذهلة تدفع بحادثة الموت إلى الخلف، بحيث يغلب فرح التعبير على قتامة الموقف وحزن المعنى. وإذ تعبّر سيمون دي بوفوار عن مثل تلك المسرات العميقة بالقول: «حتى المحزن يصبح مفرحاً حين نجعله فنّاً»، يذهب ماريو فارغاس يوسا إلى أبعد من ذلك، فيعلن بلا تردد: «الذين لا يقرأون هم أناس يستحقون الشفقة لأنهم يجهلون المتعة التي تفوتهم. أما المجتمع الذي لا يقرأ فهو بالتأكيد مجتمع همجي الروح».



اهتمام «سوشيالي» واسع بنبيل الحلفاوي إثر مرضه

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
TT

اهتمام «سوشيالي» واسع بنبيل الحلفاوي إثر مرضه

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)

حظي الفنان المصري نبيل الحلفاوي باهتمام واسع على «السوشيال ميديا» إثر مرضه، وانتقاله للعلاج بأحد مستشفيات القاهرة، وتصدر اسم الفنان «الترند» على «إكس» في مصر، الجمعة، بعد تعليقات كثيرة من أصدقائه ومتابعيه على منصة «إكس»، داعين له بالسلامة، ومتمنين له سرعة الشفاء والعودة لكتابة «التغريدات».

صورة للفنان نبيل الحلفاوي (متداولة على إكس)

واشتهر الحلفاوي بنشاط تفاعلي على منصة «إكس»، معلقاً على العديد من القضايا؛ سواء العامة أو السياسية أو الفنية، أو الرياضية بالتحديد، بوصفه واحداً من أبرز مشجعي النادي الأهلي المصري.

وكتب عدد من الفنانين داعين للحلفاوي بالسلامة والتعافي من الوعكة الصحية التي أصابته والعودة لـ«التغريد»؛ من بينهم الفنان صلاح عبد الله الذي كتب على صفحته على «إكس»: «تويتر X ما لوش طعم من غيرك يا بلبل»، داعياً الله أن يشفيه.

وكتب العديد من المتابعين دعوات بالشفاء للفنان المصري.

وكان بعض المتابعين قد كتبوا أن أسرة الفنان نبيل الحلفاوي تطلب من محبيه ومتابعيه الدعاء له، بعد إصابته بأزمة صحية ونقله إلى أحد مستشفيات القاهرة.

ويعد نبيل الحلفاوي، المولود في القاهرة عام 1947، من الفنانين المصريين أصحاب الأعمال المميزة؛ إذ قدم أدواراً تركت بصمتها في السينما والتلفزيون والمسرح، ومن أعماله السينمائية الشهيرة: «الطريق إلى إيلات»، و«العميل رقم 13»، ومن أعماله التلفزيونية: «رأفت الهجان»، و«لا إله إلا الله»، و«الزيني بركات»، و«غوايش»، وفق موقع «السينما دوت كوم». كما قدم في المسرح: «الزير سالم»، و«عفريت لكل مواطن»، و«أنطونيو وكليوباترا».

نبيل الحلفاوي وعبد الله غيث في لقطة من مسلسل «لا إله إلا الله» (يوتيوب)

ويرى الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين أن «نبيل الحلفاوي نجم كبير، وله بطولات مميزة، وهو ممثل مهم لكن معظم بطولاته كانت في قطاع الإنتاج»، مستدركاً لـ«الشرق الأوسط»: «لكنه في الفترة الأخيرة لم يكن يعمل كثيراً، شارك فقط مع يحيى الفخراني الذي قدّر موهبته وقيمته، كما شارك مع نيللي كريم في أحد المسلسلات، فهو ممثل من طراز فريد إلا أنه للأسف ليس اجتماعياً، وليس متاحاً كثيراً على (السوشيال ميديا). هو يحب أن يشارك بالتغريد فقط، ولكن لا يتفاعل كثيراً مع المغردين أو مع الصحافيين. وفي الوقت نفسه، حين مر بأزمة صحية، وطلب المخرج عمرو عرفة من الناس أن تدعو له بالشفاء، ظهرت مدى محبة الناس له من أصدقائه ومن الجمهور العام، وهذا يمكن أن يكون فرصة لمعرفة قدر محبة الناس للفنان نبيل الحلفاوي».